شربل، يا صديقي الشاعر/ سوزان بعيني

أديبة مجدلاوية شهيرة فازت بجائزة شربل بعيني


شربل، يا صديقي الشاعر..
قد تكون هذه الرسالة العاشرة التي أبعث بها إليك، والوحيدة التي خططت كلماتها على ورقة.
أما الباقيات، فوشوشات ومناجاة، كان عليّ أن أترجمها أحرفاً قبل الآن، إنّما بقيت أضغاث أحلام، وبقيت أنت في الفكر والوجدان.
شكراً على هديّتك الثـمينة، التي أتتني من خلف البحار، ورائحة شربين مجدليّا عالقة بكلّ صفحة من صفحات هذه الدواوين القيّمة.
شربل الصغير، الذي كان يكتب الشعر على عيون مجدليّا، وخلف دير مار الياس، وتحت كينة الكنيسة، وأمام دكّانة خرستين.
شربل المراهق الذي نظم لعينيّ كل فتاة مجدلاويّة، وكلّهن جميلات، شعراً.
شربل الشاعر، الذي زيّن بيوتات مجدليّا بديوانيْ مراهقة و قصائد مبعثرة.
شربل الذي سار هذه الدرب الطويلة بين مجدليّا وسيدني، أصبح اليوم (شاعر المهجر الأول)، يوقظ الضمائر، يستلّ سيف الحقّ، ويشهره بوجه تجّار الوطن، يخطّ تيّاراً جديداً، ويخلق نهضة أدبيّة وفكريّة، ويصبح بذلك (سفيراً فوق العادة). فهو يحمل الوطن للمغتربين، ويحمل أستراليا، بلاد الإغتراب، إلى الوطن الأم لبنان.
كل المواعيد تحقّقت بك يا صديقي، وهنيئاً لمجدليّا يرفع إسم مجدها عالياً إبنها البار شربل سركيس بعيني.
كنت أتمنّى أن أحصل على مؤلّفاتك كلّها، لتكتمل مجموعتي، ويزداد بك فخري واعتزازي. فديوانيْ مراهقة و قصائد مبعثرة احترقا مع ما احترق من مكتبتي ومكتبة والدي القيّمة، يوم أحرق بيتنا في 27 آذار 1976.
ومؤلفاتك في بلاد المهجر لـم يصلني منها سوى: الغربة الطويلة، مجانين، من كل ذقن شعرة، ومن خزانة شربل بعيني. وقد تهافت أهل البيت على قراءتها بدءاً بوالدتي، التي تسألني كل يوم: هل كتبت إلى شربل؟.. هل أهديته سلامي؟.. هل قلت له إنني أصلّي كي أراه في الوطن قبل أن أموت؟.. ومروراً بأولاد أخي الصغار منهم والكبار.
أجمل ما في كتاباتك، أنك تقطف من كل البساتين أجمل الباقات وأحلى الزهور.
تتنقّل ما بين الشعر اللبناني المرهف، والشعر العربي الفصيح، والنثر الساخر، والقصيدة الحديثة، وتبدع في كل نوع تتناوله.
لا أعلم.. هل صدر لك حديثاً شيء جديد؟ أكون لك شاكرة إن زوّدتني به.
شكراً لكلارك بعيني الذي أثبت فعلاً أنه أديب مرهف، إذ جمع لك كل ما قيل عنك، وأتحفنا بكتاب قد يكون فريداً من نوعه. هل صدر رقم ـ2ـ.
أنا مشتاقة إلى أخباركم الأدبيّة والإجتماعيّة، لا تبخلوا بها عليّ. أتمنى لو أحصل دوماً حتى على المقالات التي تنشرها في الصحف هناك.
لا أدري في النهاية، هل أقول: تبّاً للغربة التي سلبتنا الشاعر؟ أم: شكراً للغربة التي بلورت موهبتك الشعريّة، وجعلت منك (شاعر المهجر الأول)؟".
25 تمّوز 1988
**
ليلة عيد الميلاد
"صديقي شربل..
تائهون في الصحراء، كما المجوس، نبحث عن نجمة الخلاص وباب الأمل، بينما العواصف الرمليّة تتقاذفنا من كل جهة.
عجيب أن أكتب لك ذلك في ليلة عيد الميلاد، عيد الأمل والحق والسلام.
السلام؟ نتوق إليه، نتضرّع إليكم أن تصلوا من أجله.
نشتاق إليكم في الأعياد، وعلى أمل لقياكم، نطلب من الطفل الصغير أن يقودنا وإياكم إلى الخلاص".
