دفاتر الأيّام أنهى حلقاته لعام 2000 بلقاء الشاعر شربل بعيني/ ماري ميسي

مذيعة في إذاعة (أس بي أس) الحكومية
فازت بجائزة شربل بعيني عن حقل الإعلام
قبيل أنتهاء عام 2000 بيومين فقط، استضاف برنامج (دفاتر الأيام) الذي تبثّه إذاعة SBS، الشاعر شربل بعيني، ونظراً لأهميّة اللقاء، وللمعلومات التاريخيّة التي وردت فيه، رأينا أن من
الأفضل إطلاع قرّاء مجلّة (أميرة) على أهم ما جاء فيه. والجدير بالذكر أن رئيسة البرنامج العربي السيّدة ماجدة عبّود كانت قد اتصلت بالشاعر بعيني لإجراء المقابلة، وعندما أعلمها بأن السيّدة ماري ميسي قد اتصلت به قبل أسابيع لإجراء مقابلة مماثلة معه، قالت: نحن فريق عمل واحد.. ولا يهمنا سوى نجاح البرنامج العربي.. سآخذ منك موعداً بنفسي كي تجري معك المقابلة زميلتي ماري ميسي.
ونحن في مجلّة (ميرة)لا يسعنا إلاّ أن ننوّه بموقف السيدة ماجدة عبّود المشرّف، الذي يدل على اهتمامها المضني من أجل إنجاح البرنامج العربي وعمل باقي المذيعات والمذيعين. وإليكم أهم ما جاء في اللقاء الذي أجرته السيّدة ماري ميسي:
"ضيفنا اليوم شاعر مهجري حصل على جوائز عديدة، منها: جائزة الأرز الأدبية عام 1985، من قنصل لبنان العام في سيدني الدكتور جان ألفا. جائزة تقدير الكلمة عام 1986، من الأستاذ سامي مظلوم في مالبورن، على جائزة جبران العالميّة عام 1987، من رابطة إحياء التراث العربي، جائزة الشاعر جورج جرداق عام 1992، وأخيراً على جائزة "أمير الأدباء اللبنانيين في عالـم الإنتشار اللبناني لعام 2000"، من المجلس القاري للجامعة اللبنانية الثقافية في العالـم ـ فرع أميركا الشماليّة، الذي يرأسه الأديب جوزيف حايك.
أصدر 34 كتاباً، موزعة بين الأدب والشعر والتعليم. ألّف مسرحيات عديدة، كما كتبت عنه كتب عديدة. أصدر صحيفة صوت الأرز عام 1973، وفي عام 1995 مجلة ليلى. نتصفّح اليوم دفاتر أيّام الشاعر شربل بعيني:
ـ شربل.. أهلا وسهلا فيك
أهلا وسهلا فيك ست ماري. 
ـ للحقيقة.. لـم أكن أعرف كيف أكتب مقدمة عنك 
انت خبيرة بأدبي.. فلقد كنت من أكثر الذين قابلوني في هذا المهجر.
ـ تسلم.. تسلم. أولاً أقول لك مبروك على الجائزة الأخيرة التي هي أمير الأدباء في عالـم الإنتشار. التي منحك إيّاها المجلس القاري للجامعة الثقافيّة في العالـم ـ فرع أميركا
أشكرك.. وأشكر الجامعة اللبنانيّة الثقافيّة في العالـم، فهذه هي المرة الأولى التي تلتفت بها للأدب المهجري، ولو لـم يكن الرئيس القاري للجامعة أديباً كبيراً إسمه جوزيف حايك.. لا أعتقد أن أحداً سيفكّر بأدبنا المهجري. إنها إلتفاتة عظيمة منه.. أشكره عليها.
ـ اليوم، سوف لن نركّز على شعرك، بل على شخصية شربل بعيني الإنسان، الذي لا يمكننا أن نفرّقه عن الشاعر. فلنبدأ إذن من طفولتك.. من نشأتك.. أنت من لبنان.. ولكن من أين؟
أنا من مجدليا ـ شمال لبنان، بلدة صغيرة، ولكنها أصبحت اليوم كبيرة.
ـ كبيرة بأهلها
شكراً.. إنها تفصل بين مدينتي زغرتا وطرابلس، وتربط أقضية زغرتا، الكورة والضنيّة. إذ أنها تملك مساحة شاسعة من الأراضي. لهذا أطلقوا عليها إسم "مجدليا"، أي المجد لها. وهي البلدة الوحيدة التي أنشئت بها بلديتان. بلدية لمجدليّا، وبلديّة استحدثت مؤخراً لفوّار مجدليّا. أنا من تلك البلدة، هناك ولدت.
ـ ماذا تتذكر من طفولتك؟
هناك أشياء كثيرة أتذكرها، أولها، محبّة أبناء القرية لبعضهم البعض، حتى أنهم في مهجرهم هذا لـم يتخلّوا عن حب بعضهم البعض، وهذا ما جعلني أحب الآخرين. فلقد تربّينا على المحبة.. كما أنني لا أنسى كيف كان أهالي القرية يحبّون الإستماع إلي وأنا ألقي أشعاري.. من يوم كنت في التاسعة من عمري، خاصة عندما يزور شخص العذراء مريم بيوت القرية في شهر أيار، فكنت أقف لاستقباله على باب بيتي بخطاب طفولي، وكان الناس ينصتون إليّ. من أيام طفولتي وأنا أحب أن ألقي الشعر، صحيح أن صوتي عالٍ، ولكن علو الصوت كان وما زال يساعدني على توصيل كلمتي
ـ هل أمضيت فترة شبابك في مجدليا فقط؟
لا.. لقد ذهبت إلى طرابلس، هناك اشتركت بأمسيات أدبيّة عديدة. ولكنها كانت متعبة بالنسبة لي.. خاصة وقد صدر لي في ذلك الوقت كتاب (قصائد مبعثرة عن لبنان والثورة)، وعندما تتكلمين عن الثورة عام 1970، فهذا يعني وجع الرأس.
