سيدني تكرّم شربل بعيني: شاعر الاغتراب اللبناني في يوبيله الفضي/ خضر أبو راشد

"نوستالجيا" البعاد والحنين
كاتب وشاعر وسياسي مهجري
   اليوبيل الفضّي للشاعر المهجري شربل بعيني الذي دعت إلى إحيائه مجموعة من المؤسسات والجمعيات والروابط الثقافية والاجتماعية في سيدني ـ اوستراليا، ورعاه السفير اللبناني لدى كانبرا الدكتور لطيف أبو الحسن، جمع على منبره أكثر من رجل دين ودنيا وشاعر وأديب تجمعوا في كوكبة واحدة لتكريم الكلمة الاغترابية، في يوم تكريم أحد روّادها المهجريين الطليعيين بمناسبة يوبيل عطائه الأدبي الخامس والعشرين، أصدر خلاله أكثر من سبع عشرة مجموعة شعرية بالعامية والفصحى، تنقلت كتابتها بين قصيدة التفعيلة بأوزانها التقليدية، الى قصيدة النثر بمدارسها المختلفة، وبين مقالات نثرية وأدبية عالجت قضايا الغربة والحب والمنفى، و"نوستالجيا" البعاد والحنين، إضافة إلى كتب في التربية والتعليم، وقد ترجمت بعض أعماله إلى الانكليزية والفرنسية والاسبانية.
"سوراقيا" التقته في منزله الذي يسمونه في سيدني "عكاظ الشعر وملتقى الشعراء"، والذي تنسّم منذ إطلالته الأولى عليه نسيم الشعر والأدب والفكر، بدءاً من عتباته الأولى التي تستقبلك عليها ضحكته الصافية، وترحاب والدته الكريمة، وكأنها لم تزل في "مجدليا"، مروراً بالجدران التي تزيّنها صور مناسبات الأدب، وشهادات وتذكارات وجوائز تقديرية نالها الشاعر على مدى السنوات الـ 25 الأخيرة، الى المكتبة الزجاجية وعلى أرففها "انسكلوبيديا" شربل بعيني للشعر اللبناني في أوستراليا، التي أصدرها في سيدني عام 1976، وكانت المجموعة الشعرية الأولى التي تصدر بالعربية لشاعر لبناني في أوستراليا.
   من مجدليا بلدته الشمالية اللبنانية الوادعة، يبدأ شربل بعيني برواية قصته مع الشعر ويضيف:
"كان عمري أثناءها تسع سنوات، وأمام تمثال السيدة العذراء الذي كان يزور منزلنا، حسب العادة التقليدية في القرى اللبنانية في شهر ايار "مايو" من كل عام، وقفت على عتبة منزلنا أقول في المناسبة بعض كلمات، فتأثّر البعض من حولي، وبكى البعض الآخر، ومنذ تلك اللحظة تفتّحت عيناي على ذلك السحر الغامض الذي اسمه الشعر".
   وعن بداياته الأولى يقول:  
"نصيحة تلقّيتها من نزار قبّاني بعد صدور مجموعتي الأولى "مراهقة" عام 1968، وكان من أوائل الكتب الإباحية الصادرة في لبنان باللهجة اللبنانية المحكية، فتحت عينيّ صوب الكتابة باللغة الفصحى من دون أن أتخلى عن "العامية" القريبة إلى القلب والتعبير".
ويتابع:
"ملحق النهار" وبالتحديد الشاعر أنسي الحاج، كان له الفضل الكبير على بداياتي الشعرية، انطلاقاً من صفحات الملحق التي نشرت فيها قصائدي الأولى، في أواخر الستينات وبداية السبعينات، حيث كانت ولادة ديواني الثاني عام 1970 بعنوان "قصائد مبعثرة عن لبنان والثورة"، فذعر من قصائده الطغاة والجلادون، فهمس "مرسال" منهم في أذن والدتي بعد عودتي من أمسية شعرية نارية في طرابلس: سيرمون ابنك في البئر، إذا لم يطبق فمه".
