شربل بعيني والعزف على قيثارة الحب/ رولا موسى

درست أدب شربل بعيني في جامعة مكارثر
   
نستطيع القولَ، الآن، ان أستراليا، البلد المتعدّد الحضارات والثّقافات، تشهد تقدّماً ملموساً في ترجمة هذه الثّقافات على ساحتها. والجالية العربيّة واحدة من الجاليات الكبيرة، التي تتمتّع  بمكانة مرموقة في عالم الإقتصاد والإجتماع والثّقافة، وتغني المجتمع الأسـترالي بعطاءات خيّرة.
   كما أصبحنا نرى، اليومَ، في أستراليا جمعيّات وهيئات اجتماعيّة وثقافيّة تتعاون فيما بينها لِمَا فيه خير المغتربين واستقرارهم في بلد جديد.
   وبإمكاننا أن نعترف أيضاً، بوجود طاقات أدبيّة وثقافيّة عربيّة على السّاحة الأستراليّة، تتمثّل بشكل جماعات أو أفراد، وتعطي الأدب العربي بُعداً مميّزاً في عالـم الإغتراب، يذكّرنا بالجهود الأدبيّة القيّمة، الّتـي قدّمتـها جماهير المثقّفين المهاجرين القدمـاء في المغترب الأميـركي، وفـي طليعتهم "الرّابطة القلميّة" التي كان يرئسها الأديب جبران خليل جبران، يعاونه العديد من أصحابه الأدباء.
   ومن حسن حظّنا، أن في أستراليا عدداً لا يستهان به من الأدباء والشعراء والمثقّفين الذين صدرت لهم كتب ودواوين شعريّة كثيرة، ومن هؤلاء المشاهير الشّاعر شربل بعيني، الذي يعتبر بحقّ شاعر الغربة الطويلة. وقد أغنى المكتبة العربيّة بدواوين ومسرحيّات جمّة، تحفظ له الذّكر الحسن، والإسم المميّز مدى العمر.
   لقد ولد شربل بعيني في العاشر من شهر شباط سنة 1951، في قرية مجدليا ـ لبنان الشّمالي. تربّى على يديّ والديه سركيس وبَتْرُونِلَّه بعيني تربيةً وطنيّة صادقة. كما تلقّى علومه الثّانويّة في مدينة طرابلس.
   صدر له في لبنان ديوانان شعريّان هما: "مراهقة 1968" وقصائد مبعثرة عن لبنان والثّورة 1970"، ونشر العديد من القصائد والمقالات في الصّحف والمجلاّت اللبنانيّة.
   هاجر إلى أستراليا في الحادي والعشرين من شهر كانون الأول 1971، ومنذ وصوله إلى أستراليا وهو يحاول أن يساهم في إيجاد نهضة أدبيّة مهجريّة.
   إخترت لهذا الشّاعر ديوان "معزوفة حبّ"، وهو من الحجم الوسط، ويحتوي على 45 قصيدة. ومن خلال هذا الديوان سأحاول أن أنفذ إلى عالـم شربل بعيني الغني بالحب وبالنزعة الإنسانيّة إجمالاً:
... أوف منِّك أوف
يا مْواج جهلانِه
دمعاتها بتطوف
عَ صخور عطشانه
   في هذه الأبيات يصوّر شربل بعيني صورة حيّة للحرمان النّفسي، كي لا أقول الجسدي، الذي يعاني منه كل إنسان فارقه حبيبه... فالجهل ليس للأمواج، والعطش ليس للصخور، بل قُل إنها التورية المجازية لحالات إنسان قد يكون الشاعر بعينه:
... حاكيني لا تقسّي قلبِك
وحدي الْـ حامل راية حبِّك
وحدي الْـ عَم إكتُب أشعار
وإتقَلَّب عَ جمر النّار
وإتحفّى والشّوك بدربِك
   ألا يثبت هذا المقطع الشعري صحّة ما ذكرت سابِقاً، من أن الشاعر هو الذي يعاني من صدّ الحبيب وبعده المؤلـمين. فها هو يعلن أنّه "وحده"، لا شريك معه، يحمل راية حبّها، ويتقلّب على جمر النار:
