رسائل محمد زهير الباشا لشربل بعيني 3

أديب سوري كبير ومؤلف كتاب:
شربل بعيني ملاّح يبحث عن الله
الصبر والثبات
فرجينيا/5/2/1990
أخي الأحب شربل..
يا أعز الأحبة..
أين كلماتك في رسائلك التي انقطعت عني؟ فهي كالغيث على صدري، تجعل أنفاس النبض يصحو ويأمل، ويحمد الرب أن في الحياة من ينبض بقلب عاشق كل القلوب المتعطشة للنور.
معزوفة الحب، في العين والقلب، معزوفة هي سيمفونية المستضعفين القابعين وراء أسوار القلاع التي غرسها الظلم بأنيابه.
استمعت لمعزوفتك، وما استطعت المتابعة، فقلبي مشغول بأم تميم، أركنت معزوفتك تحت طي أنفاسي، أفتح رموزها، فأصغي إلى أنين الآلة التي تمنح صدرها الأكسجين.. أربعة أشهر.. ثلاثة منها في مستشفى جورج واشنطن، وشهر في غرفة ما حلمتْ يوماً أن يتمدد جسدها وهي تنظر إلينا بفتح أجفانها، ولا ندري وراء حركة عيونها أي معنى.. لا أحد يدري!!
الأخبار هنا، تركوا لها التماثل للشفاء، لهذا اضطرّت (تيري) زوجة ابني تميم، ألأميركية الجنسية، أن تترك عملها لتراقب وتشرف وتقوم بمهمات صعبة، أعانها الله، فهي تقوم بالعمل ليلاً ونهاراً، وتساعدها ابنتي لينة، وأساعدهم قدر إمكاناتي.
اعذرني إذا اتجه قلمي يشكو إليك أمري.. ليس لي إلا الصبر والثبات، ولم يكن يتوقّع أحد توالي ألأحداث المؤسفة والأليمة خلال هذه الفترة.
أين كلماتك التي ترطب قلبي ولساني وأنا أتجوّل فيها؟ أين مشاريعك الأدبية التي تثلج كل قلب يتطلع إلى نتاجك؟
أين.. أين.. فلا جريدة تصل إليّ من سيدني لأعيش في ظلالها، فليسامحني الله على تساؤلاتي؟
رغم كل الغيوم والآلام اليومية التي نراها ونشارك بها ولا نستطيع لها رداً، وأم تميم صابرة، صامتة لم تتكلم منذ 4 أشهر، لا تأكل إلا عن طريق أنبوب إلى المعدة مباشرة. أضع على شفاهها حسوات من القهوة، و قطرات من الشاي، أو قطرات من الماء فقط.. رغم كل هذا، فإن ضوءاً أرجو أن يتسع ليكون نوراً لها، فهي، كما نشعر نحن، بدأت تسمع ، ولكن إلى أي مدى؟ لا أحد يدري. إن هذه الغيبوبة أليس لها نهاية؟
ورغم ما نحن فيه فإن هناك فكرة بطباعة ما كتبته عن المتنبي، إن شاء الله، سنبدأ بالشهر القادم بطباعة أولى، ومعرفة التكاليف وعدد النسخ.. التفصيلات ستكون جاهزة بالشهر القادم، وستعقبها طباعة قصص الأطفال، مع أساليب جديدة لدراسة اللغة العربية. دعواتك الطيبة لتكون الأمور على الأسهل فالأسهل..
ما هي أخبار الرابطة وأخبار الإخوة الذين غمروني بفضلهم وحسن وفائهم؟
لكن الذي استغربته أن صاحب رواية العرس ما زال لا يرغب بالرد على رسالتين كنت أرسلتهما إليه، ولله في خلقه شؤون.
كما أسفت كل ألأسف على قدوم د. العطار إلى فيلادلفيا ولم تتصل بي، وكأنها تعاملني معاملة الغرباء.. سامحها الله.. بينما أفتح صدري وبيتي لاستقبالها واستقبال أي أخ قادم من أرض الوطن الغربة إلى أرض الغربة.
أحييك أطيب تحية، وأتمنى لك وللاسرة وللأخ كلارك، وللاخوة أهل ألدب والقلم الحر أسعد الأيام.
واسلم لأخيم
محمد زهير الباشا
**
قيمة الشعر
فرجينيا/2/4/1990
أخي الاعز شقيق الروح والقلب شربل
تحيّاتي وأشواقي وبعد..
فألف شكر لما قدمته وتقدمه إليّ رغم هذه المحيطات التي تبعد شواطىء الأطلسي عن شواطىء أستراليا، لكنها ما استطاعت ذرة من المحيط أن تبعدك عني لحظة.
وسلمت يداك، فقد وصلت إليّ الكتب مع الشريط، فأكرر لك امتناني، وهذا ما أملكه ، هو الاعتراف بما غمرني به أهل مجدليا، وأهل الأدب في الرابطة، ولم يبقَ أمامي سوى الانغماس أكثر فأكثر في الكتب والدراسات والكتابات لأغيب عن الواقع الذي أفردني في الظل وحيداً.. فالأمل كل الأمل أن أواظب الغوص على اللآلىء في مظانها.
أخي الأعز..
ما زلت إلى الآن أحاول أن أشد نفسي إلى قلبي، فينغمس القلب في ثنايا معزوفة حبك، فالحب معزوفة مغناة بين أناملك، فدعني أغني زجلياتك، وتحلو لحظات استيعابها، وقد اشتد بك البوح، لكنك اختصرت وأوجزت فأعجزت.. وأنا المنتظر منك أن تطول نفحات هذا الحب لأتنعم به، فلماذا جاء ديوانك على الإيجاز والقصر؟ ففي كل زجلية درة ذات وهج سابح في خيال مجنح من واقع، فما أن تبدأ أناملك العزف، والوجد يضني، والشوق يضني، حتى تنتقل بنا الى معزوفة جديدة، وطبعاً لا قيمة للشعر إلا بدرره ولآلئه لا بعدد كلماته وصفحاته.
