رسائل نزار قباني لشربل بعيني

أحد أشهر الشعراء العرب
الرسالة الأولى
لندن 23/8/1993
الأخ العزيز الأستاذ شربل بعيني
أمين سر رابطة إحياء التراث العربي
أوستراليا
تحية طيبة،
وبعد، أسعدني أن أتلقى رسالتكم المؤرخة في 17 آب 1993، التي أعلمتموني بها أن لجنة انتقاء المرشحين لجائزة جبران العالمية التقديرية لعام 1993 قد اختارتني لنيل هذه الجائزة.
وأنا إذ أشكر لأعضاء اللجنة الكريمة، لفتتهم الجميلة والحضارية، يسعدني ويشرفني أن أقبل هذه الجائزة التي تحمل إسم واحد ممن أضاؤوا بعبقريتهم سماء الكون، وأعطوا الانسانية غذاء فكرياً لا يزال العالم يستنير به حتى اليوم.
ولما كانت حالتي الصحية لا تسمح لي بحضور الاحتفال الذي تقيمونه في 21/11/1993، فلسوف أبعث لكم بكلمة أرجو قراءتها بالنيابة عني خلال الاحتفال.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
نزار قباني
**
الرسالة الثانية
لندن 20 تشرين الأول (أكتوبر) 1993
الأخ الشاعر الأستاذ شربل بعيني
أمين السر ـ رابطة إحياء التراث العربي في أوستراليا
تحية طيبة،
وبعد، بالإشارة إلى رسالتكم الكريمة المرخة في 17 آب 1993، والتي تكرّمتم فيها بإعلامي عن اختياري لنيل جائزة جبران العالمية التقديرية.
أود أن أنقل إليكم والى السادة أعضاء اللجنة، عميق شكري، واعتزازي بالحصول على هذه الجائزة التي تحمل اسم واحد من أكبر مبدعينا وعباقرتنا.
ولما كانت حالتي الصحية، لا تسمح لي بالمشاركة في احتفالكم مساء الأحد 21/11/1993، فإنني أرفق لكم نصّ الكلمة التي أرجو أن تقرأوها بالنيابة عني.
ولكم مني عميق الحب، وخالص التقدير.
المخلص
نزار قباني
**
الرسالة الثالثة
لندن 1/12/1993
أخي الأستاذ شربل..
وصلني (صندوق العجائب) الذي تكرّمت بإرساله إليّ، وفيه براءة جائزة جبران التقديرية، والميدالية، والكأس، والمجلّة.
والحقيقة، أنك بهرتني بكل هذه الهدايا التي وصلتني من أستراليا.. وتذكّرت الزعيم جمال عبد الناصر.. في عبارته المشهورة: (إنتظرناهم من الشرق.. فجاؤوا من الغرب..)
والمبدعون العرب، ينتظرون أن يأتي تكريمهم من الصحراء.. ولكنه يأتي من جهة البحر..
فالبحر يعرف متى يطرح اللؤلؤ.. والمرجان.. والقصائد الزرقاء.
والبحر هو الذي نقل على أمواجه الحضارات من أثينا، وقرطاج، وصور.
والبحر، أخيراً، هو الذي يمنح بلا منّة، ويفيض دونما حساب.
سامحوني إذا لـم أستطع في هذه الرسالة القصيرة أن أردّ لكم بعض جميلكم، فكلمة رئيس رابطة إحياء التراث العربي الأستاذ فؤاد نمّور رائعة في شفافيتها وصدقها، وكلمة ريما الياس الطفوليّة كريستاليّة كدمعة، وقصيدتك الجميلة عنّي، هي تضوّي مثل الذهب، وعندما يكون الحب كبيراً فهو دائماً (يضوّي).. 
وأقول لأخي الشاعر نعيم خوري إن الجنيّات هنّ اللواتي لعبنَ بي.. (ولست أنا الذي بالجنّ قد لعبا..)
إن الرجل يظن نفسه لاعباً.. وهو في الحقيقة ملعوب به.
فشكراً أيّها الحبيب شربل، على سرّك الجميل..
وشكراً لكل الأحبّاء الذين شاركوا في الإحتفال بيوبيلي الذهبي.. راجياً اللـه أن يمنحني القوّة، لأبقى سيف هذه الأمّة، كما كنت وردتها"..
نزار قباني
**
إحدى رسائل نزار قبّاني لشربل بعيني

الرسالة الرابعة
لندن 31/1/1994
أخي الحبيب شربل..
أمطار حبّك وحبّ الأخوة والأخوات في أوستراليا، تساقطت عليّ كالأمطار.
ليلتي أمس كانت مع شريط الفيديو، الذي تكرّمت بإرساله، فشعرت وأنا في لندن الباردة، بنار المحبّة تدفئني، وبنهر من القبلات يغسلني، وشعرت أن لي أهلاً رائعين في سيدني، أستطيع أن أدخل بيوتهم في أي وقت، وأتناول طعام العشاء عندهم في أيّ وقت، وأنام عندهم في أيّ وقت..
هكذا يجعلك الشعر مزروعاً في فضاءات هذا العالـم، ويعطيك مفاتيح كل البيوت، ويجعلك نغمة في إيقاع الكون.