ـ هذه أشياء أعرفها من مقابلاتي السابقة معك.. ولكن بعض المستمعين يجهلون الظرف الذي كان السبب في هجرتك إلى أستراليا.. إنه أحد كتبك على ما أعتقد.
نعم.. إنه الكتاب الذي ذكرت سابقاً.. أضيفي إلى ذلك كتاب عن الثورة الفلسطينيّة إسمه "يوميّات مراسل أجنبي في الشرق الأوسط" نشر في معظم الصحف والمجلاّت اللبنانية والعربيّة، كالنهار والأنوار والبيرق والدبور والهدف للمرحوم غسّان كنفاني. وبسبب هذه القصائد دعيت إلى أمسية شعرية في طرابلس.. فتخلّل الأمسية إطلاق نار.
ـ هل كنت تدعو للثورة؟
أجل.. ولكثرة حماس الجمهور راح يطلق النار.. فاختبأ محسوبك تحت الطاولة.
ـ شاطر بالحكي بس
وهل تريدينني أن أحارب؟.. لقد افتكرتهم يطلقون النار عليّ.. فاختبأت تحت الطاولة. والمقطع الشعري الذي ألهب القاعة يقول:
لـم يقتلوا طفلاً إخواني
أعرفهم حتماً أعرفهم
فالرحمة هم
والرأفة هم
وليسمع كلّ إنسانِ
لولا عدالةُ ثورتهم
لفقدت بالعدل إيماني
هنا بدأ الرصاص يلعلع، فأين تريدينني أن أصبح؟
ـ تحت الطاولة
ويظهر أن المكتب الثاني اللبناني في ذلك الوقت لـم يعجبه ما حصل في تلك الأمسية، أولاً، أنا من منطقة معيّنة، وعليّ أن ألزم حدودي.. وثانياً، الثورة التي ينطوي عليها كلامي غير مسموح بها.
فاعتدوا علي أمام سينما "الريفولي" وقالوا: سد بوزك.. وكان برفقتي أخي جوزاف، وشاب يعيش الآن في كندا، كان أول من أخبرني بفوزي بإمارة الأدب، إسمه أنطوان بعيني. فركضا نحوي وأسعفاني بعض الشيء، خاصة وأن الدم كان يغطي وجهي. وأثناء الليل جاءنا خوري، هو الآن في كندا أيضاً، وطلب من والدتي، رحمها اللـه، أن أختفي عن الأنظار مدة من الزمن. فاختفيت في بيت أحد أقربائي في بلدة حصرون الشمالية، ولـم يدر أحد بوجودي هناك. ومن هناك أجريت الإتصالات بين لبنان وأستراليا، وكان المجيء إليها سهلاً عكس هذه الأيام، فسهّل لي السفر الرئيس رينيه معوّض، رحمه اللـه، كوني كنت أحمل رقماً إحتياطيّاً في الجيش.. بعد أن كنت خضعت للتدريب العسكري في صف الفلسفة.
ـ بإمكاني أن أقول أن هذا الكتاب قد غيّر مجرى حياتك.. فلو بقيت في لبنان، هل كنت ستصبح شربل بعيني الذي نعرفه الآن؟
كنت سأصبح أشهر من اليوم.. فمن الكتاب الثالث والضجّات الإعلاميّة تلاحقني. فكتاب مراهقة أحدث ضجة كبرى، ولـم تبق صحيفة ولـم تكتب عنه. وأذكر أن أحد مستشاري رئيس الجمهورية، كان يكتب تحت إسم مستعار "توني سابا"، خصّ الكتاب بصفحتين في مجلته، وطالبني بأن أقرأ أشعاري في مسرح فاروق فقط. فتصوري كم كانت كتبي، وانا في السابعة عشرة من عمري، تأخذ اهتماماً أدبياً.
ـ ولكن ألا تعتقد أن الهجرة قد أثّرت على كتبك.. كون الشاعر يتأثر ببيئته ومجتمعه؟
ولكن مساحة النشر عندي كانت ستكون أوسع لو بقيت في العالـم العربي، خاصّة وأنني بدأت النشر وأنا في السادسة عشرة من عمري. فالشاعر في وطنه ينطلق أكثر.. فلقد قال لي الشاعر المرحوم نزار قبّاني قبيل وفاته: ضيعانك تضل بأستراليا.
ـ بإمكانك أن تكتب في أستراليا وتنشر في الخارج.
المسألة ليست كما تكونين هناك.. فالشاعر مثل الفنان، ولكن الفنان الذي يأتي من الخارج تسبقه شهرنه، فالتلفزيون والإذاعات والمجلات الفنيّة كلها تحت أمره، أما نحن فنعيش غربة ضيّقة مهما فعلنا. اليوم أصبح عندنا (الإنترنت)، أما في السابق فكنّا لانملك شيئاً. عندما وصلت إلى أستراليا، كانت عمليّة النشر تتملّكني. لقد نشرت في لبنان، ونالت كتبي الكثير من التقدير، فأصبح مرض النشر يؤرق عيني، فنشرت في المهجر كتاباً إسمه مجانين.
ـ أعتقد أنّك أول من طبع كتاباً في أستراليا.
ولقد أتعبتني طباعته كثيراً، إذ أنهم طبعوا الصفحات بالمقلوب.. وذلك لندرة المطابع العربيّة.. فتصوّري حالة الصراخ التي اجتاحت عمّال المطبعة عندما أخبرتهم أن الكتاب طبع بالمقلوب، وعليهم أن يباشروا بطباعته من جديد. لقد تحملوا الخسارة ولـم أدفع سنتاً واحداً.
ـ كان هذا أول كتاب يطبع في أستراليا..