وأنت تعيش في هذا الديوان على أرق مبدع، وقلق ينطلق بك إلى عالم السحر، عالم الغناء والعشق، وسيكون بين يديك ما تقرؤه من ترانيم مستقاة من ديوانك وزجلياتك، فنحن في درب الهوى، هوى الكلمة الصادقة، هائمون.. وفي درب العزف على أوتار المحبة صامدون، صامدون هذه مسروقة من أهل السياسة فاعذرني، إذ بقي أهل السياسة وغاب الصامدون.. وفي الساحات الصامتون وحدهم يعزفون نشيد الحرية.
رب أنطقنا بالصدق وحده، ونحن على درب الحق مسالمون، لكن كلمة الحق سيف في وجه فرعون.
أخي شربل..
حمك الله وحفظك وللوالدة الكريمة كل تحياتي، راجياً لكم دوام الصحة والسعادة والهناء.
ملاحظة: تحت إلحاح الأكاديمية بدأت بالتفكير جدياً حول انشاء مسرحية تعتمد على المقامة البغدادية للهمذاني، فتقدم على خشبة المسرح بالأكاديمية، وتليها مقامة حول مهاجر تلاحقه الفواتير، سأنهيها، وسأخبرك بالذي يحدث.. فما رأيك؟
كما أنهم طلبوا مني أن أكتب زاوية في المجلة الأسبوعية للأكاديمية واسمها الرسالة، إذ لم يستجب للرسالة أحد من المدرسين، فتقدمت بهذا العنوان الدائم: نقطة ضوء من حبر.. وإليك نسخة من هذه النقطة التي أفسدت العلاقات بيني وبين بعض الأساتذة الين يحتجبون عن تقديم أي اشتراك، لوجه الله، فهم يودون أن يدفع لهم على كل كلمة، أما أنا ولله الحمد، فلا أتجمد أمام رغبات الأكاديمية، فليس بالخبز وحده يحيا الانسان، لكنه بالحب وحده تحيا البشرية ولله في خلقه شؤون.
أحييك وإلى اللقاء..
مع هذه الرسالة بعض الملامح عن الشعر والكرامة، وشاهدنا ما ورد في ديوان المتنبي أستاذنا الاول في الشعر.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
صحة القلم
فرجينيا/9/6/1990
أخي الحبيب أعزه الله وأبقاه ذخراً للكلمة الشريفة: الشاعر شربل بعيني المحترم
وإلى الاخوة والاصدقاء وبعد..
فقد عدت من زيارة ابني وسيم إلى البيت المهجور من البسمة الضاحكة، لأنقض على الورقة والقلم، وأبدأ بتسطير هذه الكلمة، ولا أدري والله ما الذي دفعني إلى هذه ألأسطر، وأنا أصغي ولا أصغي إلى مسرحية صوتية ـ قطر الندى ـ وكيف زفت إلى ابن الخليفة العباسي، وكلفت ما كلفت من بذخ وعطور وحراير وإبل وفرسان، وهل هي صرخة في وادي التاريخ الذي ندفن به الانهزام والانكسار، ولم يعد أحد يفرق بين اللون الأبيض والأخضر.. هل أصبحت الكلمة تسير على حصير من درر وياقوت؟ وهل بقي للأديب إلا الحصير دون الياقوت والدرر؟
كم أسفت وللأسف، كم كثرت كلمة (آسف) لم ننتصر في معركة غير متوازنة، لا أريد أن أغوص في الألغاز وكأن الكلمة مكممة، والسيوف مكحلة، ، والأقلام مصون!
كيف صحتك وصحة الأسرة أولاً وأخيراً؟ كيف هي صحة القلم؟ وللقلم جسده وروحه وفيضه ودموعه وأفراحه..
كيف صحة المشاريع الأدبية والفكرية؟ وشكراً للأخ نعمان في مقالته عن الأخ كلارك بعيني، فهو يستحق كل الشكر لما بذله في كتبه حول: شربل بعيني بأقلامهم.
كيف أحوال الاخوة في رابطة احياء التراث: الأخ كامل، والأخ فؤاد ونعيم والأيوبي، فلهم علي فضل الأخوة والوفاء ما دام القلب يتطلع إى نور القمر حتى يحيا بموجاته؟
ما زلت أنتظر نهاية المرحلة الأولى من الطباعة الأولى حول المتنبي يجلو مقلتي نسر. الشيء الوحيد الذي أنجز هذا ألأسبوع تلوين ورسم الغلاف. كما تناول الفنان الرسام قصتي الأولى للأطفال بعنوان العصفور الجريء. أرجو أن أنتهي من هذه الخطوات لتبدأ الطباعة قريباً.. ولقد أرسلت إليك كلمتي عن معزوفة الحب التي أسمع نبضاتها في أعماق فؤادي، وفي هذه الرسالة أو معها كلمة صرخة في الذكرى المشؤومة الخامس من حزيران 1967، عنوانها: من أنت؟ وبين حروفها شواظ من غضب على كل من ادعى أن الهزيمة ما حدثت، فالحرب معركة واحدة، فإن هزمنا بمعركة ليس معناها هزيمة في حرب. هذه الفكرة كان قد أطلقها الجنرال ديغول ونحن أعجبتنا وتبنيناها بكل ما فيها من فكرة سياسية جريئة أعادت لفرنسا حريتها، رغم هزيمتها الأولى على يد المارشال بيتان. فكم لدينا من مارشالات يا أخي؟ وكلما كثرت العروش، وكلما كثرت النجوم على الاكتاف تخاذل الشعب، وانحسرت الانسانية وفنيت عزة النفس، ونحن ندور في فلك غريب الدوائر!
لعل الناس لم يقرؤوا ما قاله أستاذنا الشاعر المتنبي:
كل يريد رجاله لحياته
يا من يريد حياته لرجاله
وضعنا، فلا رجال ولا حياة، وبقي الكل بالكل.. والله أعلم.