ألـم أقل لكم أننا بحاجة إلى معجزات إلهيّة كي تتوقف قافلة التشرّد عن الوطن، بعد أن بدأت الدول الراقيّة ترفض لجوءنا إليها؟.. فلقد تبيّن لها أن حبل اللاجئين العرب أطول من يوم الدينونة، وأن تشرّد الشعب العربي من جور حكّامه، وأنظمته التعسفيّة، أكبر من أن تستوعبه الدول، ومنظمات حقوق الإنسان. إنه كابوس حقيقي أطلّ على العالـم، ولا ينقذ العالـم منه، إلاّ انتفاضة الشعب العربي ذاته، وإحقاق حقّه الإنساني والإجتماعي والديموقراطي بدمه الطاهر.
**
شاعر قريتي
أيها الحبيب شربل..
يا شاعر قريتي، يا شاعر لبنان..
سنة جديدة تتهيّأ لاستقبال الأيّام، وشبح الحرب يبتعد عن لبنان إلى غير رجعة، إن شاء اللـه.
على عتبة السنة 1992، هل تجوز لنا الأمنيات من جديد؟!
هل يعود إلينا الحلم؟!
هل يمكننا، بعد، الترجّي؟!
أمنيتي أن يعود السلام إلى وطني.
حلمي أن يعود أبناء وطني إلى وطني.
أمّا رجائي، فهو أن أرى وجهك من جديد يملأ شوارع قريتي، بعد أن شرّدتك الحرب في دروب الغربة.
أن أرى بيتك الصغير المهجور يفتح أبوابه للراحة والدفء، ويفتح نوافذه العتيقة، فيشع منها النور من جديد.
هل تحمل السنة الجديدة وعداً للأمنيات القديمة؟.
مجدليا 1991
**
أيها النسر المحلّق
شربل،
أيها العزيز،
يا صديق الأدباء،
وحبيب الشعراء.
أيها النسر المحلّق أبداً نحو السماء.
يا من حملت في قلبك لبنان
ومجدليا الى كل الأجواء.
شكراً لك!
منذ زمن بعيد..
لم يعد يجمل إلينا البريد
الرسائل..
والهدايا.
فعصر التكنولوجيا حرمنا من كل تلك الملذات!..
وعلى غير عادة،
يحمل إليّ ساعي البريد،
في هذا الصباح الجميل كتابيْ:
ـ شربل بعيني شاعر العصر في المغتربات
للأديب نعمان حرب.
ـ عزيزي شربل بعيني
للعزيز الراحل د. عصام حداد.
.. وهكذا أنت تأتي من دون موعد،
وتدخل من دون استئذان،
فتحلّ ضيفاً طيّباً على قهوتي الصباحية،
في حديقة منزلي القروي المجدلاوي.
أن تلهم الأدباء والشعراء،
فهذا ليس بجديد،
وقد كتبت عنك المجلدات...
وأن تكون الصديق الوفي للصغار والكبار،
فتلك ميزة شربل ابن البعيني،
وابن مجدليا البار،
الذي تربّى على محبّة الناس،
ونصرة قضاياهم،
والوفاء لذكراهم.
شربل الحاضر دوماً
والمتأهّب للاستقبال والتكريم
والضيافة المادية والمعنوية.
شربل..
يا صديقي البعيد
والقريب دوماً وأبداً،
لقد بكيت عصام حداد، وبحرقة، مرّتين:
الأولى، عندما غادرنا على غفلة..
والثانية، عندما قرأت ما كتب عني
ونحن لم نجتمع،
إلا على اسمك،
ولبضع هنيهات.
ووددت لو كنت سمعت منه هذا الكلام الرائع،
لكنه فضّل أن يقوله لك،
وقد قمت أنت حتماً بواجب الشكر والامتنان.
رحمه الله.
أعرف كم حزن قلبك على فراقه،
عزاؤك أنك احتفيت به كما يفعل الكبار،
وحملت الفرح الى قلبه الكبير
الذي اعتز بصداقتك..
وها أنت تحيي ذكراه الى الأبد.
قد يفرحك أن تقرأ ما قلته فيه،
حين قدّمته في تلك الأمسية الشعرية الرائعة
من ليالي "البيت الثقافي" النيرات عام 1992.
لذا ارسل لك طيّه نسخة عن هذه المقدمة.
عزيزي شربل (كما يقول عصام)..
شكراً لكل ما قدمته وتقدّمه للوطن
والانسان،
والأدب..