أجل.. وهو مسجّل الآن بالمكتبة الوطنيّة في كانبرا
ـ ما هو العمل الأول الذي قمت به في أستراليا؟
حمّال.. عتّال.. أول ما وصلت إلى أستراليا اشتغلت حمّالاً!! تصوّري أن إصبعي الخنصر كان انقطع.. لأنني أجبرت على وضع منجل صغير في خنصري كي أقطع بها الحبال، ومع الوقت التهب إصبعي، فأمر أحد الأطباء بقطعه.. فقلت له: يقطع رقبتك.. أتعتقد أن قطع عضو من جسمي مسألة سهلة؟.. فبدأت بمداواته بنبتة إسمها (حي العالـم).. ذات أوراق خضراء وعريضة.. فخففت الإلتهاب وأبقت إصبعي في يدي.. ها هو أترينه؟
ـ إني أراه.. ما زال في مكانه. شربل.. نحن نعرف أنك تعمل كمربٍ في مدرسة سيّدة لبنان.
قبل أن ألتحق بمدرسة سيّدة لبنان، كنت قد تركت العمل في الفبارك، بعد أن قلت لنفسي: أنا جئت إلى هذه الغربة ولـم يكن في جيبي أكثر من 40 دولاراً، إذا خسرتها لن أخسر شيئاً، فلماذا لا أؤسس شركة ما أعيش منها بشرف، فأسست شركة صوت الأرز لبيع الكسيتات الغنائية العربيّة، وتعتبر أول شركة من نوعها في ذلك الوقت، فنجحت بشكل مذهل. وفي يوم من الأيّام تعرّفت براهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، فقالت لي الأخت كونستانس الباشا: العمل التجاري لا يليق بك، أنت حقلك التعليـم، تعال علّم معنا.. كان هذا سنة 1980، فقلت لها: دعيني أفكّر.. وبعد تفكير عميق وجدت أن من الأنسب الإلتحاق بمهنة التعليـم، وهكذا كان. فالسعادة ليست دائماً بجمع المال.
ـ كما أن الكتب لا تطعمك خبزاً
لقد وزعت كتبي مجاناً.. أنا لـم أقـم ندوة واحدة لبيع كتبي.
ـ المعروف أنك نشرت أكثر من 34 كتاباً، ومعظم هذه الكتب ترجم إلى الإنكليزية.
ولا تنسي أن كل كتاب طبع عدّة مرّات.. فيكون مجموع ما أصدرت من كتب 63 كتاباً.
ـ هناك من ينتقد غزارة الكتب عندك.. فماذا تقول؟
جميعهم عندهم غزارة شعرية.. كلهم يملكون القصائد العديدة، ولكنهم لا يملكون الجرأة على دفع تكاليف النشر.
ـ أبسبب كلفة الكتاب؟
أجل.. أنا، والحمد للـه، كان عندي الجرأة على النشر، وكنت أقول إن على الشاعر أن يترك أعمالاً تخلّده.. فضحيّت بكثير من المال.. فإذا اعتبرنا أن كلفة كل كتاب تساوي ثلاثة آلاف دولار، ضرب 63 إصداراً، لكان بإمكاني أن أشتري بناية في المدينة، على حد تعبير الدكتور عصام حداد.
ـ أنت لا تبيع كتبك.. أما هكذا؟
أكيد لا أبيعها، فأنا أؤمن بأن أدب الشاعر يجب ألاّ يباع.. وأن يكون غائيّاً لا غوغائيّاً.
اذاعة أس بي اس الحكومية في أستراليا
**
لقاء مع الدكتور علي بزّي
ـ يوم السبت القادم، في الثامن عشر من شهر كانون الاول 1993، سيقام مهرجان أدبي كبير بمناسبة اليوبيل الفضي لصدور أول ديوان شعري للشاعر شربل بعيني "مراهقة 1968"، وقد دعت إلى هذا المهرجان جمعيّات لبنانية وعربية عديدة، وعن الهدف من إقامة هذا المهرجان، تحدثنا مع الدكتور علي بزّي من جمعية أبناء بنت جبيل.
نحن، في جمعية أبناء بنت جبيل، فكرنا في تكريم الشاعر شربل بعيني بمناسبة صدور ديوانه "قرف"، الذي أهداه لبنت جبيل، وفي اجتماع ضمنا مع بعض فعاليات الجالية العربية، طرحنا الفكرة، فقالوا: لا.. يجب أن يكرّم شربل بعيني على مستوى الوطن العربي ككل، وعلى مستوى الجمعيات الموجودة في أستراليا، ونشأت فكرة اليوبيل الفضّي، بعد مرور 25 سنة على صدور أول ديوان للشاعر شربل بعيني، وهو "مراهقة" 1968.
ـ دكتور بزي.. على سبيل التحدث عن "قرف". ديوان "قرف" أثار جدلاً كبيراً بسبب بعض الألفاظ التي استعملت فيه. برأيك أنت، هل كان الجدال في محله؟
الجدال طبعاً، لم يكن في محله، لأن شعراء كثر قبل شربل بعيني ذكروا كلمات حتى شربل بعيني لم يذكرها، منهم المتنبي مثلاً.
ـ طيب، قلنا إن أول ديوان صدر للشاعر شربل بعيني كان "مراهقة 1968" وآخر ديوان كان قرف 1993"، فما هو نتاج شربل بعيني خلال هذه الرحلة؟
بالفعل، نتاج شربل بعيني هو نتاج ضخم، ليس بالشعر فحسب، بل بالمسرحيات والكتب المدرسية، فمن "مراهقة" إلى "قرف" 18 ديوان شعري، بالاضافة إلى ست مسرحيات، والعديد من الكتب المدرسية مثل: القراءة السهلة، سامي وهدى، قاموسي الصغير، القراءة الشاملة، القراءة الحديثة، دفتري السادس ودروب القراءة. فشاعر مثل شربل بعيني له نتاج ضخم بهذا الشكل حري أن يكرّم فعلاً.