   ويتابع البعيني:
"وبما أن الشاعر الشاب الطالع من عنفوان الشباب والثورة، رفض أن يطبق فمه، لذلك كان الخيار الأخر الغربة وأوستراليا، التي تسللت إليها في إحدى ليالي شتاء 1971 بحثاً عن نافذة أطير منها صوب الحرية، التي كانت ولا تزال هاجسي".
   وتتواصل رحلة شربل بعيني من غربة الحرية في لبنان إلى غربة الحنين والانسان في أوستراليا، التي يصفها عند وصوله عام 1971 فيقول:
" الجالية صغيرة، الثقافة معدومة، والشعر مقتصر على بعض النظم وأبيات الزجل التي تلقى في الحفلات والسهرات، أما العاملون بالكتابة فمعظمهم لا يعرف أن تاء الفعل طويلة، والمفعول به ينصب إجمالاً". كما ذكر في مقالة له في شهر تموز "يوليو" 1971 إلى مجلة "الدبور" البيروتية، التي عمل بها من أوستراليا، فكانت نافذته نحو العالم الآخر ولبنان.
   ثم كان تأسيسه لشركة "صوت الأرز" لتسجيل الموسيقى العربية، ثم عمله في رئاسة تحرير مجلة "الطليعة" المهجرية الصادرة من سيدني، حتى إصدار مجموعته الشعرية الثالثة والأولى في أوستراليا، بعنوان "مجانين".
  يقول شربل بعيني:
"إنها كانت تعبيراً عن حركة احتجاج وغضب ترصد الحالات التي نشأت في أجوائها تفاصيل ومتاهات الحرب الأهلية اللبنانية العبثية البغيضة، وكان فيها تنبوء خاص مدلولاته ولادة (الوطن) الفلسطيني المعروف حالياً بخيار (غزة وأريحا) من رحم العذاب اللبناني خلال سنين الحرب".
   ونسأل شربل بعيني عن أجيال الشعر والتجديد والحداثة، فيجيب رافضاً إلباس الشعر غير ثوبه الحقيقي الذي هو الجمال، ويعلن التزامه بقضية الشعر، وموضوع الانسان، بمعزل عن الاسلوب واللغة والصفة الشعرية، التي يختارها حيناً عامية، وأحياناً فصحى، نثراً أو تفعيلة، بدليل أن أحب ثلاثة شعراء لديه هم: نزار قباني، وإيليا أبو شديد، وأنسي الحاج، وقد قال عنه الشاعر فؤاد نعمان الخوري: "إنه أول من عرف كيف يلتقط بحسّه الشعري إشارات التجديد الطالعة من بيروت، فيجدد ويطوّر و(يخربط) الأوزان.
    ويميّز الشاعر بعيني بين النقد الأدبي الذي يتناول الشاعر، والنقد الذي يتناول القصيدة، ويقول إن النقد الأدبي في أوستراليا يتناول بمعظمه الشاعر ولا يتناول القصيدة، ويعطي مثلاً بعض التوجّهات "النقديّة" الخاصة بقصيدته الجديدة "قرف"، التي تناول معظمها شربل بعيني ولـم يتناول القصيدة!..
   وينفي شربل بعيني عن جيل السبعينات الثقافي في أوستراليا تهمة الإنغلاق والتحجّر، ويعدّد مآخذه على "بعض" الجيل اللبناني المثقّف الذي هاجر من لبنان في أواسط الثمانينات حاملاً معه التجربة الثقافيّة المعاصرة إلى المغتربات، والذي، حسب تعبيره، لـم تنل منه الحركة الثقافيّة المهجريّة الناشئة في أستراليا سوى تجربة الإدعاء والتشاوف الثقافي، وعادة رمي الحجارة على البيوت والمؤسسات التي فتحت أبوابها عند بداية وصولهم إلى المهجر.
سوراقيا اللندنية ـ العدد 541 ـ 10/1/1994
**