رسائل محمد زهير الباشا لشربل بعيني 2

أديب سوري كبير ومؤلف كتاب:
شربل بعيني ملاّح يبحث عن الله
كلمات الشكر
11 كانون الثاني 1989
أخي الأحب إلى قلبي شربل
أطيب تحية وأعطر سلام وبعد
فلا أدري كيف أجمع كلمات الشكر أزجيها إليك، وإلى كل من شكر لي عملي المتواضع، إن في الإذاعة أو الصحافة، صحيح إننا لم نلتقِ وجهاً لوجه، لنتعارف، ولنتبادل الحديث، لكنني عرفتك قبل أن نتعارف. حدثتك بالقلب والعين قبل الحديث باللسان، وحتى الآن، لم أدرِ ما الدافع أو ما الدوافع التي جمعتني بشعرك؟ 
هل هو الصفاء النفسي الذي لمسته في ثنايا حروفك؟ 
هل هو العذاب المشترك الذي عانيته في طرابلس، مثلما عانيته على ضفاف بردى؟
هل فقدان من نحب في أرض الفيحاء كفقدانك الأرزة رمزاً للحياة قد جمعنا؟
لم أفكر يوماً في الدوافع، ودوافع التهجير كانت سياطاً تلسع كل خلية في جسمي الذي كابد وصابر على كل أنواع التجبّر حتى تهشيم عظام القلم، فالتجأت إلى الثقافة، مجلة ورجلاً، هو الأخ مدحة عكاش، الذي فتح لي قلبه وصفحات مجلته، وكنت أكتب ألأبجدية وأنا الرقيب الأول على معانيها، أو ما يرد، أو ما يمكن أن يفسّر تفسيرات مغلوطة، وأمامي قول لا أنساه لروتشيلو في القرن البع عشر، حيث قال، ولنعم ما قال: ليكتب كل أديب سطراً على الصدق، وأنا كفيل باتهامه ، وجره إلى المقصلة.
فكنت أكتب على صدق الرؤية والرؤيا، أجنح إلى الخيال، أهرب من سفسطات الكذبة والمرابين، فألقاك في دواوين تحمل هموم البشر، وأنا منهم، وعلى كاهلي ألف ألف حمل من واقع مؤلم، وأنا أعيش الآن على عنوان المنظمة الدولية لحقوق الانسان. سأعثر على العنوان قريباً، وأشرح لها قصة المرارة منذ عشرة أعوام، وقد فقدت ابني، وهو طالب سنة أولى حقوق بالجامعة السورية، وإلى الآن لم أعرف مصيره، وجوده، وكل أجهزة العيون المترصدة بنا، لم تعطِ أي جواب، بل كانت هذه الأجهزة تحقق معنا عن ابننا المفقود، الضائع، المسجون، المغدور، المجهول الاقامة، المنفي عن هذه الدنيا.. لا أدري!
وجئت إلى هذه الديار، بعد أن حاولت الهجرة إلى أستراليا، فلم أفلح، وحاولت الهجرة إلى كندا، لكن السفارة الكندية عقب موافقتها على الهجرة، وجدت أن ثلاثة من أبنائي في أميركا، فطلبت مني الالتحاق بهم.. وطلبت مرة الالتحاق والهجرة الى الارجنتين بمساعدة أحدهم، شاعر شاعر ممتاز، لكنه لم يستطع أن يتحمل القضية، فعذرته لأنه شاعر وصادق.
إذا كانت طعنات الأجهزة مدماة، بعد أن أجبروني على الاستقالة بتوقيع سيد الاسياد، ثم ضياع ابني، ثم، ثم، ثم.. ألا يحق لي أن أرحِّل اولادي إلى ديار الغربة؟
والآن، لي ابنة في لندن متأهلة، وقد تخلصت من الجور، ومعي في هذه الدنيا الغريبة أربعة، ولله الحمد الأور نحو الأحسن.. أما عملي في الأكاديمية، فإني أتقاضى راتباً متواضعاً جداً جداً، إذ لا وساطة لدي تجاه المسؤولين، وقبلت به حتى لا أكون عالة على أحد، ولو أني استيقظ باكراً جداً، وأعود إلى البيت في الساعة الخامسة تقريباً، فهو أفضل من لا عمل.
حاولت النشر في احدى المجلات هنا، لا أدري، نشروا لي أربع مقالات، وأنتظر منهم نتيجة هذا النشر.. وكم أتمنى أن أكون بموافقتك قد نلت الموافقة بنشر الأبجدية الأسبوعية، مثلاً، في إحدى الصحف التي يمكن أن نتعاون معاً على ذلك. فما هو رأيك، كما شرحت ذلك سابقاً؟
اعذرني، إذ يمكن أن تعتبر هذا الرأي لاغياً في حالة عدم استجابة أي صحيفة أو مجلة التعاون معها.. ويبقى بيننا كل الود والمحبة والاحترام، وهي قيم لا يمكن أن تقدر بأي ثمن.
أحاول الآن أن أفتح باباً في مجلة الناقد التي تصدر في لندن عن طريق الأخ نعمان، لكني، وهذا حسن ظني به، لا أدري ما هو موقفه معي عقب نشرك دراستي المتواضعة؟ لا أستطيع أن أحكم إلا بعد أن يوافيني برأيه حول هذه الدراسة، أو أو أو.. والمهم عندي ألا أخسر أي صديق، فالدراسة كانت خدمة لهذا الحب، وهذه المودة، وهذا الاحترام، ليس إلا.. لم أبغِ من ورائها أي نفع مادي، وهذا ما لم يعجب الكثير الكثير ممن تعرف. وكانت ضربة معلم إذ جعلت (كلمة الاعتراف فضيلة) في الصفحة الأولى من الدراسة. إنها إشارة ذكية أصابت كل ألأهداف برمية واحدة.. وقيل حتى حتى وألف حتى إلخ.. ولا تهمني أقوالهم، ولا تخرصاتهم، فهم لا يعملون، ويسؤهم أن يعمل الآخرون.
أعجبت كثيراً بالدراسة القيمة التي قدمني بها للقراء الأخ المبدع أنطونيوس بو رزق، وسرني أكثر سماع صوتك في قصيدتك، وقد أعدت سماعها مسجلة وأنا أمني النفس باللقاء بك، لأسمع حديثك، ولأرتوي من أصالة معدنك الطيب. كما أن التقديم بالإذاعة حول الكتاب كان موفقاً جداً، فشكراً وألف شكر لك، ولكل من أحاطني برعايته، بكلمته الحلوة، ببسمته، بنقده الصادق، وبمن لا يعجبهم ألا يعمل الآخرون.
المهم أن نكتب، أن نشقى، أن نتعب، أن لا ننام وملء جفوننا السهد الذي يؤرق، والأرق الذي يتعب فلا نيأس، ننام لا عن شواردها، بل مع شواردها وسلبياتها، ونصحو على آمال هذه النفس.
إنني أبحث الآن عن المنظمة الدولية لحقوق الانسان، فأود معرفة عنوانها، لأوافيها بالوثائق اللازمة، فتبحث لي عن ابني المفقود في أرض الوطن. لم أعثر حتى الآن على العنوان، سأحاول، رغم لغتي الانكليزية الركيكة والضعيفة، وسأحاول دراسة الانكليزية عقب حصولي على إجازة سوق، وحصولي على سيارة، ربما بعد أشهر معدودات، لا أدري.. فهنا بدون سيارة أقف عاجزاً عن الحركة، لأني أحاول إعطاء دروس خاصة، فيشترط الأهل حضوري لعندهم، وهذا يحتاج إلى وسيلة للمواصلات، والوسيلة متوفرة بأثمان بخسة كما تعلم، سأصبر رغم ضياع فرصة التدريس للطلاب، تدريس خاص لكل المراحل التعليمية.