هل تعلم أن الوطن بغربة عنك،
وأنت مشغول عنه في الغربة؟
هل تعلم أن مجدليا مشتاقة اليك؟
الى متى ستدوم غربتها؟
صديقتك التي تفخر بك.
مجدليا، 6/6/2014
**
كلمة في حفل توقيع كتاب د. بهية ابو حمد: شربل بعيني منارة الحرف
أيها الأوفياء، مساء الخير..
أجيئكم الليلة أحمل إليكم، من بلدتي مجدليا ـ زغرتا، أغماراً من الحب والشكر، وأغصان الزيتون، وكمشة من صلاة أمي!.
ليلة أمس، وعند العاشرة، اتصل بي كاهن الرعية المفضال الأب عبّود جبرايل، ومنحني شرف تمثيل بلدتي الحبيبة في هذا المهرجان الرائع. فكاهن الرعية السابق الأب انطوان البعيني، وكاهن الرعية الحالي منهمكان  بواجبات دينية ملحة، والمهمة تقع على عاتقي أنا ابنة عم الشاعر الملهم شربل البعيني.
المهمة شاقة ولذيذة:
شاقة لأن الكلام في حضرتكم، مسؤول، وأنتم جمع مبارك، أهل أدب وفكر ومسؤولية، وعليّ انتقاء الكلمات!.
ولذيذة لأن الداعية الى هذا الحفل، حورية، نذرت نفسها في سبيل الكلمة  المسؤولة، ووفاء للغة العربية وآدابها، ولتحمل المهجر الأسترالي الى وطنها، وتحمل وطنها الى العالم: الأديبة الدكتورة بهية ابو حمد، حفظها الله وأطال بعمرها!.
المهمة لذيذة لأن من نتكلّم عليه، قامة تجاوزت الأفق، تخطت العمر، وطاولت القمر!..
شربل البعيني غادر قريته مه أهله في ظروف الحرب القاهرة، إنما بقيت جذوره تمتد في كل أرجاء الوطن، وبقي اسمه أغنية في البال!.
فتى يافع، أحب الأرض والناس، وطرّز مراويل التلميذات بأشعاره الندية.. تسلّق أشجار "الكينا" في باحة كنيسة السيدة، ونثر على أغصانها أشعاره، فظن المارة أن القديسين يتلون صلاة المساء في الكنيسة، فمجدوا الله!.
حمل دفتر أشعاره الصغير الى سيدني، فأصبح الدفتر دواوين تروي حكاية الوطن الضائع، وتصرخ الى الله مأساة الانسان، حتى غدا عميد شعراء المهجر الأسترالي.
شحذ قرائح عديدة، وألهم كتاباً وشعراء، فكتبت فيه مجلدات، ونعِمَ بحفلات تكريم وتعظيم في وطنه الثاني أستراليا. إنما بقي الوطن الأم غصة في قلبه، وبقي هو ذخيرة في قلب الوطن!.
أنشأ جائزة وميداليات، وقد كان لي شرف الحصول على إحداها يوم سعدت بزيارة الأهل في سيدني عام 2012.
أيتها السيدة العظيمة، يا سفيرة السلام والشعر والوفاء د. بهية ابو حمد، تكتبين عن شربل البعيني وتبدعين، ونحن نتابعك ونتبعك الى آخر الدنيا، لا الدرب الطويلة ولا شجون البلد الأمنية والاقتصادية تمنعنا من التحلق حولك وانت تمجدين ابننا الحبيب شربل، وبلدتنا العزيزة مجدليا.
أصوغ لك في هذه الأمسية، لا عقوداً من ياسمين ضيعتي، بل كلمات شكر وحب ووفاء، تليق بقامتك الفريدة، وأقدمها لك باسم كل فرد من آل البعيني، وكل محب من عائلات مجدليا.
أبارك لك ولنا كتابك النفيس "شربل بعيني منارة الحرف" الذي يضيء أكثر فأكثر إرث عميد شعراء المهجر الأسترالي، والذي يغني المكتبات والسفارات واللغة ويغنينا. حفظك الله منارة. حفظ عائلتك، حفظ نقابة شعراء الزجل في لبنان، وجمعية إنماء الشعر والتراث في أستراليا. حفظ الله معالي وزير الثقافة، ممثلاً بالدكتور علي الصمد، والقيمين على هذه الوزارة. حفظ بلدة صغبين وبلدية جديدة المتن. حفظ أستراليا البلد المحب المضياف، حفظ السامعين جميعاً.
