![]() |
سياسي واعلامي أصدر جريدة الهيرالد المهجرية |
لم تكن صدفة أن يُزرع المعهد التابع لراهبات العائلة المقدسة المارونيات الى جانب ثاني أكبر كنيسة في أستراليا تابعة للطائفة المارونية، فهذا تقليد قديم درج عليه الموارنة حيث كانت الأديار تجاري الصروح العلمية، ولم يكن صدفة أن ينمو معهد سيّدة لبنان بهذه السرعة، ويقفز قفزات نوعية، لولا جهود الأخوات الراهبات القيّمات عليه، واللواتي أنعم الله عليهن بالتطلع الكبير، ومدّهن بالقدرة والعزم على تحقيقه..
بنيان يعلو ويتمدد بالرغم من ضيق الامكانات والعراقيل، وأفواج تطير من داخله سنوياً، بعد أن تكون أنهت دراستها على يد جسم تعليمي كفوء انكبّ على تثقيفها لسنوات، وتحلق في مجالات هذا الوطن العظيم أستراليا الرحبة، تغنيه بعلمها وتهذيبها ونشاطها المرتكز على حضارة عمرها ألوف السنين، والمنبثق من تربية عائلات تحيا بخوف الله.
ليلة الجمعة الماضية كنا على موعد مع رائعة من روائع الاستاذ شربل بعيني عنوانها "يا مار شربل" التي كتب فصولها بلغة مبسّطة، ودشّن فيها مسرح المبنى الجديد الذي انضمّ الى هذه القلعة الثقافية ـ الأخلاقية. لعب أدوارها براعم الصف السادس والخامس والرابع والثالث ببراعة ملفتة نالت تصفيق الأهل مراراً، وأضحكتهم مطوّلاً.. كما انها أبكتهم فرحاً وهم يشاهدون فلذات أكبادهم، مولودي هذه الديار يتكلمون لغتهم الأم بطلاقة وعفوية ويلعبون أدوارهم بحيوية.
مدّ المربي شربل بعيني في مسرحيّته خيطاً بين لبنان وأستراليا، وعلى هذا الخيط نشر غسيل الفساد والانحطاط والرعب، ونسج معاناة أهلنا الذين فقدوا الأمل بالمتسلطين ولم يبقَ لهم من فسحة أمل سوى شفيعهم مار شربل، قديس لبنان والعالم.
ضيعة "تلّ النسورا" صورة مصغرة عن كل لبنان، وقد حاكى شربل بعيني عبر أهاليها الطيبين أشواقنا وآمالنا وحكّ على جرحنا الذي لا يختم إلا بالعودة الى هناك.
ويرفع بعيني عودة الغيّاب الى مستوى الاعجوبة.. فوطننا مخطوف، وأهلنا مرعبون ومشرشحون وملاحقون من قبل الفقر والمخابرات.. والمتسلّط أقوى من القانون، والمطاليب لا تصل الى أصحابها بل تبقى حبراً على ورق، وترمى في سلّة المهملات، والحالة بالمختصر زفت بزفت.. وفي أعماق لا وعيك تدرك ان العودة لا تحصل إلا بعد تخليص لبنان من مخالب الطامعين والزاحفين والمتكالبين وهذا لا يتم إلا بالاتحاد والتصميم والترفّع عن الخصوصيّات، وهنا تكمن الأعجوبة التي يصرّ شربل بعيني على حصولها.
سهرية لا تنسى أمضيناها في رحاب معهد سيّدة لبنان، واستراحة خرجنا خلالها من رتابة الحياة المملّة، وصرخة مدويّة للعودة الى الله الذي لا يخيّب أبداً الملتجئين إليه.
شربل بعيني الصوت الصارخ رجاء في زمن الاحباط والمتمسّك بالقيم التي يراها كثيرون "دقّة قديمة" غطّاها صقيع المادة.
عافاك الله، وسلمت يداك، ودام نبعك الفكري يضخّ مثل هذه الجواهر الغاليات.
الهيرالد، العدد 403، 2 تموز 2004
**