سأوافيك بنسخة عن الرؤية النقدية لرواية د. سمر العطار، وما يستجد من أمور.
لا تؤاخذني إن جعلت أموري واضحة بين يديك. الكل هنا من المدرسين العرب لمادة اللغة العربية قد أعجبوا بشعرك، وبدراستي المتواضعة، وازداد الطلب لحصول أهل الأدب في هذه الأكاديمية على نسخة من هذا الملاح الذي يبحث عن الله، فما تمانعت، ليتك تستطيع لو تفضلت إرسال نسخ إضافية قدر المستطاع، ولك مني كل الشكر سلفاً.
إنني أعود إلى كتاب المذكرات اليومية والسنوية للأديبة د. سمر العطار، وقلت في نفسي ما قلت وقالت:
خذوا بيتكم فغرفه مفتحة..
خذوا وطنكم، فأنا التائه في ضمائره المباعة..
يا من تعيشون على أجنحة الخفافيش
ولا ترتوون من دماء الأبرياء
ولا تشبعون من كنز الذهب والمتع والتخديرخذوا شوارعكم، فقلبي لم يعد يتهادى في مزارع الابتزاز..
خذوا كلماتكم، وشعاراتكم وجدرانكم وبنادقكم
فدم أخي على التراب أهدر..
ومن أجل ابتسامة لقمره أهدر..
ومن أجل لقمة عيش أهدر دمه
فكيف لي أن أعيش في بيتكم.. إلخ..
أخي الأعز، يمكن لو تفضلت بنشر أسطر تختارها من هذه الرسالة، فأنا ما زلت إلى الآن أبحث عن بيت، فيه بهو للعنادل، وبهو للغناء، وبهو لمنازل الأقمار، فيه قصص شهرزاد تروى على لسان عاشقة، والعشق في الوطن غربة.
أخي شربل..
أكرر لك امتناني لكم جميعاً، وإن قلبي ليشارككم أعراسكم، مع شكري للأستاذ جوزيف بو ملحم، والاستاذ طوني سعد، ومطانيوس مخول، والاستاذ كامل المر.
وإلى اللقاء..
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
مواطن من دولة الصمود
فرجينيا/12/2/1989
الأعز.. خيي شربل
تحيّاتي الصادقة أبها الأخ الأحب، الأخ الذي أحببته بكل الصدق، وبكل الوفاء والمودة.. ولا تسألني ما السبب؟ وما الدوافع؟
فأم العيال تهديك وتهدي الوالدة الكريمة تحياتها، وإلى الشفاء.. في كل صباح دلائل خير ولله الحمد.. لكنها رغبت بأن تهديها شريطاً تسمع فيه بوحدتها صوتك، وأنت تروي لها غزلك، مواقفك، غضبك، هجرتك، فأكثر أقاربها في لبنان لا تدري ما هو مصيرهم.
خيي.. كيف أستطيع أن أكتب حرفاً واحداً بدون مشاعر وأحاسيس؟ أي جملة أو سطر أتمكن من تسجيله دون أن يختمر ويتفاعل ويضيء لي طريق وجوده، فيرغمني على الكتابة، ونسميه إلهاماً، اما وحياً فهذا للأنبياء والمرسلين!
المعاناة واحدة بين زجلياتك وشعرك ونغماتك العلوية، وبين ما عشت فيه بكل الصدق وبكل الوفاء. وسأزودك بكل ما تنشره الثقافة عن كتابتي المتواضعة جداً، وبهذا وعدني الأخ نعمان.
وللأخ كلارك كل الشكر، وكل الفضل، لما يتكرم به، فيسجل ما ينشر عن خيي شربل في كتاب.. ألله معه.
وكم قرأت في عينيّ أم البنين الدموع والفرح معاً في رسالتك، وأنت تدعوها إلى بيتنا في أستراليا.
ومع الامتنان للشاعر عصام ملكي، وما تكتبه أنت في (ستوب) صدى لبنان، وإن مواقف الأدباء الاشراف تجاه هذه الدراسة يجعلني أنحني لهم بكل التواضع والأدب الجم، شاكراً لهم كل كلمة وكل تعليق وكل رأي.
إنني أحاول الصمود والتجلد، ولا تنسَ خيي شربل أنني مواطن رقم الدرجة تحت المئات.. أي مواطن من دولة الصمود، صمود الكراسي والمزارع والقصور والذهب ووو.. أحاول التجلد في هذه الغربة، خاصة زأن التدريس يلتهم طاقتي، وليس من عادتي أن أضيع دقيقة واحدة على طلابي مهما كان الوقت والواجب.. لهذا فإني أعود إلى البيت لأستريح من العناء والتعب، والوقت الذي أبدأ به من الساعة السادسة وصولاً إلى الساعة الرابعة والنصف والخامسة. على كل الحمد لله والشكر له بأن تهيأت لي فرصة هذا العمل المضني جداً.
أما النشر.. فقد تعجّب أصحاب مجلة (الأمة) الأسبوعية لهذه العناوين التي أرسلتها إليهم شريطة أن يبقى العنوان الدائم كما يلي: أعلام معاصرون في الأدب المهجري.. لكنني أفاجأ بعناوين جديدة.
المشكلة أني لم أستطع حتى الآن أن أقتني سيارة أتمكن بها من التجوال بين فرجينيا وواشنطن دي سي.. فالمسافات واسعة، والسير صعب، ومع ألأيام والأشهر القادمة يمكن أن تحل أزمة السيارة. وضمن هذه الرسالة ما تمكنت من نشره في صحيفة الأمة.
وأرى أيها الأخ الأحب أن نتفق على ما يلي وما اختلفنا مرة بالمواقف، وإن كانت هناك آراء جديدة تخدم النقاط التالية فأنا معك:
أـ ضمن هذه الرسالة: قصة نخلة في صحراء لتنشر بموافقتك، وموافقة الاستاذ جوزاف بو ملحم، وإني لأشكره على كلمته الرائعة: بيكتب ع قلوبنا قبل صفحاتنا.. آه يا خيي شربل، من أين آتيه للأخ الأستاذ جوزاف بكلمة طيبة مثل كلمته؟
سأتابع إرسال قصصي إثر بعضها البعض، لتكون هذه القصص خلال فترة قد تجمعت في كتاب يمكن نشره، وهو يحتوي على قصص قصيرة ذات مغزى إنساني. لا أريد أن أشرح المغزى، فأنت أهل لكل مغزى ومعنى.
ب ـ لديّ مجموعة من قصص الأطفال على ألسنة الحيوانات والطيور وو.. فهل تفضل إسالها دفعة واحدة؟ أم أرسلها قصة إثر قصة؟ لتجمع فيما بعد فتنشر كل قصة مع رسومها وألوانها بالعربية أولاً، ثم تترجم إلى الإنكليزية.. ما هو رأيك؟
ج ـ أنهيت دراسة حول المتنبي برؤية نقدية جمالية: المتنبي يجلو مقلتي نسر. ما رأيك بإرسال هذه الدراسة مع قصائد مختارة للمتنبي.. الدراسة ثلاثون صفحة فقط، يضاف لها عشر صفحات من شعر المتنبي، فتكون دار النشر.. دار خيي شربل قد أخذت طريقها.