وأنتظر ظهور النادي العربي للصداقة بواشنطن لأسهم ب على قدر استطاعتي، وأهل الادارة يفكرون كما ذكرت لك إنشاء مجلة شهرية أو فصلية، وعرضت على المسؤول فكرة مساهمة إدباء الرابطة فرحب. نرجو أن تتم الامور على خير وسلامة.. أرجو ذلك.
آه يا أخي.. جئنا في عصر لا تستطيع أن تعرف فيه حقائق الأمور ومن المسؤول عنها؟ من أوجدها؟ لمن اتخذت؟ لمن أصبحت؟ ألف اشارة استفهام والاجابات متعددة وكلها مقبولة.
قل لي بربك ما هي نتائج حرب العراق وإيران؟ ما هي نتائج الاقتناص والاقتتال في أرض الرب.. الارز؟
ما أسبابها المباشرة وغير المباشرة؟
لماذا ألغينا العقل والقلب والاصغاء إلى كلمة الحق؟ لماذا؟
أيجب علينا أن ننتظر السنين والسنين لنعرف المخبآت في الجلسات المغلقة؟
لماذا تغلقون أبواب قاعات جلساتكموقد ذهبتم والتقيتم لتبحثوا قضايانا؟
أم التقيتم لتبحثوا قضاياكم؟
نحن في عصر الأسرار التي لم يعرفها بعد علي بابا والاربعون لصاً.. فاللصوص حين تحكم أو تسرق تخفي ما سرقت وما فعلت وما ستفعل.
أخي الأعز..
اشتقت لكلماتك ولحروفك النيّرة الغاضبة فلا تبخل عليّ.. وأنت في شعرك ونثرك واحة تسقي العطاش، فكيف بقلبي الذي اعتاد أن ينهل من صفاء نفسك وطيب مروءتك.
وإلى اللقاء..
ألم تفكر بزيارة هذه الأرض الجديدة؟ مجرد فكرة أرجو مخلصاً أن تنفذها، فأنا لا أستطيع مغادرة هذه البلاد لأمور أنت تدري ما أسبابها، لأني أنتظر حصولي على البطاقة الدائمة للإقامة. والله الموفق . واسلم لأخيك.
أخوكم
محمد زهير الباشا
**
شؤون خاصة
فرجينيا/13/7/1990
أخي الأحب وشقيق الروح والقلب شربل
تحياتي إليكم وإلى الأسرة وإلى الاخوة أعضاء الرابطة، وإلى كل من حمل قلمه للدفاع عن الحق والانسانية.
كيف صحتك أولاً وصحة الوالدة الكريمة؟ أرجو أن تكونوا بصحة وسعادة ولله الشكر دائماً.
وليبارك الله قلمك المسرحي في مسرحيتك (ضيعة الأشباح)، وهي المسرحية الرابعة.. ليتك تروي لي أفكار هذه المسرحيات، ومن هم الشخصيات الذين اخترتهم: قصة لبنان مثلاً، الأزلام، والأصنام.. ضياع البلد ليبقى الأشباح حكاماً، ولينقلب الشعب إلى مرتزقة.
طلبت الأكاديمية هنا مسرحية أقدمها مجاناً لله تعالى، وكنت خلال هذا الطلب مغموساً كلياً بالذهاب إلى المستشفى، إلى الصيدلية، إلى البيت، إلى العمل، فقدمت لهم نشيداً، وكانوا ينتظرون مني مسرحية ما، ورغبت أن أعوض عما فات، وقدمت للمسؤولين فكرة بأحداث ليلة مسرحية يدعى لها السفراء والمسؤولون وأولياء الأمور، فقبلوا، ووضعت خطوطاً موجزة للمسرحية فجاء الرد: اتركها للعام القادم.. وهكذا تجري الأمور..
أشكر لك وصول ديوانك أحباب، حياك الله، فأنت حريص على الوفاء والإخلاص بتعاملك مع الناس المخلصين.. لكني لم أجد مقطوعات زجلية موجهة من قلبك إلى قلبها.. من هي لا أدري؟ فهل كانت معزوفة حب وحدها كافية؟ ربما.. وأنا أفضل أن أعرف، إذا سمحت لي، المكنونات الخاصة التي تدغدغ أحلامك.. إذا سمحت.. فاعذرني لهذا التدخل في الشؤون الخاصة، وهذا ليس تطفلاً بل محاولة لمعرفة كل الجزئيات التي تدفعك إلى قول الشعر، إلى الغزل، إلى الحقيقة.. فأنت مشدود إليها، وهذا طبيعي، ومشدود إلى أرزة لبنان، وهذا بديهي، ومشدود إلى الشعر ليكون موطن الاستقرار، وأنت العاشق في كلٍ.
اعذرني، فلم أستطع أن أطبع دراستي المتواضعة حول أحبابك، فأنا مضطر لأن أرسلها إليك بخطي التعيس، وليعذرني من يطبع حروفي، ومن يقرأ أسطري، أعانه الله. ولعلي أفوز برضاك ورضا الاخوة أعضاء الرابطة في كل ما أقدمه بتواضع وأمانة، ومن حسن الحظ أن النادي الذي سيرى النور قريباً أصبح اسمه: نادي التراث العربي في واشنطن.. وسيحاول المسؤولون أخراج وإصدار مجلة شهرية أو فصلي..
لكني أجد الصعوبة بإصدار القصة الأولى للأطفال من حضرة الرسام، سأصبر على هذا ريثما تصدر القصة الأولى، وأرجو أن أتابع اصدار سلسلة للأطفال.
صوت أميركا أخذ مني حديثاً عن الأدب المهجري في أستراليا، وكيف كانت أصول هذا الأدب، متمثلاً في دواوين الشاعر شربل بعيني، وكيف كانت كلمة الأخ كامل حول مخطوطاتي، التي لم ترَ النور في بلدي، لأنني لم أكن إمعة، وشرحت للإذاعة سبب ذلك، وسيذاع هذا الحوار في الشهر القادم ضمن برنامج أهلاً وسهلاً.