ـ بنظرك، بماذا يتميّز شربل بعيني الشاعر، ومن ثم شربل بعيني الانسان؟
ليس بالامكان فصل شربل بعيني الشاعر عن شربل بعيني الانسان، لأن شربل بعيني الشاعر هو الانسان في حد ذاته. شربل بعيني يتميّز "بشغلات حلوه كتير" الجرأة التي يتمتع بها، الكلام الذي يحكيه، لا يقدر أحد غيره أن يحكيه. بديوان "قرف" أجاد شربل تماماً كما أجاد في دواوينه الباقية. نحن نعتبر شربل بعيني شاعر الوطن في الغربة، مثلما كان شاعر الغربة في الوطن، حنينه دائم لوطنه لبنان، لمجدليا، للأرز، لكل ما هناك. شربل إنسان في شعره، الذي يعالج كل المواضيع الانسانية والحياتية والاجتماعية. في ديوان "قرف" نقده لاذع بناء للحالة الاجتماعية الموجودة في أستراليا. إنسان بهذا الشكل "خرج إنّو يتكرّم".
ـ دكتور بزي.. لأول مرة في أستراليا هناك إجماع عربي كبير، إذا صح التعبير، يعني ان الهيئات التي تكرّم شربل بعيني: فلسطينية، سورية، لبنانية، أي أنها تنتمي الى عدة بلدان، ما سر هذا الاهتمام العربي الكبير بشربل؟
لأن شربل لم يكن لفئة معيّنة أو لجالية معيّنة، شربل بعيني تكلّم عن الانسان العربي ككل، وعالج المواضيع العربية ككل أيضاً. فهو لم يتوقّف عند الوضع الاجتماعي في لبنان وأستراليا، بل تصدى للغلط أينما كان، وبأي مكان من العالم العربي، ولهذا أحبّت الجمعيّات العربية أن تكرّم شربل بعيني.
ـ الدكتور علي بزي من جمعية أبناء بنت جبيل، والذي سيقدم الاحتفال بمناسبة اليوبيل الفضي لصدور أول ديوان شعري للشاعر شربل بعيني، والذي سيقام يوم السبت القادم في غرانفيل تاون ـ هول.
ٍSBS Radio
**
  
أقلام وألوان: لقاء مع الشاعر شربل بعيني
أجري هذا الحوار باللهجة اللبنانية وقد حولناه الى الفصحى.
شربل: عمري ابتدا من يوم ما حبّيت
وتغلغلت بالشعر ديّاتو
وطرطش دينيي بألف بيت وبيت
خلّوا السمع يغرق بحكياتو
قبلو ما كان العمر يحلالي
ولا خطرت الأحلام ع بالي
كنت أوقع بالمسافه وقوم
حامل ضجر بـ عتمة ليالي
ماري: لُقّبَ بسيف الأدب المهجري، وبشاعر المهجر الأول. قالوا عنه أيضاً انه ملاّح يبحث عن الله. حرية الرأي والجرأة في الكلام كانتا السبب وراء تركه مسقط رأسه مجدليا في شمالي لبنان، والهجرة الى أستراليا. 
   إنه يعتقد ان رسالة الأديب هي في إرشاد الناس الى الطريق الصواب، وفي إعادة حقّهم الضائع بالثورة على الظلم والتقاليد.
   أصبح يمثّل تيّاراً شعرياً بحد ذاته، ولكنه لم يقبع في قوقعة الغربة، بل مدّ جسوراً بين الأدب المهجري والأدب في الداول العربية.
   ضيفنا في برنامج اليوم هو الشاعر الاستاذ شربل بعيني.
ـ شربل.. أنت شاعر ثائر، تتميّز كتاباتك بالثورة. هل تعتقد أنك لو بقيت في لبنان كانت كتاباتك ستتميّز بالثورة نفسها؟
* الثورة لا تولد في لبنان أو أستراليا. الثورة تولد في نفس الانسان، يعني أن الانسان هو الذي يولد ثائراً، لينجب الكلمة الثائرة. مثلاً: لقد نشرت في لبنان كتاباً إسمه "مراهقة"، أحدث ضجة إعلامية كبرى. تصوري أن كتاباً لشاب مراهق بعمر 17 سنة ينال كل هذا الاهتمام، وتكتب عنه الصحف اللبنانية، منهم من هاجمه ومنهم من رحّب وأشاد به، لأنه كان أول ديوان شعري إباحي يصدر باللهجة اللبنانية وينشر سنة 1968.
   وليس هذا فحسب بل أن الكتاب الثاني بعد "مراهقة" كان ثورياً أيضاً، لأنني لم أخف من كل الحملات التي قامت ضد "مراهقة"، أصدرت "قصائد مبعثرة عن لبنان والثورة"، وجهت به دعوة صريحة للانتفاض ضد الاوضاع البليدة السائدة التي قادتنا لخمسة عشر سنة من الحرب الأهلية. ولهذا بإمكاني أن أقول بأن الثةرة تولد بالشاعر ومن الشاعر.
   وهنا لا بد من الاعتراف بأن حرية الغربة، وقلّة الضغوط، تعطي الثورة دفعاً أدبياً قوياً، لا بل تأججها، وتمكن الشاعر الاغترابي من نشر أشياء يخاف ان ينشرها الشاعر المقيم في الوطن العربي. كلمتنا في الاغتراب أعمق ثورياً من شاعر تراقبه الأجهزة ألأمنية على مدار الساعة.
ـ على ما أعتقد أنك أول شعراء المهجر الذين نشرت لهم دواوين في أستراليا. ترى ما هو عدد دواوينك الآن؟
* بحدود 15 ديواناً، زائد عدة دراسات أدبية صدرت عن هذه الدواوين. الظاهر أن الله كريم عليّ.