هـ ـ في هذه الرسالة نموذج متواضع لأغنية: شارع المواويل.. وأنت الأدرى بالموسيقار الذي يلحنها.. رما الملحن بسام بادور. وأنت الأدرى بالمطربة التي تغني هذه ألأغنية.. ربما ترشّح لها الفنانة عايدة شلهوب أو نجوى كرم أو هند جبران.. أو.. أو.. فإذا وافقت مطربة على كلمات هذه الأغنية ووافق الماحن، فأنت خيي شربل تضمن لي حقوق هذه ألأغنية، ولدي طبعاً مجموعة من الزجليات والأغنيات رفضت بإباء أن تقع فريسة لدى الذئاب من أهل الفن والابتزاز.
أتمنى من كل قلبي أن تجد اقتراحاتي هذه مجالاً خصباً ليديك، فتكون هذه الدراسات وهذا النتاج تحت ظلك أيها الأخ..
* مجموعة قصصية
* قصص للأطفال
* رؤية جمالية نقدية.. الخ..
فإني أخشى على كلماتي من أن تبتلعها الظلمة ويجففها غبار الزمن، لذلك أضع بين يديك هذه الاقتراحات.
ثم نعود إلى ما كتبته عن أدب المهجر في كتاب خاص.. واعذرني إن تجرأت وقدمت إليك مجموعة من آراء.. وليت ابطة إحياء التراث العربي تشارك في هذا النشر إن رأيت ذلك سهلاً أو ميسوراً وأظن نفقات النشر تعود بالخير والنفع على الجميع.
خيي شربل..
كلي أمل ورجاء أن تتيسّر هذه الأمور بهمتك وإخلاصك، فنعمل خطوة إثر خطوة لنقدم إلى هذا التاريخ نموذجاً عملياً مخلصاً.. لا تهمنا مظاهر الحضارة الزائفة يكفي أن نغطي الساحة ألدبية بالعمل المخلص دون أي خسارة مادية طبعاً..
ثق تماماً أنني لم أنسَ ما كتبه ألأخ كامل المر، ولا ما كتبته الأديبة د. عطار، ولكن كما قلت لك التدريس ينهك أعصابي ويتلف ما تبقى لي من صبر. فقد طلبت مني مجلة ألأمة دراسات حول الشعر العربي المعاصر.. لكني لم أجد الفسحة المناسبة لقراءة الأدب المعاصر.. خاصة وأن مكتبة الكونجرس تبعد ساعة ونصف الساعة ذهاباً.. والعودة تحتاج إلى ساعتين وأكثر.
سأحاول بذل جهدي لأقوم بالوفاء للأخ كامل وللدكتورة عطار.. وقد أرسل إلي رئيس كتاب وأدباء الأردن مجموعة من دواوينه، فشكرت له هذا الوفاء، ولكن أين الوقت والراحة؟ إذ يجب عليّ أن أعمل خمسة أيام من أجل أن أعيش على كدّ يميني وعرق جبيني.. فابني تميم ووسيم كل منهما يعمل ويتعب من أجل أسرتيهما.. ألله يوفقهم.
خيي شربل..
بانتظار رسالة منك، وكلها كما عودتني فأنت مشعل خير وبركة.
تحياتي المعطرة بأريج المودة والإخلاص للوالدة الكريمة وللأخ كامل، والاستاذ جوزاف بو ملحم وأنطوان سابيلاّ، وللأب يوسف سعيد، ومطانيوس مخول، وعصام ملكي، وطوني سعد، وماري ميسي، وفؤاد نمور، وعصمت الايوبي، ومطانيوس بو رزق، وإلى أسرة دار راليا للطباعة.
خيي شربل.. يا بن الكرام، ألم تذكر معي قول المتنبي:
ضروب الناس عشاق ضروبا
فأعذرهم أشقهم حبيبا
إلى اللقاء في رسالة تلبس الأعادي دماؤهم، كما يقول أستاذنا الكبير أبو الطيّب.. متمنياً للجميع ولقلبك الكريم أن يتحمّل أمنيات خيّك زهير.
وحلمي ألول الآن أن نلتقي.. أن نلتقي.. فكاسك خيي شربل..
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
شبر عربي
فرجينيا/25/3/1989
الأخ الأعز الشاعر الذي يغرد في حلكة الأيام
الأستاذ شربل..
تحياتي وأشواقي وبعد
فأرجو لكم وللإخوة جميعاً دوام الصحة والازدهار والمزيد المزيد من المودة والالفة..
تأخرت عني رسائلك التي تشفي النفس، والتي تجعل الدنيا على صدقك ونبلك مرحلة من وجود يمكن أن يستساغ.
أخي الأعز..
أرجو أن تصلني رسائلك وهي تحمل البشرى مع البشرى، فقد صاغنا الكون إخوة وأشقاء في الروح والنفس والعزاء، وأرجو أن تنال اقتراحاتي إليك موضع التقدير والتنفيذ، فلنضع أيدينا مع بعض في عمل يخدم التراث والأجيال.. لنحاول أن نتخذ من البحث عن الله وعن الجمال نبراساً لكل العاملين في دنيا ألأدب.
أغرب ما صادفني في هذه الغربة، المحنة القاسية، أن قوماً من ألصدقاء لم تعجبهم غربتي إلى ألأرض الجديدة.
أخي الأعز..
ماذا أعمل وقد جربت أن أهاجر إلى أستراليا ولندن وكندا، ولكن هل في الوطن العربي (شبر) عربي، مثلاً، يتحملني ويتحمل أسرتي؟!
ألم تعتبرني دولة شقيقة مرة أني أجنبي، والأجنبي غير العربي، تمنحه كل التسهيلات والابتسامات؟
فوالله.. لو أني وجدت شبراً في أرض عربية لهجرت دمشق وأنا قلبي يتقطع على مياه بردى.. كيف توزع على أحياء دون أحياء.. وكنت أفكر بالهجرة إلى لبنان، وقد أمضيت سبعة أعوام طفولتي ألأولى في بيروت، فأنا أعشق بيروت.. كنت أعيش في شارع المعرض، لكن الأقدار قذفتنا إلى دمشق الشام.
كانت فكرة الهجرة إلى أرض الجزائر، أرض آبائي وأجدادي، لكني صدمت لما وجدت كل عقاراتي ومزارعي وأموالي المتوارثة قد أصبحت في ذمة الله، وأنا الذي خسرت في ثورة الجزائر كل شباب ألسرة، وبقي فيهم من أصيب وهو عاجز عن النطق، من كان لا يراني وهو يعاني سكرات الظلمة في عينيه.
أخي..
هذه هي الحياة.. الحياة بدون مشاكل وأزمات لا تنمو ولا تحبو ولا تزدهر ولا تستلب الخيرات، لتودع في أيدي من لا يستحقون.
في هذه الرسالة دراسة ذات رؤية نقدية موجزة جداً عن كتاب د. سمر العطار: البيت في عرنوس، أرجو أن ترى النور على يديك، فقد بدأت بتسطيرها في عرنوس، وكان بيتي هناك، عشت فيه عشرين عاماً..
بانتظار رسائلك، وهي البلسم لي، وبانتظار رسائل من الأخ كامل المر، فالغريب للغريب نسيب.
مع كل المودة والأشواق.. أتمنى لكم دوام الصحة والازدهار.. ,أم تميم تهديكم أطيب تحية، وهي في دور النقاهة على صحو أفضل. لكن، وهي كلمة سموها العرب الاستدراك، لكن هذه تحمل أثقال التاريخ كله.. لكن لم تنته بعد من دموعها حول فقدام ابننا وكان اسمه: ريم.. وأنا أحاول كل جهدي أن نتناسى ذلك، ولكن هيهات لقلب الأم أن ينسى!!