لا تهتم بالناحية التقنيّة للفيديو.. فأنا كنت مهتماً بفيديو القلب.. وبتلك العصافير التي كانت تطير على المسرح.. وهي تحتضن كتابي (قالت لي السمراء).. وتزقزق كما لـم تزقزق طيور الجنّة من قبل.
أما أنت، فقد قرأت كلمتي أحسن منّي، وكنت (بشبوبيتك) وأناقتك، ووسامتك.. نجم الحفلة..
لقد أعجبني جداً شريط الكاسيت الذي أعدّته السيّدة ماري ميسي للإذاعة الحكوميّة S.B.S.
كانت السيّدة ماري ميسي تتحدّث بلغة حلوة، وبهدوء وشاعريّة، وكان إخراج الشريط وتنوّعه ولقطاته بمنتهى الجمال. 
فأرجو أن تنقل إليها أطيب مشاعر الشكر والتقدير.
وأخيراً، أشكرك على قصيدتك الرقيقة جداً، والشفّافة جداً، والعاشقة جداً، التي كرّمتني بها، وأدّتها الغالية ريما الياس. فلها ولرفيقاتها العزيزات قبلات الشعر، وقبلاتي.
لقد كنتم جميعاً رائعين.. في حبّكم.. ورائعين في كلماتكم.. فسامحوني إن لـم أكن على مستوى حبّكم العظيـم"..
نزار قباني
**
الرسالة الخامسة
لندن 15 نوفمبر 1995
أخي الغالي شربل..
بريدك هذا الأسبوع يشبه شهر نيسان، أريجاً، وخصوبة، ورائحة طيّبة.
أفرحتني أوّلاً مجلّتك ليلى، لأن إصدار مجلّة عربيّة في أوستراليا عمل رائد وتأسيسي، ويبقي الجسور ممدودة بين المغتربين العرب، وبين لغتهم الأم، وتاريخهم، وتراثهم.
كما أسعدني أن ترسل لي نسخة من امتحانات اللغة العربيّة في أوستراليا. ما أسعد الشاعر حين يرى شعره يمرّ من قارة إلى قارة.. ويحمله التلاميذ في محافظهم المدرسيّة.
شكراً على إعادة نشر قصيدتي (المهرولون) في مجلّتك، والواقع أن هذه القصيدة اشتعلت كبيدر من القشّ في كل مكان.. وتحوّلت إلى منشورات سريّة تنتقل من يد إلى يد.. كما تهرّب حشيشة الكيف!!
وهذا دليل على أن الناس يبحثون في الشعر عن خلاصهم، ويعتبرونه مسيحهم المنتظر..
وحين تستطيع قصيدة أن تخضّ عظام الأمّة العربيّة ـ كما تقول في رسالتك ـ فهذا دليل على أن ضمير هذه الأمّة لا يزال سليماً ومعافى.. وجسدها لـم يتحوّل إلى كوم رماد..
المهم أن يبقى شعراؤنا واقفين على الخطوط الأمامية.. حتى لا يسقط الوطن تحت حوافر المغول.
أرجو لك ولزوجتك العزيزة مشواراً ظافراً على طريق الصحافة، مع أطيب تمنيّاتي لكما بالسعادة والنصر الكبير".
نزار قباني
**
الرسالة السادسة
لندن 5/12/1996
يا شربل الحبيب..
ما هذا الشريط الخرافيّ الذي بعثت به إليّ؟.. 
لقد دوّختني.
فعمّك الدكتور عصمت الأيّوبي يمطر من الشرق، وأنت تبرق.. وترعد.. من الغرب.. وأنا تحت أمطار حبّكما بلا مظلّة..
هل يمكن أن يأتي الربيع كلّه من أستراليا.. بلا موعد سابق؟
هل يمكن أن أنام ليلة كاملة على وسادة من الياسمين.. وأصحو على صوت العصافير.. وأغتسل بماء العشق؟..
إنني أعرف أبعاد حبّك النزاري، ونوبات جنونك الجميل، ولكنني لـم أكن أتصوّر أن عمّك دخل في الحزب.. أيضاً.. وصار يضارب عليك في الإيديولوجيا النزارية..
إن حديثه فاجأني برقّته، وحضارته، وثقافته، وجذوره الشعريّة، ومنطقه المتماسك.
أمّا أنت.. فقد كنت كديك القرية تمارس فحولتك على آخرها.. وتفقأ عين الدجاج الناقد.. وتنتف ريشه.. حتى سقط مضرّجاً بدم أحقاده..
الواقع إن القصّة كلّها سخيفة، وجاهلة، ومتخلّفة ثقافياً.. ولكن ماذا تفعل إذا كانت (ثقافة زيت الكاز) تحاول أن تشتري كلّ شيء.. بما في ذلك كبرياء أبي الطيّب المتنبي..
ولكن أبا الطيّب المتنبي.. لا يمكن أن يباع في السوبر ماركت.. ولا يمكن لكلماته أن تتحوّل إلى جوارٍ في سرير أمير المؤمنين..
فشكراً للدكتور عصمت على شهادته الثـمينة، وشكراً لك أيّها الديك الرائع الذي ملأ الدنيا، وخوّف قارة بأكملها بشجاعته وفتكه ومروءته".
أخوك 
نزار قباني
**