كل لقاء وأنتم بالعافية. عشتم وعاش لبنان.
**
كلمة الأديبة المجدلاوية الشهيرة سوزان بعيني التي أبكت الشاعر شربل بعيني في حفل إزاحة الستارة عن تمثاله في بلدته مجدليا بتاريخ 19 آب 2023:

   معالي وزير الثقافة الدكتور محمد وسام المرتضى المحترم.
   حضرة خادم رعيّة السيدة مجدليا الأب عبود جبرائيل الجزيل الاحترام.
   حضرة رئيسة بلدية مجدليا الأستاذة جومانا بعيني المحترمة
   حضرة مختار بلدة مجدليا السيد جوزيف البعيني المحترم.
   حضرات المحترمين:
ـ الآباء الأجلاء، الأخوات الراهبات الفاضلات.
ـ الأدباء المنتدين: ميراي شحادة، سامي مظلوم، د. مصطفى الحلوة، وليد فرح.
ـ النحات العالمي نايف علوان.
ـ الشاعر المبدع شربل بعيني.
ـ أهل الأدب والثقافة والاعلام.
ـ أهلي، اخوتي أبناء مجدليا.
ـ أيها الحفل الجميل.
   مساء الخير والعطر والحب!
   هل سمعتم حجارة مجدليا تزغرد فرحاً؟
   هل رأيتم أشجار الحور والسرو تتمايل طرباً؟
   هل شعرتم أن ينابيع مجدليا والعين تفيض ماءً رقراقاً وزبداً؟
   أنا سمعتها، ورأيتها، وشعرت بكل ذلك في قلبي:
"بطلّة الغايب فرحت السهره
وسكر الوتر ما أجمل السكره
رقّص الأرزه الناطره بالجرد
رجعة حبايب طوّلوا السفره"
"لا يكرّم نبيٌ في مدينته"
   عفوك سيدي، نحن الليلة نكرّم شاعرنا وأديبنا وحبيبنا شربل بعيني، ندلله، نفخر بوجوده، وننتشي بحضوره.
   عائد هذا اليوم ليسكم بيننا مدى الدهر، وهو لم يفارقنا أبداً.
   سيمر الناس أمام نصبك وينحنون حباً وإجلالاً، كما ننحني خشوعاً أمام مزارات العبادة المنتشرة في بلدتي.
   أوَ ليس الشاعر رسولاً؟
   أوَ ليس الأديب نبياً؟
   للرب الإله السجود والتبجيل، ولهم الحب والتكريم.
   شربل بعيني حمل مجدليا في قلبه، وفي عقله، وقلمه، ودار بها في أربعة أقطار المعمورة، مخلداً اسمها. وهاهي اليوم ترد له التحيّة!.
   حجارة كنيسة السيدة، التي يفوح منها عبق البخور المقدس، ما زالت تردد صدى قصائدك الأولى، وما زال نسيم الغروب، الذي كان يداعب شعرك، يحمل إلينا صدى كلماتك!.
   يافعاً، كنت تعتلي شجرة "الكينا" في باحة الكنيسة، وتنشد أشعارك البريئة!.
   ورحلت.. الى أقاصي الأرض رحلت.. وبدأ مشوار الغربة، وفاح أريج أدبك في زواياها!.
   وها اليوم تعود وتختار البقاء متجذراً بيننا، في قلب مجدليا التي أحببت، أمام "دكانة خرستين" قبالة "ساحة البيادر"، مرتع طفولتك، 
حيث كتبت أجمل الأشعار، وأولى قصصك (مراهقة 1968)، هنا بجوار العصافير والحساسين، حيث الدوري يبني أعشاشه في الطاقات، والبلابل تشدو طوال النهار، والسنونو يرفرف عند المساء، وهديل اليمام يغني شجواً على الفراق!.
   تقول د. بهية أبو حمد: "هامة ثقافية امتدت جذورها في جميع الميادين، أرزة شامخة صامدة، غرّد شعراً، واسترسل نثراً، وديواناً وتراثاً. إنه شربل بعيني منارة الحرف".
   شربل بعيني انسلخت جذوره عن الوطن عمداً وقسراً، وبنى هيكل أدبه في أستراليا، واعتبر رائد الحركة الأدبية في المهجر.
   حمل اللغة العربية والشعر العربي والثقافة العربية ونثرهم في أنحاء الدنيا، فاستحق التقدير من مئات المسؤولين والقيمين!.