دعواتك الطيبة بأن تنهي المطبعة الخطوة الأولى من طباعة (المتنبي شاعر يجلو مقلتي نسر)، وما زلت منهمكاً بغزل المتنبي، وهو غزل رائع، مع كتاب قصص للأطفال، فاعذرني إن تكلمت عن كيفية أمضي أيامي في هذه العطلة الصيفية، فها أنذا أضع كل ما تعرف عني بين ناظريك.
تحياتي وأشواقي للوالدة وللاخوة أعضاء الرابطة، راجياً الله عز وجل أن يحمي الوطن من أشراره، وأن يعيد البسمة على شفاه المقيمين والمغتربين والاحباب.
والى اللقاء..
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
أشباه الرجال
فرجينيا/21/8/1990
أخي الأعز شربل
تحياتي وأشواقي.. بل ألف تحية وتحية وبعد
فكم سعدت بسماع صوتك، وكم آلمني خبر وفاة إبن أخينا هشام، وهذه هي أحوال الدنيا، لا ندري كيف تطحن منا الفلذات وضحكاتنا تسير في مهب الريح.. فكيف نعزّي أنفسنا بأنفسنا في ديار الغربة؟
ونحمد الله أن مسرحيتك (ضيعة الأشباح) قد جعلت منك مؤلفاً ومخرجاً ناجحاً، ولعلنا، بإذن الله، نتعاون بالمستقبل على تقديم مسرحية تضم النماذج المعروفة التي غاصت بأعمالها في مستنقع المادية والدنايا.. فالوطن اليوم، وطن الأشباح، في كل ضيعة ديكتاتور صغير هو الشبح الذي لا يموت، فهو الخالد بعنجهيته وطغيانه.
وكم تألمت لأن أعصابك تلفت وأنت تعمل في الإخراج المسرحي، أعرفك صابراً متجلداً، فلا تستسلم لأي إرهاق أو تعب.. فالأطفال دوماً ممثلون ناجحون يتقمصون الدور مهما صعب ببداهة وعلى الفطرة، وبعطاء لا زيف فيه، فهنيئاً لك بهذا النجاح.
وكم تألمت لحادثة أخينا الشاعر نعيم خوري، فشلّت يد الغادرين.. أيلحقنا الغدر والتمزيق إلى دار الغربة؟ أما امتلأت أيامنا بأصناف اللؤم والخسة؟
عصرنا تطحنه النوازع الشريرة، وويل لمن يدعو إلى إيقاظ الضمير، أو إضاءة طريق يسلكه الناس في سعادة وفرحة. وإنها لعبة قذرة في الخليج، فجميع المصالح والأمن الدولي والاستراتيجي والبترولي يجب أن تبقى وتزداد وتحميها كل القوى.. وأين نحن؟ نحن غارقون في ليالي الأنس في فيينا، في لوس أنجلوس، في أكسفورد ولندن، في الطائرات المذهبة مفاتيحها، في الرياء الذي غطى كل الحقائق، ثم بالوقوف مرددين: آمين آمين.. والرب لا يجيب، لأنه يعرف أنه ليسوا من رعايا الله. ويبقى الخير كل الخير في الضمائر الحرة!!
أحييك أطيب تحية، مع تحياتي إلى الوالدة الكريمة وإلى الاخوة أعضاء رابطة إحياء التراث العربي، خاصة الأخ كامل، وفؤاد، وعصمت، وأكرم، وجميل، وجوزاف، ونعيم..
بانتظار رسائلك التي تشفي قلبي في الغربة الجديدة، ما زلت أتضرع إلى الرب أن يحمينا من مفاسد القلوب، وآثام الرجال وحقدهم، إن بقي على الأرض رجال.. فعلي بن أبي طالب خاطب جماعته مرة فقال:
يا رجال.. ويا أشباه الرجال.. ولا رجال.. كان ذلك منذ 1390 عاماً تقريباً، فهل تغيت قلوب الرجال؟ لنكون رجالاً في عصر نحمل فيه مشاعل حضارة وإنسانية تجمّل وتحمي مستقبل العالم.
أخي الأحب..
إلى لقاء في رسالة قادمة، وقد أرسلت للأخ كامل رسالة تعزية يوم أمس.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
شجرة البؤس
13/10/1990
أخي الأحب شربل بعيني المحترم
سلام الله ورحمته وبركاته وبعد..
فكيف صحتك وصحة الوالدة الكريمة؟ نسأل عن الصحة أولاً فما وراء الصحة الجسدية سوى الصحة النفسية التي نبحث عنها لترتاح أعصابنا وخلايانا من خبايا هذا الزمن.
وكيف أعمالك في التدريس؟ إن شاء الله تكون مرتاحاً .. ألا يكفي الشاعر تزحلقات الدهر حتى يصاب بزمزمات التدريس؟ فهل بقي شيء اسمه الصبر؟
وألف شكر لك وللأخ نعيم برسالته القيمة التي جمعت كل المآسي والجراح وصدأ الدهر على أسنة القلم، فكان جوابه نعم الجواب في أرض اليباب، أرض كولومبس والعنطزة.
بمناسبة العنطزة، أذكر أني كتبت مقالاً عن أناس جعلت عنوانه: المتعنطزون في الأدب.. سأبحث عنه بين اروراقي المصنفة بالفوضى، وهي بالتبعية ضياع فوق ضياع.
الحمد لله أن أخانا كامل في تحسن مستمر، فالموت يبدأ كبيراً وينتهي صغيراً وهذه سنة الحياة.