أحييك أفضل تحية وإلى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**
مواجع الصبر
فرجينيا/24/4/1989
خيي شربل
سلاماً وتحية وبعد..
فأين هي كلمتك التي عوّدتني أن أشفى بها من غدرات الزمان؟ أين عطرك الذي أنتظره ليريح على آفاقه أعصابي؟
ما بالك يا أخي ويا شقيق الروح، هل آلمت إحدى كلماتي نبضة من قلبك؟
هل لأني تجرأت ورغبت أن نتعاون بنشر القصص والدراسات؟ وأنت إن رغبت نفّذ الاقتراح على بياض، وإن لم ترغب، ولم توافق، يبقى بيننا ما هو أقوى من الحياة.. ما بيننا يا خيي شربل مودة صافية دائمة مستمرة، وما اعتدت في حياتي أن أسير متطفلاً أو مستغلاً!
فأين هي رسائلك؟ صوتك أنتظره على شريط كامل لأعيش به وبنغماته أسعد أيام الحياة.. وما الحياة إلا لحظات عابقة بالمودة أنت صانعها.
هل كان في إحدى رسائلي ما عكّر صفو العلاقات، لا سمح الله؟
هل اندلق على أسطري زيت الكورة، فتسطح الزيت وغرقنا بشبر ميّة؟ لا أدري..
في كل يوم أنتظر منك رسالة، كلمة، صيحة غضب، نقمة على الأباطيل، فأتفاءل في مشرق غد، وأبحث بين البريد، فلا شيء جديد، ما الذي حدث يا ترى؟
إني أنتظر من دمشق ما كتب حول دراستي المتواضعة، ولم يصلني أي شيء من دمشق، ودمشق باتت مدينة الأعاجيب والغرائب، بعد أن عمت الخرائب نفوس الناس.
أرسلت إليك قصة (نخلة في صحراء النقب) مع (خذوا بيتكم فإني راحلة) عن البيت في ساحة عرنوس، وأحصي الأيام والساعات لعل جريدة من سيدني تفك أسر أحلامي التي قيدها هذا الانقطاع.
أقول خيراً، وأنا الفخور بك وبشعرك، الفخور بهذه المودة والصداقة، ولا أريد أن أسترسل لأنك الذي تعلم ما بي من خلال كتاباتي، ولم يصلني أي كتاب من الأخ كلارك، كما انقطعت عني رسائل ألأخ كامل المر، وما زلت أحاول نشر الدراسات عن الأدب المهجري بمجلة ألأمة التي تصدر هنا.. لكني أراسلهم، ولا أستطيع الوصول إليهم ومقابلتهم.
فلم أتمكن حتى الآن من الحصول على سيارة مناسبة رغم ضآلة التقسيط أو الدفعة الكاملة لسيارة مستعملة، فأنت ألأدرى ما يكلف الدواء لمعالجة أم تميم، ففي كل يوم عليها أن تتناول ثلاث مرات الحبوب الخمس أو الست، ومن واجبي أولاً أن أهيىء لها العلاج والدواء وأقساط المستشفيات الثلاث. أقول هذا للتوضيح فقط، وليس المقصود به أي شيء.
وأردت من خلال نشر القصص ـ قصص الأطفال بالعربية والإنكليزية ـ ونشر الدراسة عن المتنبي أن نتقاسم معاً كل الذي يمكن أن يحصل نتيجة النشر والطباعة. أكرر طرح اقتراحي إليك، فإن وجدته مناسباً فتوكل، وإذا رأيته غير مناسب، فإننا نبقى إخوة متحابين، يجمعنا الشعر والقصيد، وخدمة هذا الفن، وإن وجدت أي حل آخر، لإأنا موافق معك على بياض.
واسلم لأخيك الذي يقدر فيك حرصك على هذه الاخوة، وأنا بانتظار رد منك. سامحني إن هفوت مع أحد، وإلى لقاء برسالة توقظ فيّ مواجع هذا الصبر المرير.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
قاموس البريد
فرجينيا/8/5/1989
أخي الأحب شربل
سلاماً وأشواقاً وبعد
وصلتني الملصقات في اليوم الأول من عيد الفطر، وسررت بها كثيراً، وأمسكت القلم وسطرت كلمة زغيرة، لعلها تلقى بصوتك، وبنبضات قلبك. وثق أن القلب واحد في خفقاته، وزفراته، وغضبه، وهناءته، وكدت أضع تلك الكلمة بالبريد ـ وحدها ـ لكن مركز البريد لم نعرف موضعه بعد، وعندما عرفناه ما وضعنا الرسالة، إذ أقبل إلينا الزائرون، وجاءتني كلمتك في رسالتك، أبعد الله عنك الهموم، ولا أريد أن أثقل على أحد بأي شيء، فكيف بالأخ الأفى شربل.
كل ما في الأمر كان اقتراحاً، إن كنت على استعداد الآن لنشر ما لديّ من مخطوطات فليكن، وإلا فالزمن قادم لعله يضيء لنا دروب الخير.
ويا أخي الأحب..
أنا أعمل بهذا القول: لو تكاشفتم لما تباغضتم.. ومعاذ الله أن يكون بين شربل وزهير إلا المحبة الكاملة والصفاء والود والاخلاص..
سننتظر الفرج القادم إلى لبنان..وحينئذ لكل حادث حديث، وتبقى أنت، والله على ما أقول شهيد، الأخ المفضل، والانسان الذي جرت محبته في دمي وتفكيري، والحديث عن الهموم يطول ويطول.
وصلتني الملصقات، وشكراً بل ألف شكر لك وللاخوة الطيبين من أبناء بلدتي الحبيبة مجدليا، وهي المجد لله، ولا بد أن تصل إليّ الكتب خلال أيام، فاطمئن واشكر للأخ كلارك جهوده.
ولم يصلني إلى الآن أي جهد، أو أي نقد، أو أي دراسة حول دراستي المتواضعة، لا من دمشق ولا من غيرها، لا أدري ما هو السبب؟
تصور في هذه ألأرض أن أحدهم طلب مني أن أتحدث في التلفزيون لوجه الله، وكل حديث مدته عشر دقائق، فهيأت له عنواناً أسميته: مشاعل على دروب الحضارة.. وما طلبت منه أي شيء، سوى أن هذا البرنامج يتحدث عن العربية وروادها وعلمائها ومفكريها وأهل البصرة والكوفة، وعلماء النحو والصرف. وما زلت أحاول نشر دراسات متنوعة في مجلة الأمة الأسبوعية، والتسويف وارد..
حماكم الله من أي خسارة مادية، وأتمنى من صميم قلبي لو أن في اليد ما يسعف لما قصرت لحظة، فليبارك لكم الرب فيما تنتجون وتعملون وتعبرون.
أكرر شكري لك ولجهودك ولكل من عمل ويعمل من أجل إعلاء كلمة الحق والعدالة، ولا بد أن يأتي يوم لبنان.. يوم التحرر والتحرير. وأرجو أن تعتبر رسالتي تلك ملغاة من قاموس البريد، واصفح عني فأنت الأخ الأوفى على مدى الدهر.
تحياتي وسلامي إلى أفراد الأسرة، وإلى الأخ كامل، والأخ بو رزق، وإلى كل أبناء مجدليا.. أبناء بلدتي الحبيبة.