   أزهر دواوين شعرية قيّمة أغنت المكتبات، يفوق عددها الخمسين (حتى الآن)، وتُرجم الكثير منها الى لغات عالمية.. ومسرحيات عددها اربعة عشر، الى سلاسل كتب تدريسٍ للغة العربية، إذ كان أستاذاً بارعاً لها، وقد اعتمدتها المعاهد التربوية في أستراليا، وعشرات المقالات الصحفية، "فهو لا يعرف الراحة، طالما يتنفّس الابداع ملء رئتيه" يقول د. مصطفى الحلوة.
   أسس جائزة الشاعر شربل بعيني، وكرّم بها كبار الشعراء والأدباء في لبنان وفي المهجر، تقديراً للجهود الجبارة التي يقومون بها للحفاظ على الادب المهجري.
   كما أسّس اذاعة أسماها "الغربة" تلقي الضوء على نتاج أدباء وشعراء لبنانيين، وتحمل حنين المهاجر الى لبنانه!.
   شربل بعيني الذي حمل قضيّة لبنان في عقله وفي قلبه، والمتأجّج دوماً في الدفاع عن فضايا الأمة ولاسيما قضية فلسطين.
   شربل بعيني، شاعر الغربة دون منازع، والمتقدم بين شعراء الصف الاول في الاغتراب.
   شربل بعيني الواعظ الحكيم الذي يدعو شعبه الى كلمة سواء، هو الذي عانى من الحرب في لبنان وعلى لبنان، ويبقى الجيش اللبناني معقد الرجاء وفسحة الأمل!..
   شربل بعيني الداعي الى العيش المشترك لأنه قدر اللبنانيين مسيحيين ومسلمين:
"ونتفّق إسلام ونصارى
وبالجو نرفع راية بلادي"
"مش هم مسلم كنت
أو كنت نصراني
لبنان ملكك إنت
ما بتملكو ديانه".
   يجب أن يكون هذا دستورنا، وهذا إيماننا، فنتجلى بانسانيتنا وننتصر لاخينا الانسان!.
   هكذا يتجلى شربل بعيني من خلال جميع جواوينه الشعرية، وسائر نتاجه الأدبي، لأنه إنسان إبن لبنان!.
   هو المؤمن بربه، يكلمه، يناجيه، يطلب رضاه، ويقول:
"رحماك ربي إنني
قدّام عرشك أنحني
مترسملاً في غربةٍ
بالحب والعيش الهني
لا لست أبغي ثروةً
حلمي بعطفك أغتني
عمري بدونك كذبةٌ
مدَّ اليدين وضمّني"
   ويستحضر القديسين اللبنانيين، طالباً شفاعتهم وقدرتهم على خلاص لبنان من الضيّقات: القديس شربل، القديسة رفقا، القديس نعمة الله الحرديني، الى القديس مارون، ويتوقّف ملياً عند العذراء مريم التي رافقته طوال حياته!.
   ايمانه بلبنان، أرض الله والانسان، ثابت لا ستزعزع. هذا الوطن الذي يجري دماء في الشرايين، وشوقاً في القلب، وتوقاً الى المشتهى، وحلماً بالعودة يتأجج ناراً محرقة:
"غربتي نار اشتياقٍ مؤلمٍ
ورجوعي بوح أحلى موعدِ"
   ويقول لبيروت:
"أمضيت عمري كالرياح مشرداً
لكنّ وجهك كان دوماً مقصدي"
   أحبّ بيروت كما أحبّ باقي المدن العربية، وغنّاها: الرباط، بغداد، الشام، فلسطين.. إنما ذلك لا يثنيه عن حبّه "لسيدني":
"بالعين إنتي وبالقلب بيروت"
   يرى نفسه ابن مجدليا وليس ابن "ماريلاندز" المنطقة التي يسكنها منذ خمسة عقود. مجدليا القرية الوادعة التي تعني المجد والحنان، والتي شيدت منذ قديم الزمان:
"وقالوا انبنيت قبل ما سليمان
قصرو يعمّر من خشب أرزات"
   ويبقى الوطن الساري في شرايين شربل، ويستحلف المغتربين بالعودة الى الارض الطيبة:
"إن رجعتم أرضنا، قولوا لها
هي تجري في الشرايين دماء"
   ألا تشكّل له هذه العودة اليوم الى الديار، ولقاء الأحبة، محطة استراحة من عناء الشوق المستديم، والعشق الأبدي؟ وكأني به الليلة يزغرد فرحاً:
"رجعت من الغربه
زلغط يا قلبي
يقطع الغربه.. شو صعبه
يقطع الغربه
...