أعلمني عن مشاريعك الأدبية.. شعرك، زجلياتك، مسرحياتك، لأطمئن على إبداعك، وعلى خط النمو التصاعدي لمؤلفاتك.. إذ من الفطرة بمكان أن يستمر هذا النمو عطاءً متجدداً كلما مرت بك معاناة، أو تحاورت الخواطر والأحلام. وأرجو أن تبلّغ امتناني للبيرق بنشرها: أنت الأحباب فيا سلوة المحزون. فأين هم الأحباب يا أعز الأحباب؟ هل هؤلاء الذين يراؤون؟ هل أولئك الخائفون على مصير عروشهم من أن تنهار؟ هل الاحتلال والاجتياح والمساندة إلا لعبة شطرنج نحن ضحاياها، ونحن باسم الشعب والملك والمستقبل والدين ندفع ثمنها؟ أيجوز لرئيس دولة إمارة أن يكون راتبه، عفواً دخله السنوي 300 مليون دولار، وتنكة البنزين في سورية بـ 300 ل س. تتحدث عن العدالة، فيقولون ويزعمون: العدالة في السماء.. فأقول لهم وعلى الأرض السلام؟.. وهل يعود العقل إلى الادارة والتصميم؟
أما مجلة الانطلاق، فشكراً للدكتور عصام حداد على تفضله، فيذكر لي بعض أسطر من مقالاتي. كقد كنت على صلة وثيقة بالشاعر المهجري الكبير شفيق المعلوف، رحمه الله، وأنا بعد في أول طريقي باتجاه النقد والاطلاع والبحث عن أسرار هذا الأدب المهجري.
أما الآن: فإنني أنتظر إنهاء الأخذ والعطاء بطباعة سلسلة النجباء، قصص للأطفال، إذ يود الناشر ان يستنزف دمي من اجل طباعة القصة الاولى، وأرجو أن تتم طباعة المتنبي قريباً، في حال الانتهاء من الطباعة ستكون أولى النسخ بين يديك. لكنني أفكر.. هل إذا أرسلت للأخ عصام حداد بعضاً من قصص الأطفال فيتمكن من طباعتها وإخراجها ونشرها وتوزيعها؟ وهل يمكن أن أوافيه بنفقات معقولة عن ذلك، ونتفاهم بالأمر معاً؟ لا أدري.. فأحوالي المالية لا أفقه بها شيئاً ولله الحمد.. أم أستمر مع دار النشر هنا وليكن الطوفان. سأجرب. فما هو رأيك؟ وهل تفضل أن تكون الطباعة والنشر والتوزيع بإشراف أخينا د. عصام حداد؟ ربما تتم طباعة كتاب: بحبك زينت أشعاري. ثم أنتقل إلى طباعة كتاب: في ألدب المهجري، مع الاستمرار بطباعة قصص الأطفال.
نبضة حب أقرؤها برسالتك تشجعني على أن أكتب رغم شجرة البؤس التي تستيقظ في أعماقي، لكني لا أسمح لها أن تبني للأنياب أوكاراً.
لك من قلبي المودة والأخوة، وللإخوة الشعراء والأدباء كل الاحترام والتقدير، وللوالدة الكريمة كل التحية والسلام والدعاء أن يجمعنا الله في أرض الأرز.. أرز الخير والبركة.
مع هذه الرسالة (نظرية الانسطاح الزيتي) فإن أعجبتك انشرها وإلا فارمها في المحيط الهادي، فالزيت على الماء يطفو.
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
شرعية القلم
3/3/1991
أخي الأعز شربل بعيني المحترم
أطيب تحية أرسلها إليك وإلى الاسرة الكريمة.. وبعد
فقد مزق القلق أعصابنا والأتون يحرق ولا يحترق، وننتظر البسمة من كلماتك لتشدني بها إلى شاطىء النور، فأستظل بكلمتك، وأعيش برفرفتها، وهي منك في موضع القلب، وهي مني القلب كله.
ونحن نقرأ الأحداث مرثاة ودموعاً، وتمنيت أن تلتقي الشوارع العربية كلها في ساحاتها العامة لمأدبة هي: الندب واللطم والعويل.. لعل مثل هذه المآدب تنوب مناب مؤتمرات القمة المصطنعة المؤلفة من ولائم وقبلات ووداع وقرارات، تظن بعدها أن الجنة قد هبطت إلى هذه الدنيا، ولكن هيهات هيهات لما يوعدون..
من الاستيلاء والأسر والقلاقل.. إلى الاشتبكات والتدمير.. إلى الحرب والنهب والسلب.. إلى المعارضة والتصريحات والمشاريع ذات المخاطر.. تساقطت بقعها الدموية صفحات فخرية في تاريخ هذه المنطقة، وطن المآسي والدموع.
تمنيت أن ألتقي بالشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي، لكن الظروف لم تسعفني، فقد عرفت موعد ندوته الشعريو عقب انتهائها، لكني التقيت بالفنانة القديرة والممثلة البارعة هيلدا زخم في عمل فني تقوم به. واليوم الاثنين سنلتقي في حفل تقيمه شركة حياة للانتاج الفني، ولي في هذا الانتاج الفني قصة إذاعية هي قصة: الضفدع الصغير، أما هيلدا فتشارك في عمل إذاعي أيضاً باللهجة الشامية العريقة. لا أدري ما الذي حدث لإنتاج هذه الشركة؟ أرجو لها التوفيق بأن تتقدم شبكات التلفزيون والاذاعة لشراء هذا الانتاج.. انها مجرد فرع للعمل الصبور.
مجلة غربة تأخر صدورها، ربما الشهر القادم، تنتشر آلام المغتربين في مجلة، وأي صفحة تجمع هموم الهاربين من ظروفهم الهالكة؟
المنتدى العربي، نادي التراث العربي، تأجل افتتاحه، ولعل عودة الشرعية إلى الحياة، شرعية القلم بأن يكتب بحرية لمثل الظروف الطاحنة التي مرت بنا.
أرجو أن تكون قد وصلتك نسختان من (العصفور الجريء).. على كل مع هذه الرسالة نسختان أتمنى أن تصل إلى أناملك كل العصافير الجريئة.
