مقدمة الموسوعة

جوزاف بعيني، كلارك بعيني، وشربل بعيني: أيام الطفولة في مجدليا
منذ زمن بعيد وفكرة إصدار سلسلة كتب "شربل بعيني بأقلامهم" تراودني، كيف لا، وشربل واحد من كبار شعراء المهجر، لا بل هو "شاعر العصر في المغتربات" على حد قول الأديب السوري نعمان حرب في مجلة "الثقافة" السورية، كما أنه، وبدون أي مراوغة، "عراب" الأدب المهجري في أستراليا.
   لم يُكتب عن أديب، مهجري أو مقيم، بالكثافة التي كُتب بها عن شربل بعيني، فرغم آلاف المقالات والقصائد التي جمعناها عنه، نجد أننا أضعنا الكثير الكثير، لذلك نطلب من كل كاتب لا يجد مقاله هنا أن يزوّدنا به مع صورته، بغية إضافته بكل محبة وترحاب.
والدتي راحيل تحمل ابن أخيها شربل وهو بعمر ثلاثة أشهر فقط
   شربل بعيني، الشاعر المتواضع، ابن القرية الهادئة مجدليا، المولود في العاشر من شباط ـ فبراير 1951، بنى صرحاً أدبياً عظيماً في أستراليا من خلال نشره أكثر من ستين كتاباً أدبياً ومدرسياً، فأوجد بذلك نهضة أدبية التفّ حولها معظم الأدباء الروّاد، وأشدّد على هذه الكلمة، لأن الأدباء والشعراء الذين ستقرأون لهم، ليسوا بحاجة الى تعريف، نظراً لعطاءاتهم الأدبية المتعددة، وتشابك أيديهم في هذا المغترب البعيد من أجل أدب مهجري رائد، وما التفافهم حول أدب شربل سوى اعتراف وتشجيع منهم لشاعر فجر القصيدة الشعرية، وجعلها تتماشى مع طموح الشعب وأمانيه، ان كان باللغة الفصحى او بالعامية.
   لقد عرفت شربل منذ الصغر، وترعرعت واياه في بيت واحد تقريباً، وكنت أول المعجبين بشعره، لأنه كان يقرأه لي قبل نشره في الصحف والمجلات اللبنانية، ولم يبلغ بعد ربيعه الثالث عشر.
   وفي العشرين من عمره، سافر شربل الى أستراليا، تحت ضغوط عديدة لا داعي لذكرها، فلحقت به حالاً، والأحلام تصوّر لي كيفية لقائي به في بلاد واحدة، جاهلاً تماماً أن المسافة بين مدينتيْ ملبورن وسيدني تستغرق ساعة طيران وأكثر، ورغم هذه المسافات الشاسعة، بقيت قرابتي تتوطّد وتتطوّر من حسن الى احسن.

 وسأقص عليكم بعض نوادر وحكايات شربل بعيني الطريفة:
   ذات يوم، طلبني عمي وقال لي:
   ـ لماذا لا تكتب وتنشر في الجرائد والمجلات مثل ابن خالك شربل؟
   فكّرت ملياً بالأمر، وبدأت بكتابة الشعر وارساله الى "الشبكة" و"ألف ليلة وليلة" وغيرهما من المجلات اللبنانية، التي لم تنشر لي قصيدة واحدة رغم تكرار المحاولات، وتغيير الاسلوب الشعري.
   وإرضاء لخاطر عمي، الذي ما فتىء يطالبني بنشر شيء ما، لجأت الى شربل قائلاً:
   ـ أنا أعرفك مولعاً بالسينما، فما رأيك لو تنشر قصيدة واحدة فقط موقعة باسمي مقابل خمس ليرات لبنانية؟.. فوافق شربل دون تردد.
   وبعد أسبوع ظهرت القصيدة واسمي يتدلّى منها كعنقود من دالية.
   عرف شربل السخاء منذ نعومة أظافره، فلقد كان وما زال سخياً مع جميع رفاقه، لدرجة أنه كان يطعمهم زاده في المدرسة، ويتطلع إليهم، وهم يأكلونه، والبسمة تعلو شفتيه.
شربل بعيني يلقي أولى قصائده بعمر تسع سنوات
   وإن أنسى لا أنسى حكايته مع جدتنا خرستين، التي كانت تعشق سماع القصص والأساطير، فوجد شربل أن الفرصة سانحة لزيادة أرباحه من نتاجه الفكري، لذلك حوّل نفسه الى "حكواتي" في دكانها، ولجأ الى حيلة يبتزّ بها بعض الدراهم منها، خاصة بعد أن اكتشف نقطة ضعفها، فكان يقسم القصة الى فصول، ينهي الواحد منها بموقف حرج، لا يحسد عليه البطل، ومن ثم يبدأ بالتثاؤب، فتأمره جدته بمتابعة السرد، فيتجاهل أمرها، ويتظاهر بالنعاس والنوم، فإن "نكزته" بعصاها، كان يجفل ويغضب ويهددها بعدم انهاء القصة ما لم تدفع له، وكانت، رحمها الله، تدفع وتدفع وتدفع، وقصة شربل لا تنتهي إلا بعد انتفاخ جيوبه.
  عندما طرحت فكرة هذه السلسلة "صدر منها حتى الآن 11 جزءاً ورقياً" على شربل، قال لي دون تردد:
   ـ أوافق، شرط أن تنشر كل كلمة تُكتب عني بغض النظر عن إطرائها لي أو سخطها وتهجمها علي.
والحقّ أقول أن معظم الذين تهجموا على شربل باتوا من أقرب المقربين له الآن، ومع ذلك أثبتنا مقالاتهم التهجمية، كي نطلع الدارسين لأدب شربل بعيني على كل شاردة وواردة مرّت خلال رحلته مع القلم.
   قد تجدون عدة مقالات، أو عشرات القصائد، منشورة على صفحة واحدة، لنفس الكاتب، حتى لا نوزعها على صفحات عدة، فنكثر الصفحات، ونشوّش فكر القارىء، يفصل بين المقال والمقال عنوان كتب بالخط الأحمر العريض.
   قراءة هذه الموسوعة الأدبية التي تعتبر الأولى من نوعها في بلاد الاغتراب سهلة جداً، فما عليكم إلا اختيار اسم الكاتب والنقر عليه وقراءة مقالاته عن شربل بعيني.
 وها أنا أطلعكم على ثمرة أتعابي، التي زيّنتها  بصور تاريخية لشربل بعيني تجمعه بالعديد من أصدقائه، كما نشرت أفلاماً لبعض الأدباء والشعراء وهم يهدون محبتهم لشربل.. ناهيكم عن التفتيش المضني عن صورهم الشمسية، التي ينقصني الكثير منها،  بغية نشرها مع ما كتبوا.. وأرجو أن أكون قد وفقت.
كلارك بعيني
ملبورن ـ أستراليا