والضيعه اللي بعدا هيي
راجع تا حوشا بعينيي
وخبّيها بقلبي"
   ها اليوم، بعد هذه العقود الخمسة من التشرد، يتحقّق حلم الشاعر بالعودة الى الوطن، وذلك بفضل الله، وبفضل النحّات العالمي الصديق الاستاذ نايف علوان، فله منّا الف شكر "ومية وردة".
   يقول د. مصطفى الحلوة:
"إن الحركة الأدبية العربية في المغترب الأسترالي مهمة جداً، وشربل بعيني يتصدّر الصفوف الأولى في مسار هذه الحركة، لذلك اسنحق لقب "شاعر الغربة"، وكان سفير العرب الأدبي "فوق العادة" وغدا منزله محجة لكل أديب قادم من الشرق".
   لقد كتب عنه الكثير: عشرات الكتب والدراسات الأدبية، وكان نبع إلهام لكثيرين، بدءاً بسلسلة "شربل بعيني بأقلامهم" التي صدر منها خمسة أجزاء عن دار عصام حداد من عام 1986 حتى عام 1989، أما الجزء السادس فكان بعنوان "رسائل الكبار الى شربل بعيني" عام 2014.
ثمّ كتاب للمهندس الراحل رفيق غنّوم "أجمل ما قيل بأدب شربل بعيني". وعشرات المقالات والدراسات، وأخيراً وليس آخراً، كتابان قيّمان تستسيغ قراءتهما والتمتع بمضمونهما، الأول: "شربل بعيني منارة الحرف: للدكتورة بهية ابو حمد الصادر عام 2018، والثاني: "شربل بعيني بين الفصحى والعامية" للدكتور مصطفى الحلوة الصادر عام 2020، والبقية تأتي..
   احتلّ شعره المنبر، وخرج من القراءة الصامتة الى الغناء الجميل، فقد غنت له الفنانة المحبوبة ميرنا نعمة، كما غنى له الفنان المهجري قحطان حدارة، وغنت له أيضاً جوقة مجدليا بقيادة الآنسة المبدعة جوزيت المقدسي"، وانتشرت له فيديوهات عديدة في أستراليا، وفي كثير من الدول العربية وغير العربية.
   وأخيراً،
   أيها المعلّم المثقف، أيها العاشق الأبدي، يا شاعر الغربة الذي كتبت بدم القلب وخمرة الأقلام، القائل:
"إجرح القلب واسقِ شعرك منه
فدمُ القلب خمره الأقلام"
   لك في قلبي وفي قلوب أهل مجدليا مساحة لا حدود لها من الحب والتقدير!.
   أيها الحبيب العائد إلينا بعد طول غياب..
   أيها الآتي إلينا من بلاد الاشتياق..
   أيها الحامل في قلبك هم الوطن، وهم الضيعة، وهم الاهل والأحباب، ليتنا نستبقيك الى الأبد!.
   كيف لنا أن نزرعك بيننا؟ يا ابن مجدليا الأشم، أيها المحب الكبير والوفي الأكبر!..
   لكن هل يجوز حرمان النسر من التحليق؟ وأنت الذي يتنفس شعراً، ويلتحف الشعر دفئاً، ويرى في التحليق بعيداً، نوراً وحناناً، وقد فاح أريج انتاجك في كل زوايا الغربة!.
   الشكر لمعالي وزير الثقافة، لكاهن الرعية، لرئيسة بلدية مجدليا، للمنتدين الكرام، لعريف الاحتفال، لكل من عمل وساعد في تحضير هذا العرس الأدبي العظيم.
   الشكر للمشاركين معنا الليلة هذه الفرحة، 
   الشكر لوسائل الاعلام، للمصورين،
   الشكر الأول والأخير للرب القدير الذي يجمعنا دائماً وأبداً.
   وفي النهاية:
   يا شاعري الحبيب،
   إن كان لا بد من العودة القسرية الى الغربة، أحمّلك، وانت القادر على الحمل، فقلبك كبير كما هامتك..
   أحمّلك خرجاً من ياسمينة "خرستين".. وغمراً من حبق "بترونله"، وبيت صلاة من مسبحة سركيس طنسي البعيني، وكثراً كثيراً من الحب، الى الأهل والأحباء في أستراليا، وأستحلفهم معك:
"يا أهلي، يا مغتربين
ارجعوا يا أغلى محبين"
   شكراً لكم، 
   عشتم وعاش لبنان.
سوزان الياس البعيني
مجدليا 19 آب 2023
**