بدّي حبّك مهما صار
غيرتهُن بتطفّي النّار
الْـ حرقت قلبي ليل نهار
وفكري الْـ عم بيناجيكي
   وهل أصعب من اعترافه بدوام حبّه لها، رغم صدّها الدائم له. بالطبع، إنه أصعب من احتراق قلبه وفكره معاً.. فيتمنّى سرقتها والعيش معها بسعادة:
يا ريت فيّي إسرقك يا ريت
وغمّض عيوني عَ السّعاده ونام
لكن " يا ريت " الْـ ما بتبني بيت
كيف بدها تحقّق الأحلام
   ولأنّ عبارة "يا ليت" لا تحقّق حلماً، ولا تعمّر بيتاً، على حدّ تعبير الفنـان الخالـد فريد الأطرش في إحدى أغانيه: "كلمة ياريت عمرها ما كانت تعمّر بيت"، نرى الشّاعر يلجأ إلى إحساسه المرهف، فينصب شاشة خياله، ويبدأ بتتبّع خطاها، ومعرفة كل شاردة وواردة عنها: بحسّ فيكي.. وين ما كنتي
وبتلمع قبالي
عَ شاشة خيالي
حبّات لولو من الهوا صنتي
   ولكي لا تتعجّب من تصرفاته الصبيانيّة هذه، ومن مطاراداته الدائمة لها، نراه يضرب على وتر الأنثى فيها، ويسمعها كلاماً ولا أجمل:
إنتي الدني..
وشو مفكره يعني الدني
بحر وسما ونتفة تراب؟!!
لأْ.. لأْ..
ضحكة شفاف،
رفّة جفن ،
شويّة دلع.. هيدي الدّني.
    ورغم كل الجفـاء، ورغم كلّ الصـدّ، نرى عنفوان الرجل لا يموت في شـربل بعيني، إذ أنه يبرّر ابتعادها عنه، بسبب تدخّل أصحاب القلوب السوداء، ودسّهم الفتنة بينه وبينها:   
تَرْكوني.. تَركوني إرجف
ما التفتوا صوبي، ولا قالوا شي كلمِه بيضا.
عينيهُن جلدتني بسوط الغيره العميا
ضربتني تا مات السّوط.. 
وبيّن عضمي،
وعضمي بيخجل يظهر حالو.
   وهؤلاء الّذين جلدوه بسوط الغيرة العمياء، وضربوه حتّى الموت. ألا يهزأ بهم وبغيرتهم؟!.. ألا يتمرّد على سوطهم ويقتله من شدّة التّعب؟!.. إنّه الحبّ، يعطي القوّة والتحدي لكلّ من يمتلكه، فكم بالحري إذا كان شاعراً.
   بعد أن سرّحت نظري في ديوان الشاعر بعيني، وشنّفت أذنيَّ من معزوفة حبّه، لا يسعني إلاّ أن أشكره على هذا الديوان الجميل، الذي صوّر الحبّ بحلاوته وروعته، بآلامه وآهاته.. فالشاعر يعطي الدواء الناجع لأولئك المرضى بالحبّ، بادئاً بنفسه التي لا تتسّع إلاّ للحبّ، ولا مكان للحقد فيها.
   أسلوبه واضح وضوح المشكلة، لا يعتمد على المعنى المبطّن إلا في حالات نادرة، وفيما عدا ذلك، نراه يتوجّه مباشرة من القلب إلى القلب.
   الشّيء الوحيد الّذي أتمنّاه على شاعر الغربة الطويلة، هو أن يلجأ إلى استعمال اللغة الفصحى في كلّ ما يكتبه من الآن وصاعداً، آخذاً في الإعتبار نسبة المتعلمين والمثقّفين في جاليتنا العربيّة، حيث لـم يعد هنالك اعتقاد بان معظم الجالية من الأمييّن الذين يرغبون في سماع اللغة العاميّة المحصورة في عداد اللبنانيين فقط، دون سواهم من أبناء الجالية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ـ بعيني، شربل ـ معزوفة حب، الطبعة الأولى، دار عصام حداد 1989.
ـ وهبه، ألبير ـ مقدّمة ديوان مجانين لشربل بعيني، ط3  1993.
ـ بو ملحم، جوزاف ـ مقدّمة معزوفة حبّ.
**