وليس لنا سوى منابر الشعر ملاذاً لكل الأجنحة التي أراد جبران أن يعيد إليها لحمتها، لكنها ظلت أجنحة متكسرة في مواكب توزع الرمل والزبد، والنبي يطوف حول القلوب ليجفف الدمعة وليقرأ البسمة.
أنتظر بفارغ الصبر أخبارك الطيبة وأخبار الرابطة وأخبار نشاطاتك، لكن الذي آلمني هو إلغاء اسمي من قائمة المستشارين لمجلة الثقافة، إذ وصل إلي عدد شباط 1991، وفوجئت بهذا الإلغاء غير المبرر، سامح الله أخانا الشاعر مدحة، كما فرحت لما لاقت قصيدته من ترحيب.
أحاول كل جهدي أن أسهم بالنشاطات الأدبية والفكرية عقب مرحلة الفتنة الدموية في الخليج، لن أدخر وسعاً في كل المساهمات لعلها تصيب، فمن مسرحية إلى منوعات، إلى سهرة فنية، إلى فلكلور سوري لبناني معاً، وهذه الأمور تتحقق يوم أن يفتح النادي أبوابه.
ليبارك الله خطواتك، ولتبقى كلمة الحق معززة بأهلها، راسخة الجذور بأصالة أبنائها.. وبانتظار رسائلك، أشكر لك مخابراتك الهاتفية، راجياً لك وللاخوة الشعراء والادباء كل الخير.
لك كل المحبة والتقدير
أرجو أن أطمئن على وصول رسالتي وبها نسختان من قصة العصفور الجريء.
مع هذه الرسالة مقالة عن (شظايا عيون مجربة).. وأرجو أن تعلمني هل باستطاعتي طباعة قصص الأطفال في لبنان عند أخينا عصام حداد؟ أخبرني بذلك رجاءً علماً بأني أرسلت إليه نسخة عن القصة على نفقتي طبعاً.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
الأمل في الصبر
25/4/1991
أخي وشقيق الروح والقلم شربل بعيني
سلاماً وأشواقاً وبعد..
فما أخبارك؟ وما مشاريعك؟ وما أمورك الصحية أولاً؟ أرجو من الله أن تكون بخير وصبر وتفاؤل..
العصفور الجريء.. لم يسمح له أهل الحسد والكيد أن يطير بحرية، وأن يشدو لكل الأقفاص وقد احتوت على قضبانها أروع الحناجر وأحلى الأغنيات.
كل حاسد بدأ يلقم العصفور بحجر، ويرميه بالكلام، لعله يختفي وهو الأجرأ، والأشد عتواً على الظالمين، ومن منهم البريء حتى يرمي العصفور بحجر؟
وحمدت الله أن نالت القصة إعجابك وحازت إعجاب الأطفال، وشكراً لهم على تصفيقهم وترحيبهم..
أحاول كل جهدي البحث عن مطبعة في سوريا أو في لبنان، وإلى الآن لم يأتني الرد من الأخ د. حداد. وكم أعجبت بتعليق الأخ كامل المر: آخ منك آخ يا باخ.. في عندي كنز عظيم مثل كنوزه الرائعة في كتاباته. أنهيت أمس أنشودة لأطفال الحضانة ينشدونها في تخرجهم وجعلت عنوانها: أهلاً أهلاً بالزوار. كما أنهيت أوبريت صغيرة للأطفال تأجل إخراجها وتنفيذها للعام الدراسي القادم.. وبتأثير من بديع الزمان الهمزاني أعددت مقامة ربما تمثل في الأكاديمية لطلاب 11و12 ربما.. وتبدأ:
أنا عيسى بن هشام، اشتهيت وجبة من طعام، وأنا في بلاد العم سام.
وبالمناسبة جاء زوج ابنتي من لندن: زياد، وشاركني أيام هذا العيد، وقد ذبحت الخراف البشرية على أرض الأمة اليعربية. اليوم، سافر زياد إلى لندن، وبعد شهرين سأكون في لندن للإستجمام، وليتنا نلتقي في لندن لنمضي كل ألأوقات ونحن نعيش بين أحضان الكلمة الشاعر والآفاق المموسقة، كما يقال اليوم. لكني تذكرت ما قاله مرة تولستوي، ما لفظه: لقد غرقنا في الوحل ثلاث مرات، وقلها غرقنا في برك الدم.. ثم غرقنا بالوحل ثلاث مرات.. ولكن ليس هناك من هو أنظف منا.. أليس هذا هو التطهير الذي دعا إليه دانتي في جحيمه؟ كم مطهراً غرقت فيه أمتنا؟
كم مستنقعاً صنعناه بأنفسنا ثم رمينا صناعتها على أيدي الاستعمار؟
أخي شربل..
مهما اشتكى النبض إلى النبض فإن المأساة أقسى من يتحملها نبض أو فكر.. إنه نفق مأساوي شديد العتمات أعادنا إلى قرون الظلمة والظلام.
أحييك يا أخي.. ولعل الأخ حداد يسعفنا بآرائه من أجل طباعة قصص الأطفال.. وأرجو أن تهدي سلامي وأشواقي إلى أستاذنا كامل المر، والى الاخوة الياس وفؤاد ونعيم وعصام وعصمت وزين وراشد وجوزاف وجميل وأنطونيوس وأكرم، كما أخص بالسلام الوالدة الكريمة، وأتمنى أن تكون قضية لبنان قد حلت وتحللت من أشواكها الدامية، طالما عاد إلى بناية المر في بيروت مظهر العودة إلى الحياة الطبيعية.
بانتظار رسالتك القادمة، أرجو أن تكون كل ألأمور على أطيب حال.
هل ترى معي إرسال عدد من القصص للأطفال وتباع بالمكتبات العربية أو في الأوساط العربية على سعر هو دولاين؟ وإن وجدت بها صعوبة فأرجو أن تعتبر هذا المقترح ملغى.. ويبقى الأمل في الصبر.