أم تميم تهديكم عاطر سلامها، وتتمنى أن تقرأ وتسمع قصائدك بصوتك الشاعري، ونحن جميعاً نؤيد هذه الأمنية.
ودمت أخاً وإلى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**
أرق الليالي النابغية
فرجينيا/20/6/1989
الأخ الأحب إلى قلوبنا وإلى كل قلب.. شربل
تحية الصدق، والصدق مع أهله محنة عصر..
وتحية المحبة، والمحبة سجنتها أقفاص الذهب على شرفات الشانزليزيه، ومذابح آمون.
وتحية الاخلاص في زمن يشرئب فيه الضمير ليكون شبحاً، وصمتاً تؤرقه ليالي قيس بن ذريح.
وما أكثر ما يشدني إليك، والى الحديث عنك وعن شعرك، فكلما عرفتك، وعرفت شعرك ازداد قلبي حباً بك، وشغفاً للقاء بك..
عرفتك قبل أن ألقاك.. همت بدواوينك قبل أن أصغي لشعرك المسجل، بل سجل شعرك في أعماقي، وتعلمت منه الزجل والفن وقول الحق..
هذا ليس مديحاً، كما يحلو للبعض أن يفهم، وليثه يفهم معنى المحبة. خاف بعضهم أني لم أذكر سوى محاسن شعرك.. وهل قرؤوا ما كتبت؟ فلو فهموا ذلك لعرفوا أني حاولت كل جهدي إنصافك، ولعل بريق المحبة كان طاغياً في كتاباتي، فإذا أحببت كتبت، وإذا ـألمت سهرت وأرقت.. ,إذا اشتد بي الغضب صم، وخشيت على نفسي من أرق الليالي النابغية.
لا أضع نفسي موضع الاعتدال بالحب، فليس بالحب دوائر بيضاء وأخرى رمادية، وثالثة سوداء. إما الحب أو لا.. إما العدالة أو لا عدالة.. إما الصفاء أو ذلك البلاء، بلاء الطغاة.
القيم الانسانية لا تتجزأ، ولا توزع ببطاقات التموين والإغاثة كبطاقات شهرية بعدد أفراد الأسرة.. إذ ليس من الضروري أن يشبع أفرادها، والشبع والتخمة وكبرياء المواقف أمور للخاصة، والناس عبيد أرقاء لأوثان هذا العصر، ولكل عصر أوثانه.
ليت أولئك الذين كتبوا عن ملاحنا الشاحر عرفوا عن جدارة كما سطر أديبنا وأخونا أبو رزق، وتحدث به الأخ نمور، والسيدة ماري.. وطوني فقد عرف في مشواره ماذا سطرت يداي وقلبي. ولعلي، مهما شكرت لك ما قدمته بحفلة التكريم أوكون مقصراً بالاعتراف بفضلك:
اليد التي تعمل الخير بيضاء
والتي تعترف بالخير خضراء..
أما الناكرة لكل جميل فهي سوداء..
لعنة الفراعنة عليها منذ أن أعلن أخناتون توحيد الإله
في شمس أحرقت الكهنة المنجرين للجنة والثواب..
ثم قتلته على أيديهم..
وبقيت الانسانية تتلو الوصايا العشر
وهي لا تدري أي بشر يدفع ثمن الوصية.
وأنتم ونحن في صلواتنا نصب كل اللعنات عليهم،
لكن تشرذمنا كان أفدح المصائب..
فمتى نعود إلى إنسانيتنا التي تجمع القلوب تحت أفياء أرزة الرب؟
مرة، كتبت قصة: صمت المعذبين.. ثم قصة: من يحرق أغصان الياسمين؟ اعتذرت تلك المجلة المشهورة عن نشر أي منهما.. لماذا؟ لأن في القصتين ما ينافي سياسة تلك المجلة. كنت أتكلم فيهما عن الجراد الذي يستهلك طاقاتنا، يحرق مزروعات الخير في معابدنا، يجعل الياسمين رماداً، وبلفتة إلى سدوم وعمورة، عرفت أن الأيدز وحده كان لعنة على تلك وهذه.. ومن يلتفت إلى الخلف تذور أعضاؤه ليكون عموداً من ملح. فهل كان الملح وحده مطهراً للأيدز القديم، والملح لم يعثروا عليه ليعالج مدمني اللعنات.
ويا خيي شربل لقد أيدز العصر، رغم تلاقي العملاقين على استثمار خيرات العالم الثالث، وما لف في وثائقهما من وكلاء وعملاء، وبطريقة مهذبة اسمها: سحب الصواريخ والدبابات من ألمانيا المنقسمة على نفسها، المتآخية لغة ومصيراً ومستقبلاً.. والحمد والمجد لكل من ابتهل إلى أن تكون الأرض كرة غير مسحورة.
ثم قصة: النخلة في صحراء النقب.. لها ألف قصة وقصة!.. حوربت، منعت، سحبت، تداولها الاخوة مطبوعة كما وصلت إليك، ثم شذّبت، ولعلها ترى النور في صحيفة من صحف سيدني.
إنها تروي كما عرفتها.. لقد صورتها عقب نسخها في واشنطن، وأسرعت بإرسالها إليك. إنها غالية على قلبي هذه القصة.. سأتابع إرسال مجموعة قصصية علها ترضيك، وما يرضيني أن ترضى عن فن القصة الذي أسطره بكل الموجعات والآمال.
أكرر شكري إليك، فقد وصلت إلي جريدة صدى لبنان، ولا أدري ما هو رأي الدكتورة سمر، لعلها تتكرم فتسجل رأيها برسالة مباشرة.. وقد أسعدتني وأسعدت أم تميم بالشريط الذي ضم صوتك، وصوت الطفلة الياس، وصوت أهل الزجل والفن. وقد أرسلت رسالة لأخينا كلارك بعيني أشكر له جهوده التي يبذلها بمسلسله الوثائقي: شربل بعيني بأقلامهم.
وهنا بالاكاديمية عرضت على بعضهم بطاقة يوم 30 حزيران، فاستعجبوا.. فمنهم من أبدى اعتزازه، ومنهم من أصابته الغصة.. غصة الحقد، ومنهم من تمنى المزيد من عطائنا ألأدبي.
وسلمت يداك على الكتب الخمسة التي وصلت إليّ، وللعلم وافق أديب عربي هنا يتقن ألأدب الانكليزي على ترجمة قصص الأطفال إلى الانكليزية، ولعلي أجد بارقة أمل في نشر هذه القصص، قصص الأطفال.. وسأخبرك بما يحدث بشأنها.
المجلة التي كنت أنشر بها وهي مجلة (الأمة) توقفت عن الصدور منذ شهر.. ربما تعود إلى الصدور يومياً.
اعذرني إن أطلت، ولك مني ومن أم تميم كل المودة والتقدير، وإلى كل أفراد أسرتك ألف سلام. وإلى الاخوة الادباء الذين شاركوا في يوم الثلاثين من حزيران، والى كل من أيّد واعترض، واشترك بالدبكة وفرح وأطرب وغنى وابتسم.. والى كل الذين ساهموا في حفل التكريم كل التقدير والاحترام. وتأكد لو أن خروجي من هنا يكون على وجه قانوني، لجئت إليك سابحاً، أبحث عن مركب يقوده ملاح يبحث عن الله.
فإقامتي الآن بالطريق نحو الصبغة القانونية، إذ تحتاج إلى أشهر قادمة، والحمد لله أولاً وآخراً.