ـ على سيرة كثرة الدواوين.. هناك من يقول ان شربل بعيني غزير الانتاج، لست أدري إذا كان هذا مأخذاً أم مديحاً؟ ما رأيك؟
* أعتقد أن نتاجي الأدبي عادي جداً، مثل أي شاعر يملك موهبة شعرية حقة، كون الشعر يجبرك على كتابته حين يريد الإفلات من المخيلة. ومن الصعب جداً أن يكتب شاعر قصيدة لم تختمر في رأسه، فإذا أجبر على ذلك قد ـأتي قصيدته مشوهة. 
   القصيدة تأتي على حين غفلة، وعندما تكتبينها، ست ماري، ستتساءلين بينك وبين نفسك: من أين جاءت وكيف جاءت!؟
    أما عن غزارة الانتاج التي يشككون بها، تأتي من كثرة نشري لكتبي، هناك من هو أغزر مني نتاجاً، ولكنه خائف من نشره، أو أنه يتباخل عليه. ناسياً أننا نعيش في غربة، وما من أحد سيهتم بنشر أدبنا بعد رحيلنا، ومن يدري فقد يضيع هذا الأدب ويندثر تحت أقدام جيل جديد من المغتربين يتكلّم لغة أخرى غير العربية.
   اسمحي لي ان أوجه نداء من القلب الى الادباء والشعراء: انشروا أدبكم قبل أن يضيع.. سلموه للحياة قبل أن يموت بموتكم.. مسؤوليتنا جمعياً حماية هذا الأدب المهجري من الضياع.
ـ شربل.. بما أنك ذكرت الأدب المهجري. هناك تضارب في الآراء حول النهضة الأدبية بالمهجر.. منهم من يقول ان الساحة العربية تشهد نهضة أدبية صحيحة، ومنهم من يخالف هذا الرأي. كيف بالامكان تقييم الوضع الأدبي في الجالية العربية برأيك؟
* النهضة الأدبية التي نشهدها اليوم تتكوّن من عطاءات فردية، يعني كم أديب وشاعر يتمتعون بثقة بالنفس، وباحترام بالغ لتراثهم الثقافي، أوجدوا ما نسميه اليوم حركة أدبية.
   هناك من يعترف بوجود نهضة أدبية، وهناك من ينكر هذا الوجود. وأتحدى أياً كان أن يقنع الأعمى بأن الشمس مشرقة، كونه لا يرى سوى الظلام وللأسف، فالأدب لا يفرض نفسه على الناس، بل الناس هم الذين سيتقبلونه أم سيرفضونه، ومع ذلك سيظل العطاء الأدبي موجوداً شاء من شاء وأبى من أبى.

 ـ شربل.. نحن نعلم بأنك بصدد إصدار ديوان جديد.. ماذا ستخبرنا عنه؟
* بعد غيبة طويلة عن كتابة شعر الغزل.. أي من عشرين سنة، من إيام "مراهقة"، سأنشر الآن ديواناً عن الحب، أسميته "معزوفة حب"، عشت معظم قصائده، لا بل شاهدتها، إذ أن على الشاعر أن يعيش القصيدة، أن يشاهدها، قبل ان يكتبها.. 
   "معزوفة حب" هو ديوان النضج العاطفي عند شربل بعيني.
ـ ما رأيك لو تسمعنا قصيدة من ديوان "معزوفة حب" الذي لم ينشر بعد؟
* سأسمعك قصيد اعتبرها الشاعر الزجلي الكبير جان رعد من أعظم القصائد التي تحتوي على تصوير شعري  عاطفي رائع. قد يقول البعض أنها تحتوي على نوع من الاباحية.. ولكنها اباحية مبطنة لا تؤذي المستمع الواعي المثقف في المهجر:
ـ1ـ
لِمِّنْ شَمعْ جِسْمِكْ وِلِعْ
فِرح الرَّمل والشَّطّ
وِارْتَاحْ طَير البَطّ
وِالْمَوْجْ زَقَّفْ تَا شِبِعْ
وِتْعَمْشَق بْصدْرِكْ.. طِلِعْ
مِتل الزّغَار يْنِطّ
ـ2ـ
.. وْصَرْلِي سْنِين سْنِينْ
شْطُوطِي مِنْسِيِّينْ
لا شَمسْهَا بْتِطْلَعْ
وْلا نُورْهَا بْيِلْمَعْ
عَ تْلالِك الْحِلْوِينْ
ـ3ـ
وْمِنْ هَيْك صَار الْوَعدْ
يِتْأَخَّر زْيَادِه
يِدْنَقْ بلَيل الْجُرْدْ
وِيْعَتِّم الْوَادِي
وْوَحْدِي أَنَا نَاطِرْ
وِالْمَوْجْ عَمْ يِعْلاَ
وْتِعْلا مَعُو قْنَاطِرْ
مَا بْيِرْجَعُو أَهْلاَ
ـ4ـ
أُوفْ مِنِّكْ أُوفْ
يَا مْوَاجْ جِهْلانِه
دَمْعَاتْهَا بِتْطُوفْ
عَ صْخُورْ عطْشَانِه
وِالْوَقتْ مَا لُو عُمرْ
بِيمُوتْ قدَّامِي
بْيِقضِي عَ أَحْلامِي
الْـ عِتْقِتْ عَ إِيد الْجَمرْ
ـ5ـ
عْلَوَّاهْ لَو فِيِّي
لَوِّنْ بَحرْ أَزْرَقْ
لِعْيُونْ حُورِيِّه
بْتِنْطُر الصَّيْفِيِّه
تَا بْشَمسهَا تِغْرَقْ
وْإِتْسَبَّح قْبَالاَ
وِالْجِسمْ عَمْ يِلْوِي
وْإِشْهَقْ مَع خْيَالاَ
كل ما الشَّمعْ يِضْوِي!