وإلى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**
أحلام الفئران
12/5/1991
أخي الأعز ورفيق الصدق في الدرب والعطاء
الأستاذ شربل حفظه الله..
تحية النسب الذي جمعنا، وقد تزيّا به غيرنا وسماه أدباً وهو ليس بالأدب..
وبعد..
فكلي أمل أن تكون بصحة وعافية، وأن يظل قلمك سيفاً سحبته من غمده ولن يعود إليه.. وآمل أن تكون الوالدة الكريمة بخير وعافية.
أتمنى أن تسنح لك الفرصة ولو ساعة أو بعض ساعة، لتتكرم عليّ بقراءة (من تحت لتحت) التي عانيت من أجل نشرها الكثير، إذ أصبحت بهذا الحجم وقد ارتضيت بما كان، وحذف ما وجب.. وقد كان..
ولعل الفنانة نجوى عاصي تحين لها فرصة قراءتها، إذ ليس المهم اللهجة، فبالإمكان أن تكون اللهجة حسب قدرة الممثلين ولهجتهم المناسبة لدورهم، وكل له دوره في مؤسسة الاخاء اليومي لمحرقات الشعب.
ليتك تعلمني عن مقدمة المسرحية، فقد اعتبرها أحد نقاد المسرح ـ من بلاد برّه ـ طبعاً انها تحمل إيديولوجية الفن المسرحي.. فما ارتضيت بكلامه لأني لا أحب الطلاء ولا بودرة المساحيق، أريد الابتسامة على شفتين صادقتين بلا مراءاة او دجل.
أما السفر إلى لندن، فسيكون بإذن الله في 24/6، وسأبقى شهراً وقليلاً من الأيام. سأرسل لك من عاصمة المكائد والمسرات رسالة أخبرك بما سيتم من أمور جديدة. ربما ألتقي بزوجة تحمل عني المشاكل اليومية.. ربما.. ربما.. وإلى الآن والامور تتجه نحو الأحسن، إذ لا يمكنني أن أعيش بوحدة وغربة، فابنتي لينة تسكن معي، لكنها بعد أشهر ستغادر منزلي إلى منزل مع من تختاره، وهكذا الحياة تدور.
أما قولك: ان شاء الله نعود جميعنا إلى الربوع السماوية، ونلتقي بأحبائنا، فأرجو ذلك.. وأنت تعلم إذا عدت إلى دمشق يصعب علي الخروج منها لأسباب أنت أدرى بها. لهذا أتمنى أن نلتقي معاً في لندن، فابنتي وفاء تحمل في تعاملها كل ما نشأت عليه من تربية والدتها المرحومة، فهي ألأكرم والأرحب، لكنها عصبية المزاج لأبيها، سامحني الله.. هكذا جبلت.
أشكر لك تكرمك بتوزيع القصة على الأصدقاء والأحبة، وشكراً لهم على ثنائهم بأسلوبي، إنه اسلوب متواضع جداً.. وما زلت أحاول طبع ونشر وتوزيع بقية قصص الأطفال، والمواعيد كثيرة، والعيون فارغة، والأيدي تصافح وتطعن.. وبعد أن شب الحريق في الوطن ودخلنا النفق المظلم.
هذه ساحرة سندريلا تداعب أحلام الفئران لتجعلهم طواويس يسيرون على دماء الشعوب، ويستعذبون صراخ الثكالى:
أمتي، كم صنم مجدته
لم يكن يحمل طهر الصنمِ
هذا بيت لعمر أبي ريشة، حفظته ورددته وكدت أدفع حياتي ثمناً لتلك القصيدة.. ثم قرأت: إنما الميت ميت الأحياء..
مع كل التحية والتقدير لك وللاخوة أعضاء الرابطة، ولكل من يحب العدالة والحرية والصدق بالتعامل..
مع تحيتي للأخ شوقي، وضمن هذه الرسالة كلمة دافئة عن كلماته الثائرة، ولا بد للحق أن ينتصر ولو طال النفق، وكثر المنافقون، واشتدت أواصرهم. وإلى اللقاء..
أخوك
محمد زهير الباشا
**
مواجع الكلمة والوطن
5/8/1991
إلى الأخ الأعز شربل بعيني المحترم
ألف تحية وألف سلام.. كل التحيات إليك من قلبي الذي يودك أن تشفع لي بهذا التقصير.. إنه الزمن الذي يحرّك فينا مواجع الكلمة، ومواجع الوطن أعاصير صحراوية مرة، دروع البادية مرة، انتشار سريع لقوات لا تدري من أي ثقب مرة أو ألف مرة.. وأنا في لندن مدينة السياسة والتقلبات والمصائد وتركيز المكائد، مثل طقسها وضبابها وأمطارها، ونحن كما قلت مرة في المسرحية: غارقون في الجهل والتجاهل، يهمنا أن نسمع دويّ التصفيق لسكان الشرفات المطلة على الشوارع الملأى بالمسيرات المسيّرة، وويل لمن يفكر في ذهنه، ولو بلمعة واحدة، أن يحمل لافتة سجل فيها مشاعره نحو تلوث المياه، أو نحو غبرة الأحقاد الممزوجة في أرغفة السياسة العربية.
وأخيراً، صدرت غربة، وبين يديك صفحات سعيت كل جهدي أن تصدر قبل أشهر وأشهر، فالرغبو متوفرة، لكن حبائل الشيطان المتأمرك بدأت تدس أنفها في كل صفحة، وصبرت على ذلك، حتى رأت النور، وأنا في مدينة الضباب الملون وفق الشوارع والأقبية.
أحييك، فقد أصغينا بقلوبنا إلى الفيديو في يوم لبنان، بل وصل الفيديو إلى مدينة أوكسفورد، وتعرّف أدباؤها العرب على هذا النشاط الأدبي برعايتك، ورعاية أعضاء الرابطة الذين قيدوني بمعروفهم.