وإني على استغراب من أن أحداً بدمشق، حتى الآن، لم يبعث إليّ بأي جريدة. نشرت دراسة عن كتابي المتواضع، عفوك، عن كتابك أنت، فليس لي سوى الاسم على الغلاف، أما المضمون فهو أنت مع الارزة والله، مع الفن والحب والجمال..
فلم تعد تصلني أي رسالة من الأخ نعمان، ولا أدري ما السبب؟ لعله الخير!.. رغم أنه وعدني بكتابة نقدية، وبرسائل متلاحقة.
أحييك أطيب تحية
والى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**
المهرجان
فرجينيا/17/7/1989
أخي الأحب شربل
حرسه الرب ورعاه وبعد..
فقد توالى الخير مبشراً بمهرجان يوم لبنان، وفي كل لفتة كريمة منه عبير من أشواقي إليكم، وفي كل كلمة عنجهية كنعان وفييقيا وأبجدية عمريت.
وكان حراماً على قلوبهم السرور، الذين ظنوا فذاقوا الثكل، فكأسنا واحدة مترعة بخمرة ألأبدية، فما تعجبت من لفظهم، نجوع ونحيا بقطرة منه، تظمأ النفس، وصرنا نستقي غمام المتنبي، والوغى في أرض الوطن يستقي المنايا، وحسب المنايا أنها باتت أمانيا..
وصلني الخير، فامتلأت الدنيا حبوراً، فكيف لو وصلني من يدك الطيبة نبأ عزمك الوصول إلى أرض الكولومبس، إلى بيتك.
وصلتني ثلاثة طرود بيومين متتاليين، الأول ليس به تاريخ سوى رقم 1750 على المظروف، وبه تعلن العزم على إقامة المهرجان.. ثم وصل إليّ طردان في أحدهما شريط تسجيل، وفي الثاني قلم الحبر الباركر المذهب، ولا أدري كيف أستطيع رد جميلكم الذي غمرتموني به..
فمن أشكر؟
هل تكتفي كلمة الشكر لأياديك الطيبة؟
هل تكتفي كلمة شكراً لأبناء مجدليا ولمختارها؟
هل يقبل مني كل متحدث بهذا المهرجان، يوم لبنان، كلمة؟
الشكر لك، وأنت الأدرى بأن واحداً من عشرة قد شكر السيد المسيح عقب شفائم.
المتحدثون بالمهرجان.. الصحفيون.. أهل الفن.. رواد المعرض.. المشاركون.. الطفلة ريما.. الثنائي الفكاهي.. رابطة إحياء التراث العربي التي هزتني مفاجأتها بموافقتها على منحي جائزة جبران في وقتها.
ولما وصلتني كلمتي المتواضعة التي وافقتم على أن تشارك احتفالكم، قرأتها أمام الحاضرين من ألأقارب، ولما التفت إلى أم تميم نعمة، وجدتها غارقة بدموعها، وتشاركها بالدموع والفرحة ابنتي لينة، أما أنا فقد استطعت أن أحبس آهاتي ودموعي، وعيب على الرجل أن يبكي، فبكى قلبي على وطني، وعلى عشيرتي، وعلى ألأهل في ديار الغربة، وكلنا بالهم شرق وغرب.
ولا أنسى الإهداء الكريم الذي ابتدأه أخونا كلارك بعيني، وأتمنى أن أتلو زجلياتي التي تشكر كل من قدم لي زجلياته إهداء وتأييداً.
وهذه رسالتك وفيها نبضات قلبك باللغة المحكية: مش رح أكتب لك بالفصحى.. والإذاعة تحدثت بالفصحى، مع كل الشكر للمذيعة ماري ميسي.
وتأكد يا أخي شربل أنه ما في لغة باالعالم كله تتسع لكلمة شكر أقدمها لك.. إلى اللقاء.. أرجو أن تتكرم فتشد على أيدي المؤيدين والمشاركين والمهنئين. فللجميع أطيب أمنياتي وعرفاني لهم بالجميل. ولتكن مشيئة الله في الخير لكل الناس، يا أحب الناس، ويا أكرم الاخوة.
أخي شربل..
1ـ عادت المجلة الأسبوعية الأمة للصدور منذ أسبوع، وقد نشرت لي مقالة: الواقعية السحرية في الرواية من ماركيز إلى نجيب محفوظ. وفيها نحدثت عن: شهرزاد، ودستويفسكي، وأحمد سنبل، ود. سمر العطار، ومحفوظ.. ولما أعلمت مدير التحرير بأمر المهرجان ـ يوم لبنان ـ طلب مني إرسال ما طبع عن المهرجان.. أرجو أن أوفق بنشر ما أرسلته عن المهرجان، وسأوافيك بما سيتم، وطلب مني موافاته بالدراسات والمقالات.
2ـ هل باإمكان التعرف على أخ مغترب من لبنان، يمكنني التفاهم معه على ألأمور الأدبية أو الثقافية أو غير ذلك، مما يخدم الفكر والعقل والآمال الطيبة، فالغريب للغريب نسيب، لأن الأخ الطيب بالغربة يخفف غلواء الغربة، مجرد رأي أرسله إليك فهو قابل للمناقشة.
أحييك، وأشكر لك جميع مساعيك الطيبة.
وإلى اللقاء
محمد زهير الباشا
**
ألف شكر وشكر
فرجينيا/30/تموز/1989
أخي الأحب شربل
تحية طيبة وأشواقاً وبعد..
فشكراً، بل ألف شكر وشكر عمن قال ووفى، عمن صدق في كلمته، وفي شعره، وفي زجلياته، وفي مواقفه..
سلمت يداك.. فكل الطرود وصلت.. القلم الذهبي والكاسيت والصحف، وسلمت يداك.. والفيديو وصل مع الصحف والكتب.. ووضعنا شريط الفيديو عقب قراءتي رسالتك، لكنه لم يعمل، فهو على النظام الخاص.. خلال أيام سأراه بعد العثور عمن يضمن جهازه عملية التحويل من نظام إلى نظام.
لقد طوقتم عنقي يا أبناء مجدليا، ويا أدباء المهجر في أستراليا. كل كلمة ألقيت في يوم لبنان لا أستطيع أن أفيها حقها من امتناني وعرفاني بالجميل.
ويأتي إهداء الرابطة عملاً يطوّق عنقي إلى الأبد.. فألف شكر.. ولا أجد العبارة التي تعبر عن امتناني لكم جميعاً، وبهذه المواقف الانسانية قطعتم ألسنة الحسّاد والمخرصين.. قطعتم ألسنة الأثرة والنرجسية، ولما اتصل بي مدير التحرير المسؤول لصحيفة الأمة، يرغب إعادتي التعاون معهم عقب توقفهم ثلاثة أشهر تقريباً، أعلمته ما تفعل وفعلت أياديكم البيضاء بيوم لبنان، فطلب إرسال المنشورات إليه، وكان ما نشر في جريدة الأمة.. كما أرسلت إليه مقالة: مات الكرام يا شهرزاد.. فاتصل بي هاتفياً قائلاً: إنه عنوان تشاؤمي، فهل نأخذ العنوان من الحوار الجاري بين شهرزاد والمتنبي؟ فنشر كما تتكرم بقراءتها.