ـ شي كتير حلو.. نحن نعلم أن لكل كتاب تنشره مقدمة. من كتب مقدمة "معزوفة حب"؟
* كتبها الاستاذ الاعلامي جوزاف بو ملحم، صاحب جريدة "صدى لبنان"، وصدقيني انه الإنسان الوحيد الذي عاش معي ظروف هذه القصائد. 
ـ كتب عنك الكثير، كونك لم تنحصر  في قوقعة الغربة، بل شاركت بمهرجانات أدبية كبيرة، كما تناول الكثير من الادباء العرب نتاجك الادبي، هل لك ان تخبرنا عن ذلك؟
* في هذا المجال قد يكون حظي أقوى من غيري، فلقد كتبت عني عدة كتب، وشاركت في نشاطات كثيرة، وأقيمت ندوات حول أدبي، وسيكون هناك المزيد بإذن الله من هذه النشاطات بعدما بدأت "دار عصام حداد" في مدينة الجرف جبيل، بتوزيع كتبي في الشرق الأوسط.
   وكما تعلمين فلقد كنت أول إعلامية إذاعية سجلت وقائع احتفالات يوم "محمد زهير الباشا"، الأديب السوري العظيم، الذي كان أول من خص أدب المهجر بدراسة من خارج حدود الغربة اسمها "شربل بعيني ملاح يبحث عن الله". وأعتقد أن التغطية الاعلامية لهذا اليوم قد وصلت الى كافة اقطار العالم، ونال شهرة واسعة، لأنه كان احتفالاً للأدب المهجري بكل ما للكلمة من معنى.
   ولو خوفي من ركوب الطائرة، لكنت شاركت بعدة مهرجانات أدبية في الوطن العربي/ كنت قد دعيت إليها.
ـ هل هذا سر؟ أعني خوفك من ركوب الطائرة؟
* لا أبداً، فالكل أصبح بعلم أن العرق سيسيل من جبين شربل بعيني إذا فكّر بركوب الطائرة. وأتمنى أن يشارك شعراؤنا بمهرجانات أدبية عربية من أجل نصرة أدبنا الاغتربي بإذن الله.
ـ ماهي أمنية شربل بعيني في نهاية هذا اللقاء؟
* علوّاه لو كان بإمكاني أن أحقق جميع الأماني. ولكن الأمنية الوحيدة التي أتمناه الآن، أن تلف المحبة جميع الأدباء والشعراء، وأن يتعاونوا معاً من أجل ايصال كلمتنا الى أبعد مكان في هذا العالم.
   وألف شكر لك ست ماري على استضافتي في برنامجك الشيّق "أقلام وألوان".
ـ ونحن بدورنا نشكر الاستاذ شربل بعيني الذي كان ضيفنا في برنامج "أقلام وألوان" لهذا ألأسبوع.
إذاعة تو إي آي الحكومية 1989
**
ندوة إذاعية حول كتاب "شربل بعيني ملاّح يبحث عن الله"
ماري ميسي: نلاحظ، سيداتي سادتي، ان انتاج الكتاب العربي في أستراليا قد بدأ يتخذ حيزاً مرموقاً مما دفع الدارسين والناقدين في الأوطان الأم لرصد حركتنا الأدبية. فقد أصدر الناقد السوري المرموق الاستاذ محمد زهير الباشا دراسة راقية تحت عنوان "شربل بعيني ملاّح يبحث عن الله".
   وحيث ان رابطة احياء التراث العربي في أستراليا هي الهيئة الوحيدة التي تهتم بالقضايا الأدبية والفكرية، وحيث ان الدراسة تناولت واحداً من أعضائها، وهو الشاعر شربل بعيني، رأينا أن نستضيف الاساتذة فؤاد نمور وعصمت ألأيوبي وكامل المر لإجراء حوار معهم حول هذه الدراسة.
ماري ميسي: استاذ فؤاد نمور.. ما هي برأيكم الدوافع التي حدت بالناقد السوري الاستاذ محمد زهير الباشا لوضع هذه الدراسة؟ وهل هنك معرفة سابقة للاستاذ الباشا بالشاعر بعيني أو بأعضاء الرابطة؟
فؤاد نمور: الشعر يا أخت ماري كائن حي متفاعل، يحمل كعه قدرة الشاعر وابداعه وتأثيره. فيما يتعلّق بالشق الأول من السؤال، يقول الاستاذ الباشا: "وأهل الوتر والشعر وأصحاب اللون والازميل، يذوقون الحب بكل أنواعه ودرجاته وآفاقه، ويتذوقون الحب ويتفاعلون به بإرادة ووعي، فهو المحرك الاول للحياة وللسعادة وللفن وللعلم". إذن، الشعر هو الدافع الاول للاستاذ الباشا لكتابة بحثه.
   وقد يكون الاستاذ ألأديب محمد زهير الباشا وجد في شعر شربل بعيني مادة بحث وافية، وهو الباحث المنقب، ووجد في شخصبة البعيني ما كان يبحث عنه من قلق ورفض وايمان وشك وحب وتمرد، ويصف شربل بقوله: "في عالم شربل الداخلي، وفي جوانحه طفل وقلب طفل"، بمعنى آخر، وجد في شربل براءة الطفولة. فالجمال عند شربل على حد قول الباشا: "خفقة قلب لا تنبض إلا بالتعالي، وفي صدره لا تضيق متاهات الحياة ومظاهرها وغفلتها".
   وجد في شعر شربل الأمل الذي يضيء دروب الظلمة، الأمل المعجون بألوان غريبة من المآسي. إن شربل بعيني في نظر الاستاذ الباشا: "شاعر يعشق .. يبحث عن الحب عن الذات". أما عن موقف شربل من الله، فهو بحسب الكتاب موضوع دردشتنا "مزيد من الإيغال بالانسانية".