لا أدري ما الذي تم بشأن تكريم الاستاذ مدحة لنيله جائزة جبران؟ المهم بالأمر أن نكرمه..
أخي شربل..
أرجو أن أطمئن على صحتك أولاً، وعلى مشاريعك الأدبية والفنية، وما أخبار الجالية العربية ونشاطاتها؟
تحياتي إلى الاخوة: كامل، فؤاد، عصام، جميل، نعيم، عصمت، زين، راشد، جوزاف، أنطونيوس، الياس، كلارك، أكرم، فؤاد نعمان..
وطبعاً ذهبت إلى لندن وحيداً وعدت إلى واشنطن ومعي الحرم المصون كما تقول اللغة، وقد تم ذلك القران في 8/7/1991، فأنا غير قادر على طبخ قطعة من البطاطا في مقلاة زيت، فكيف بالطهي على أنواع التوابل؟
على كل ولله الحمد.. بانتظار رأيك في غربة، وبانتظار كلماتك النابعة من صدق عواطفك، أتمنى لكم جميعاً دوام الصحة والسعادة. وإلى اللقاء..
أخوك
زهير
**
الكلمة المنداة
30/10/1991
الأخ الأعز شربل بعيني المحترم
سلاماً واحتراماً وبعد..
فكيف هي الصحة أولاً.. ولا تسأل عما تخبئه الأيام؟
أهجرتنا يا صاحب الحرف المعطر، والكلمة المنداة؟ سامحك الله، وهل أكتفي بسماع صوتك بالهاتف ليهدىء من شوقي إليك وإلى كلماتك التي هي البلسم في الغربة؟.. ففي كل يوم أكون على لهفة لأجد رسالة منك فلا أعثر.. ولكني أدهش وأتحسّر وأقول صبراً ليوم غد.
أتظن بي من دعاة السلام في هذا النظام العالمي؟ أيضاً سامحني الله، فلا أتهم نفسي وأنت مع نفسي شقيقها في كل نزيف وفي كل إشراقة.
وهل تعتقد أني من دعاة الحروب؟ لكني من دعاة الحق والسيف بيدي لأحمي به حقي وحق جاري وحق أجدادي. وليس من المعقول أن يخصص الله ربنا قطعة من أرض لإقامة مملكة بالدم والقتل والذبح.. لكني وجدت يوماً على سطح المياه في بلدي مذابح هي في التاريخ الإجرامي أقل جرماً..
ما لنا وللاجرام.. أفتقد كلماتك وأنت النبع الغني الذي ينثر الحب على أفئدة العصافير، وأنت على حروفك منارة الود والإخاء لتجمع كل من تكسرت أجنحتهم على آهاتك مشاركاً، متأوهاً عاشقاً كسر الأسنة.
أحييك، ومع هذه الرسالة (غربة بعد دين معاً).. وأنا بانتظار بسمة مودة على صفحة أقرؤها بقلبي وبخط يدك.
وإلى اللقاء
مع أطيب تحية إلى إخوتي في الصدق والحرف المقدس أعضاء الرابطة، والى الأخ الدويهي أطيب تحية، وله نسخة مع هذه الرسالة.
المخلص
محمد زهير الباشا
**
معزوفة حب
بدون تاريخ
أخي شربل
يا أوفى الأوفياء..
أحييك أطيب تحية.. وبعد
فها أنذا على الوعد، أضع بين يديك صورة للأحلام التي رسمتها حروفك المتوهجة بالحب في (معزوفة حب)..
سمعت المعزوفة وأنا أناجي الأحلام.. تردد في أعماقي أصداؤها من عالم المحيط إلى التفرد والغربة في أرض كولومبس.. عشت مع كل زجلية، حملتني آهاتها إلى رابع الذكريات، رمتني ذكرياتها على كل غبار وأنا أنتظر رسائلك وأسمع كلماتك.
معزوفة حب.. مجد جديد تسطره في طريق عطائك المتجدد، فلا تبخل على الشعر بكلماتك، بتحليق آهاتك إلى عليين وأنت تقود الأبصار إلى أن تلامس خدود الزنبق والورد، وأنت ترشرش السعادة في عيون العاشقين الصابرين وأنت تحارب الحسرات، ولكن الغربة تظل الجرح على الملح، وإلى النار كل الحاقدين الملوثين بالمظاهر الخادعة والجشع القاتل.
ونحن.. ناطرين معك على كل الصخور العطشى حتى نسمع في كرومك أن القمر على صدرها يغني تراتيل عشقك ومودتك ووفائك.
أخي.. يا أوفى الأوفياء
أرجو أن تبلغ تحياتي للوالدة الكريمة، حفظها الله وأدام عزها، وأن تبلغ تحياتي للاخوة أعضاء رابطة إحياء التراث العربي.. وإلى الأدباء في صدى لبنان..
وللمعلومات فقط:
1ـ بدأت المطبعة في طباعة (المتنبي يجلو مقلتي نسر)..
2ـ هناك فكرة نتداولها وهي: هل يمكن أن تصدر مجلة في واشنطن يشترك فيها الشعراء والأدباء في سيدني. الدراسة مستمرة إذا استطعنا تأمين النفقات الضرورية. سأخبرك بما سيتم بهذا الأمر.. نرجو الله أن نوفق.
3ـ ربما أستمر بالكتابة عن عبقرية اللغة العربية فتكون كتاباً بإذن الله.. فلديّ مخطوطها لكنه بحاجة إلى مراجعة وتنقيح مع زيادة في الموضوعات..
لا أريد أن أسترسل بالأحلام..
فإذا كان القوافي يغرهن الثناء
فأهل الكلم يغرهن الضياء
ضياء الآمال والأحلام..
وفقك الله..
4ـ يوم 17/4 سينال تميم الجنسية، وما بعد.. سأحصل على الإقامة الدائمة، حينئذ أستطيع السفر إلى ما وراء البحار.. فما رأيك؟
وإلى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**