أعلمني الأخ نعمان حرب أنه نشر بالثقافة الأسبوعية كلمة عن كتابنا: شربل ملاح يبحث عن الله، لم تصلني الكلمة بعد.. مع العلم أني أرسلت إليه بعضاً من نماذج المنشورات حول يوم لبنان. كما أنه زار د. سمر العطار في بيتها في عرنوس.. ولمعلوماتك، وأنت الأخ الأعز الحريص على كل دقة من نبضات قلبي.. إذ بالأكاديمية تتصل بي لأشارك بتطوير مناهج الغة العربية للحضانة والابتدائي والاعدادي والثانوي، فقد جاءهم الصواب، لأنهم يتعاونون مع أساتذة الأكاديمية الذين عملوا معم منذ أربعة أعوام، وحضرت لأجد الانحراف باللغة والأخطاء التربوية والآراء المتعفنة، فوضعت في موقف حرج، إذ اتفقت الأكاديمية مع خبير تربوي، وعرضت عليّ دراساته، وهات يا أخطاء في اللغة، وفي التحليل، وفي وفي.. ثم أرسلت إلي الادارة ألا أرشده وألا أصلح له أخطاءه، فاستغربت، وطبعاً توقفت المناقشة بيني وبينه.
وغداً الاثنين.. تصل ابنتي وفاء من لندن، وسيلحقها زوجها بعد شهر فلم أره منذ خمسة أعوام، وعلى كل.. الحمد لله.. إن أم تميم تزداد نظرتها تفاؤلاً، وهي تقرأ كتاباتك، وتسمع ما هو وارد في شرائط التسجيل، وتدعو لكم بالخير والبركة.
وأتمنى، بل تتمنى أسرة الباشا، أن تتكرموا بزيارتنا في أرض الغربة، وكل غريب للغريب نسيب، ونتمنى كلنا أن تكون الأيام القادمة وقد تعافى لبنان، وعادت إليه صحته ونشاطه ومكانته، وقد محا عنه الصفحات السوداء من تاريخه.
كما أرجو أن تخبرني إذا كان الأمر متيسراً بأن تكون لديك أسماء لأشخاص يمكن أن أتفاهم معهم في حقل الثقافة والأدب والصحافة في أرض كولومبس.. هذه مجرد فكرة.. كنت كتبتها برسالة سابقة، فإقامة علاقات اتماعية مع أناس طيبين يخفف الكثير من عناء الغربة وعذابها.. ولي أمل كبير بأن تسعى جهدك فأسمع: شارع المواويل.. وقد شدت بها إحدى الحناجر..
وهذا المهرجان العظيم، لم يكن عظيماً لولا وقوفك الجبار، وشعرك المبدع، وأبناء (المجد لله) والطيبون من الادباء.. فالجميع كانوا وما زالوا وسيبقون يداً تعمل وتكتب وتبدع، وقلباً واحداً يزيل الضغائن من النفوس.
أخي الحبيب..
أحييك أطيب تحية.. ولكل الاخوة من أدباء وفنانين وصحفيين وإعلاميين أطيب تحية وسلام.
وإلى اللقاء..
فليعذرني كل صاحب قلم وأنامل فنية، فلا أدري كيف أرد صنائعكم؟
أخوك
محمد زهير الباشا
**
أرض الأحرار
فرجينيا/24/9/1989
أغلى ألأحبة شربل
أحييك أطيب تحية وأصفاها وبعد..
فألف ألف شكر لما قمت وما زلت تقوم به أنت والاخوة من أهل الأدب والفكر من ذوي الخبرة بهذه الحياة، بمباهجها وآلامها، بأتعابها وأمنياتها، والحمد لله أني التقيت بصهري مع أسرته، فلو كنت في أرض الوطن لاستمر الغياب عذاباً وألماً..
وأشكر لك أياديك البيضاء التي غمرتني بالكتاب التذكاري وبسواه، اعذرني فلقد أتعبتك، لكنك والله تستحق كل خير، كل بركة، كل محبة من القلوب المتعطشة لكلمة صدق تقرؤها في شعر، في موقفك، في المبدأ الذي لن تحيد عنه: مبدأ الحرية، حرية التعبير، لا حرية التدمير، حرية القول لكل الناس، لا للغول الذي يفترس الضياء من عيون الأرامل، من أنات المبعدين، في زنازين الطغاة والجلادين..
ويوم الجمعة الماضي، زرت لأول مرة مكتبة صحيفة الأمة، واطلع المسؤولون هناك على صوت المغترب، فكانت لفتة طيبة منك ومن الجريدة التي نشرت: محرر الأمة ويوم محمد.. كما قمت بإهداء ذلك الكتاب إليهم وإلى المسؤولين في الأكاديمية، الذين لا يضحكون إلا ضمن أصول التربية والتعليم!!..
فألف شكر يا أخي شربل، وثق تماماً أن كل كلمة ألقيت قد اطلعت عليها وقرأتها بنبضات قلبي، وقدرت موقفك بأن تعطى الحرية لكل متحدث كما يريد دون أي توجيه أو إرشاد، فأستراليا أرض الأحرار، في يوم يجمع المبدعين والطيبين وكافة أبناء الجالية، في يوم الوحدة الوطنية، وكفى ما جرى في لبنان..
أرجو لو تكرمت بنشر الحوار الذي دار بين شهرزاد والمتنبي في أي صحيفة تجد من المناسب نشره، فهي ذات وذات وذات، واترك لك حق الخيار.. وذلك في العدد الذي ضم كلمة: من محرر الأمة إلى محمد..
وأما الاخوة الاساتذة الذين شاركوا، فلهم الفضل الكبير في هذا المهرجان الذي جمع القلوب على الكلمة، والكلمة إن لم تكن صدقاً اهترأت مضامينها.
أخباري، كما تعلم، التدريس يضني الأعصاب، لكن لقمة العيش بحاجة إلى كدّ ومتابعة، فالحياة لا ترحم المتقاعسين.
أرسلت للأخ حسن قياسي رسالتين، الأولى منذ وصلت إلى هذه ألأرض الجديدة، والثانية قبيل فترة، ولم أتلق منه أي رد، رغم أني أقدر فيه موهبة الرواية، التي تحتاج إلى ممارسة ودربة، أنت أدرى به، وإن ارتضى بموقفه هذا فلنا الرب وحده.. وهو حر بموقفه؟
الأخ نعمان حرب ما زال يراسلني، وما زال على وفائه وتمسكه بالاخوة، وهو الأفضل بين الذين يراسلونني من دمشق. دمشق هذه علمت أصحاب ألأقلام الجحود ونكران الجميل والأنانية المشبعة بالبغضاء، إذ كان كثير منهم على وداد وأنا معهم بدمشق، فما إن سافرت حتى غربوا عني، ولله في خلقه شؤون.
وأرجو الله أن يجمعنا في هذه البلاد، وإن كانت أعمالك لا تسمح لك وقت التدريس، فلننتظر الفرصة المناسبة لوصولك إلى بيتك هنا، إلى من يتلهف للقاء بك وأنت الأخ الأوفى.
أخي الاعز..
هل في واشنطن أو فرجينيا أخ من اسرة بعيني، فأتشرف بالتعرف إليه.. هل في واشنطن من هو من أبناء مجدليا، فأتمنى اللقاء والتحدث معه.. الغربة كربة يا أخي ألأعز.
على كل الأحوال أصبحنا وأمسينا ولا أحد يزعجنا ليلاً، ويبلغني وجوب الحضور إلى... أو يجب السير معهم إلى... ألا يكفي أن هذه الأرض رحبت بنا دون مقابل؟ ويبقى في القلب غصّة كبيرة (حب الوطن) مغروس في كل خلية فلن ننساه.
تحيات أم تميم وأسرة الباشا التي قدرت فيكم الوفاء يا أبناء مجدليا. وتحياتي وأشواقي للاخوة أعضاء رابطة إحياء التراث العربي، وللجميع أطيب الأماني بالتوفيق والنجاح.