   بعد كل هذا، أستطيع القول ان الكاتب أو المؤلف أو الباحث قد وجد في شربل صدى لروحه، وصورة لذاته.
   قد تكون هذه كلها مجتمعة ومنفردة، وقد يكون غيرها مثل الوضوح في شعر شربل، والسلاسة والمتعة والمشاركة هي الدوافع، أو بعض الدوافع، التي حدت بالاستاذ محمد زهير الباشا الى وضه هذه الدراسة، وهي الأولى من نوعها لأدب المهجر الأسترالي، ولشاعر مهجري أسترالي بالذات، عنيت به الشاعر شربل بعيني.
ماري ميسي: أستاذ فؤاد.. ماذا عن الشق الثاني من السؤال.. هل هناك معرفة سابقة للاستاذ الباشا بالشاعر بعيني أو بأعضاء الرابطة؟
فؤاد نمور: أما عن الشق الثاني، فاسمحي لي بالقول، وبكل التجرد والصدق والصراحة، ان الاستاذ الباشا لم يكن يعرف الشاعر بعيني، ولم يعرف أياً من أعضاء رابطة احياء التراث العربي معرفة شخصية على الاطلاق.
   هناك كثيرون من مثيري الغبار، المتقولين الحاسدين الموتورين، لا هم لهم إلا اثارة الشكوك، واطلاق الاشاعات الكاذبة. ان ما حدا بالاديب محمد زهير الباشا لوضع دراسته هذه، هو اهتمامه بالادب المهجري. وقد يكون اطلع على دواوين البعيني بطريقة أو بأخرى، أو عن طريق مجلة الثقافة السورية، فرأى ما جذب انتباهه، وأثار مشاعره، وحرك عاطفته، فكتب وأجاد.
ماري ميسي: أستاذ كامل المر.. هل تعتقدون ان دراسات أدبية مشابهة عن شعراء أو أدباء مهجريين في أستراليا ستصدر في الوطن الأم؟
كامل المر: قبل أن أجيب على السؤال، أحب أن أشكر الأديب محمد زهير الباشا لهذه الالتفاتة الكريمة لأدبنا المهجري في أستراليا.
   أما أن يكون الادب المهجري موضع بحث واهتمام لدى أدبائنا ونقادنا في الوطن الام، فهذا مما لا شك فيه، ويسعدني أن أذكر هنا انني تسلمت منذ ثلاثة أيام رسالة من الاستاذ مدحة عكاش، صاحب مجلة الثقافة السورية، ورئيس تحريرها، يخبرني بها انهم انتدبوا الاستاذ عدنان الجنوب ليأتي الى هنا، ويتقصى أوضاع الآدب المهجري في أستراليا. 
   ثم ان هناك مجلات وصحفاً عربية سواء في الوطن العربي، او في عواصم أوروبية اخرى، وكما تعلمين فإن معظم الجرائد اللبنانية والمجلات تصدر خارج لبنان الآن، تهتم أيضاً بأدبنا المهجري، وأنا لست من أنصار نظرية التاريخ يعيد نفسه، فكما في السابق، وبالطبع هناك ظروف دفعت بأدباء مهجريين ليكونوا موضع اهتمام لأدبائنا  وباحثين في الوطن، فهي ظاهرة تتكرر مرة أخرى ونرى مثل هذا الاهتمام.
ماري ميسي: معنا أيضاً الاستاذ عصمت الأيوبي.. استاذ عصمت كيف تقيّم هذه الدراسة؟
عصمت الايوبي: شكلياً، تقع هذه الدراسة في مئة وست وسبعين صفحة من القطع الصغير، تندرج بين دفتين مزينتين بالرسوم والأشكال التعبيرية الفنيّة التي تتلاءم جيداً مع مضمون الدراسة. وبالتالي، فهي دراسة تستوفي شروط التأليف والبحث الأدبي الأكاديمي لجهة الاخراج، ان من حيث التبويب والترتيب، وان من حيث الإهداء والتقديم والفهرسة، او لجهة التهميش والتقميش والطباعة.
   أما من حيث المبدأ، فلا يسعني إلا أن أكبر في الأديب العربي السوري الكبير محمد زهير الباشا هذه الغيرة على الأدب والأدباء خصوصاً منهم المهجريين، وعلى ألأخص الشاعر شربل بعيني، الذي يستحق كل اهتمام وتقدير، نظراً الى القوت اليومي الذي يقدمه ولا يزال يقدمه بسخاء واخلاص الى ألأدب المهجري، فاعتبر بحق من الأدباء القلائل الذين يحيون للأدب لا منه وبه، غير متخذ منه وسيلة للكسب المادي والارتزاق.
   وبالاجمال، فإن هذه الدراسة ناجحة موضوعاً ومعالجة، تحرّى فيها الاستاذ الباشا حقيقة شربل بعيني ومعاناته وصدق مشاعره، فإذا شعره "اداء حضاري، ومدينة عربية تتواصل فيها الروح العربية، ليسهم في تراث حضاري، وفي أعماقه تقرأ بطاقته العربية، لا على أساس جغرافي، بل على أساس امتداد للشعر بخط أفقي وخط عمودي وبحروف عربية"، كما جاء على لسان الاستاذ الباشا، وكما هو شربل في حقيقة أمره.
ماري ميسي: استاذ فؤاد.. لكل ناقد أو دارس نظرة نقدية معينة، أو منهج نقدي، هل تعتقدون أن الاستاذ الباشا اتبع في دراسته منهجاً نقدياً معيّناً؟
فؤاد نمور: لا أعتقد أن الاستاذ الباحث قد اتبع نمطاً نقدياً في الكتاب ككل، لكنه ركّز على دوافع القصيدة. أظن ان كل قصيدة بمفردها قد فرضت نفسها على الباحث بطريقة ما، فمرة نرى الباحث يركز على الغربة ودوافعها، فينجح إذ يسلط الاضواء على غربة شربل تبيان أثرها في نفس الشاعر، وكيفية انعكاسهذا الأثر وتفجّره شعر عاطفة وحنين، او شعر ثورة وأنين. فشربل في مفهوم زهير الباشا يقف بين وترين مشدودين هما اللامحدود والواقع المحدود، ومرة يتحدّث عن الرفض في شعر شربل، رابطاً الغربة بالكبرياء.
   وهذا لا يقلل من قيمة الدراسة، فالدراسة امتازت بالعمق، بالدقة. امتازت بالاخلاص والتجرد والموضوعية نهج الباحث فيها نهجاً أكاديمياً شمولياً.
   ولو انني آخذ على الاستاذ الباشا انه انصرف الى الايجابيات، وأكثر من المديح، وتخطى السلبيات والكمال لله، وصديقي شربل انسان فيه من الايجابيات والسلبيات، ولا أظن انه يضار من ذكر بعض السلبيات.
ماري ميسي: استاذ عصمت.. ما هي النقاط المهمة التي توقف عندها الناقد الباشا؟
عصمت: في الحقيقة لا يمكنني، في هذه المقابلة العجلى، أن أذكر لك كل النقاط المهمة التي أثارها الناقد زهير الباشا، والمتعلقة بآثار الشاعر البعيني، ولكن سأذكر لك بعضاً من هذه النقاط:
1ـ لقد توقّف الناقد الباشا عند انتماء شربل العربي. فإن عمق الرؤية النقدية، وعمق الحوار الذاتي أدى كل منهما الى اهتمام الشاعر بالأمة والتاريخ والتراث. واختصاراً أدى الى اهتمام الشاعر بالانسان العربي.
2ـ ان حياة الشاعر البعيني حب وقصيدة. فهو يطيل العمر وانت في لقائه مع زجلياته وشعره، ويمسح عن الشفاه تجاعيدها.
3ـ كما أن دانتي في الكوميديا الالهية، كذلك شربل ما زال يسجل رحلته كل يوم في ارض الغربة. لبنان جحيم مخيف الغربة الغربة هي المطهر، والعودة هي الجنة، ورحلة شربل يتفجّر خلالها شعره رمز العقل والانطلاق. أما الله فهو رمز الخير في كل ما يهدف اليه.
4ـ في كل خفقات شعره، لم يستطع مرة أن ينسى أو يتناسى قضية الارز. قضية الانسان، قضية الزعامات وما أدت اليه التفرقة السياسية من المآسي والأحزان. فشعره نابع من إحساس وطني وانساني يرتقي به الى الله والوطن.
5ـ شعره ضربات موجعة، كالأمواج الزرقاء في تصادمها الدائممع الصخر، إذ تترك فيه أخاديد وخلجاناً. شعره عنف رياح وأعاصير، انه ينحو الى تحرير الانسان من ظلم الانسان وبطشه، ومن عبودية الأرض والذهب والجنس والفكرالضيق.
6ـ شربل بعيني لا تهمه قيود القوافي مهما تزاوجت، أو تضاربت، أو تلاعبت، انه يداعب حروفها دون إلحاح أو تعريض أو تقعر، ولا يرضى أن تكون قوافيه تعاني من التشنج.
7ـ تجاوز شربل بعيني اللغة المحكية واللغة الفصحى، وخلصهما من الرتابة والبلادة والتصنّع، ايماناً منه بالتجديد، وهذا التجديد نابع من صدق تعبيره عن مكنونات نفسه، وموجعات قلبه.
8ـ موضوعاته تتسع لكل القلوب، تقبل موضوعاته، فتشعر بالفكرة وكأنها من ذاتك، ومن تفكيرك ومن موقفك.
9ـ لم يبحث شعره عن لسان يمدح به، انه يبحث عمن يقذفه بحجارة اللعنة. ألم يقل توفيق الحكيم "ليس الأدب وسيلة لهو، وانما هو طريق الى ايقاظ الرأي".
   هذه هي بعض النقاط التي أبرزها الناقد الباشا عن شعر شربل بعيني وفنه، وقد ذكرتها مكتفياً بالقليل عن الكثير، وتاركاً للقارىء الكريم لذة الاكتشاف والتحليل.
ماري ميسي: استاذ كامل.. بصفتك رئيساً لرابطة إحياء التراث العربي، ما هي النشاطات المستقبلية للرابطة؟
كامل المر: تبقى لنا من نشاطات هذا العام توزيع جائزة جبران على مستحقّيها: الشاعر العراقي عبد الوعاب البياتي، الدكتورة نوال السعداوي، الشهيد الفلسطيني ناجي العلي، والشاعرة الأسترالية آن فيربيرن.
   كما لدينا قرارات بإقامة ندوة لكتاب الاستاذ الباشا "شربل بعيني ملاح يبحث عن الله"، وأخرى حول ديوان الشاعر فؤاد نعمان الخوري "بين تذكرتين".
   ثم من المقررات ايضاً اقامة اسبوع شعري قبيل جائزة جبران، العام القادم، ونترك للهيئة المسؤولة الجديدة ان تكفي المشاريع الجديدة الاخرى.
ماري ميسي: شكراً استاذ كامل، ونتمنى للرابطة دوام النجاح والتوفيق، وشكراً أستاذ نمور واستاذ عصمت الأيوبي.
عصمت، كامل، فؤاد: شكراً لك ست ماري ميسي.
ماري ميسي: سيداتي، سادتي، كنا في لقاء مع الأساتذة فؤاد نمور وعصمت الأيوبي وكامل المر، الذين حدثونا عن الدراسة الأكاديمية الراقية التي أصدرها الناقد السوري المرموق الاستاذ محمد زهير الباشا تحت عنوان "شربل بعيني ملاح يبحث عن الله".
إذاعة تو إي آي، سيدني 1993
**