والى اللقاء
المخلص
محمد زهير الباشا
**
الأمة
فرجينيا/5/11/1989
أخي شربل..
يا أحب الناس عَ قلب زهير.. كيف لا.. وقد اخترت الكلمة الطيبة في مزاج صدق ونبل ووفاء؟
كيف صحتك، وصحة الاسرة، وصحة الاخوة الأدباء والكتّاب؟ أرجو أن ينعموا جميعاً بالخير والبركة.
وصلتني من يدك الكريمة السمحاء كل ما تفضّلت به، وأرسلته إليّ، فليبارك الرب عملك.
وما زلتَ أيها الأخ الأصدق منارة لكل من يبحث عن ألهوة التي مزقتها أيدي العابثين بالذهب وبالجنس وبالمتع الحسيّة وحدها، ولن يتخلص هذا العالم إلا بعودته إلى الشعر، الشعر المنطلق من الذات العليا، هذا الشعر الذي يداعب ألحلام فيكون حلماً.. ويتراقص على أجفان الصبايا فيكون صبراً وتعزية عن فراق.. ويلتمع في جبين العالم وهو يقدر ليالي الشوق بالحسبان. لقد قتلوا قصة قيس وليلى.. كثير وعزة، باختلاق مواقف ليست من حياة الإنسان.
الوفاء يا أخي أنتم رموزه وحقيقته وواقعه.. وكم يحتاج هذا الوجود المادي إلى لمسات الوفاء بتعاملكم وبنبل مقاصدكم.
آه.. بل ألف آه وآه على الحياة المزدحمة بالساعة تلو الساعة للنتاج المادي، أما الروح.. أما الوفاء فهو نسغ الروح، فقد مزقته أيدي اللصوص، وارتدى أهل اللصوصية أقنعة القراصنة، فلا ندري هل نحن في كرنفال مستمر، مسموم بلا بطاقة تموين.. وبطاقات دون تموين.
من أخبار الصحافة هنا: انني أوصلت التحية الطيبة من قلبك الطيب إلى رئيس تحرير صحيفة ألأمة.. لكنه أعلمني أن هذا الاسبوع هو ألسبوع ألأخير لصدورها. وهكذا تتساءل الأمة عن مصيرها؟ فما هو المصير القادم؟ أحروب جديدة في بقاع جديدة ونحن وقودها؟ والأسباب عديدة أهمها عدم تفاهم أولي الأمور فيها.. وسياسة التطاحن بمن سيكون ممثلاً لهذه الأمة.. حتى هذه الأمة ستغلق أفواهها وألسنتها وجرأتها.
المهم أننا أصبحنا بلا أمة.. فتصور أدباء وشعراء وروابط فكرية دون أمة أو شجرة للأسرة!.. بعثرة الجهود هذه مهمة الأمة في هذا العصر الرمادي.
حتى الآن لم يتكرم الثلج بالسقوط، لكن درجة الحرارة مالت إلى دون الصفر، ويا رب البرد مع الصبر، فالغربة والوطن يكويهما الجمر بعد الجمر..
الجديد في ألأمر/ أن الاذاعة البريطانية أنشأت محطة خاصة بها، تسمع في الشرق ألأميركي، وكنت قد تحدثت مع مسؤولين في الاذاعة المسماة صوت أميركا والتي تتوجه إلى أرض الوطن، أن يتوجه فرع منها إلى الشرق الأميركي والى كل الولايات.. لكنهم لم يقبلوا رأيي، وهذا الذكاء الانكليزي المعهود ينشىء محمطة اسمها الشركة العربية الاميركية، وبدأت بإذاعة أغنيات عربية، أما الاخبار فتنقل من لندن مباشرة في وقت يتناسب ونشرها الى البلاد العربية، واليوم اجريت اتصالاً بمسؤول في هذه الإذاعة لعلي أصل فيما بعد إلى تقديم برامج عن أعلام في التراث العربي.. في النحو واللغة، والادب والفكر. أرجو إن وصلت إلى يدك الكريمة جريدة الأنوار أن تتفضّل فترسلها لي ولك مزيد الشكر والامتنان.. ولسوف تنشر مجلة الثقافة بدمشق كلمتي المتواضعة حول يوم لبنان.. بهذا أخبرني الأخ نعمان.
أما هؤلاء المتشدقون الحاسدون فلهم الله وحده.. فالحسد يقتل صاحبه إن لم يجد من يقتله. لقد كان موقفك وموقف الجالية والرابطة أكبر رد على تخرصاتهم.
إنني أسعى كثيراً لتقديم أطروحة دكتوراة في جامعة جورج تاون، أو في إحدى جامعات لندن.. آمل أن تصل إلى الرب دعواتك الصادقة ونحن نسير في طريق الكلمة المجامر، وما في هذا الطريق سوى الوفاء العظيم الذي غمرني، وما زال يغمرني، وأرجو أن أستطيع فأرد جزءاً يسيراً مما طوقتم به عنقي.
سلامي وسلام أسرة الباشا إليكم، وخاصة اسرتكم الكريمة، وأسرة الرابطة والجالية..
وإلى اللقاء وأنتم جميعاً برعاية الرب.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
أم تميم
فرجينيا/30/11/1989
أخي شربل..
كيف صحتك وأحوالك؟
اعذرني أولاً لهذه الكلمة السريعة التي كتبتها الآن.. ولا أدري كيف جاءت، فقد كانت أم العيال أم تميم هي التي تنقد كل ما أكتب، لكنها منذ 9/11/ حتى تاريخه، وهي مصابة بفقدان الوعي والحواس بسبب نزيف الأوردة بالمخ، مما جرى عملية فتح الجمجمة مرة أولى ثم ثم ثم ثم جرت لها ست عمليات جراحية..لا نطق ولا تحرك سوى النبض والتنفس فقط.
والآن هي راقدة بالمستشفى جورج واشنطن بالعاصمة، بعد أن تم نقلها من المستشفى بفرجينيا إلى جورج واشنطن بطائرة الهليكوبتر، فاعذرني إن لم أكتب.. وثق تماماً لولا أخوتك ومودتك وصدقك لما استطعت أن أخط هذه الكلمة العجلى فاعذرني، وليعذرني كل من يقدّر ما يجري معي.. فكيف أتمكن من جمع أفكاري؟.. أخرج من البيت الساعة السابعة إلا الربع، وأعود في العاشرة ليلاً أو الثانية عشرة.. واليوم عدت إلى البيت الساعة التاسعة وأنا متعب أشد التعب.. ووجدت معزوفتك وكتبك والجريدتين، ورحت أبحث عن رسالتك حتى قرأتها في صدر معزوفتك.. وحاولت أن أكتب هذه ألأسطر وقد لفتت نظري حروفك في رسالة سابقة (بالي مشغول عليك كثيراً كثيراً).. فقلت في نفسي ما الذي سيحدث لنا؟ إنها نبؤة شربل.. ما الذي سيحدث؟ وكان تاريخ رسالتك 9/10/1989، والجواب سطر إليك 4/11/89 وبعدها بأيام فقدت أم تميم الوعي والإدراك، وراحت في غفوة عميقة لا يعلم مداها إلا الله.. أكرر اعتذاري لك وللأخوة الأدباء.
لعل الصبر وحده يرحمنا من عذاب الجسد.. أما عذاب الروح في الغربة فأين نجد له الصبر والرحمة؟
سلامي إلى الجميع مع تحياتي ألأخوية
المخلص
محمد زهير الباشا
**