شربل بعيني والأدب المهجري/ زاهي الزيبق

إعلامي مهجري معروف من مدينة ملبورن

   الأدب المهجري في أستراليا، بكل فروعه النثرية والشعرية، يشكو في هذه الأيام من جمود مخيف، فالانتاج قليل، والعطاء بسيط، والأعمال الناجحة نادرة وغير متوفرة بالشكل المطلوب.
   وإذا كان فناء الأدب دليلاً على فناء الحياة نفسها، وإذا كانت الحياة فقيرة معدومة بدون أدب، نثرياً كان أم شعرياً، بالفصحى أم بالعامية، لا فرق، فإن الأدب الهجري بشكل عام جثة هامدة، بحاجة إلى من ينفخ فيها روح الحياة. وأدبنا في أستراليا، بالرغم من كثرة الأدباء والمتأدبين، يحتاج إلى من يعيد له اعتباره، ليذكرنا بليالي زمان، وبالأندية الفكرية في البرازيل والمكسيك وأميركا، وبالرابطات الأدبية والثقافية في أواخر القرن التاسع عشر، ومطلع القرن الحالي، والتي أسسها ورعاها المغتربون اللبنانيون في جميع أرجاء المعمورة.
   إن الأدب المهجري بحاجة إلى من يعطيه "دفشة إلى الأمام" بعد السكون والهدوء والتراخي. وقد لمست بعد اطلاعي على جزء يسير من انتاج الشاعر شربل بعيني إمكانية شعرية هائلة، وطاقة غزيرة في العطاء والموهبة، ستساهم، دون أدنى شك، برفع مستوى أدبنا المهجري.

يوم تكريم شربل بعيني: رفيق غنوم، د. خليل مصطفى، كارولين طاشمان، المطران يوسف حتي 
مفتي استراليا الشيخ تاج الدين
الهلالي، شربل بعيني، شوقي
مسلماني ونعيم خوري
 وفي ملبورن كما في سيدني، في "الغربة الطويلة" كما في "مجانين"، كحّل شربل بعيني عيوننا بصور فكرية شعرية رائعة، أعطتنا الأمل في تحقيق مستوى شعري يليق بالجالية، وشنّف آذاننا بأبيات هي عبارة عن حبّات قمح فوق بيادر الاغتراب والشعر الاغترابي.
   شربل بعيني ظاهرة فريدة في الأدب المهجري الأسترالي، فلا غرابة إذا تعددت الحلقات الدراسية حول انتاجه، وحول أشعاره، وحول قصائده، وعليه اليوم رسالة يجب أن يؤديها لرفع المستوى الأدبي والشعري في هذه الديار، بعدما طمس المتأدبون والمستشعرون سمات هذا الحقل الخلاّق.. وعليه وظيفة، ومن المحتّم عليه أن يقوم بأعباء هذه الوظيفة، ليجسّد آمال جاليتنا ومثلها الأعلى في الانتاج والعطاء.
   وإذا كان الشعر يستمد روحه من الشعب، ومن حياة الشعب والبيئة التي عاش فيها، وإذا كان الشعر يصوّر مشاكل المجتمع بصفة إنسانية أعطته روعته وجماله، وكتبت له الخلود.. وإذا كان الشعر مستمداً من الحياة، ومن الواقع بكل مفارقاته، فإننا نستطيع أن نقول عن شربل بعيني إنه شاعر الالتزام في المغتربات، وهو لا ينظر إلى الشعر نظرة الفن للفن، أو من خلال نظرية البرج العاجي.
   أما عن لغة شربل بعيني فحدّث بلا حرج، فهي واضحة وشيّقة، لا تكلّف فيها ولا تصنّع ولا لجوء الى زخرفة القول، بل هي مجرى ومنطلق لعاطفة جيّاشة تجسّد ذاتها بتعابير بليغة وألفاظ جميلة أنيقة، فيها من الرونق والجمال ما يكفي لتلوينها وتزيينها.
   وأما ثورته فهي ثورة الفراق، وثورة الغيرة، وثورة الحب الضائع، وسخره جزء من هذه الثورة، لذلك نراه يسخر من أولئك الذين يخافون الناس ولا يخافون الرب. إنها ثورة المواطن على الغريب الذي:
ولّع بقلب الدار 
حقد ونار
وخلاّ السما تسوّد بسمومو
وخلاّ بكذبو الجار يدبح جار
   إنها ثورة مظلوم خائف من ظلم أوسع:
من تم بحر كبير
أطفال عم يبلع
   ثورة على الطائفية البغيضة، وعلى الحرب الطويلة التي:
شرّدتنا بألف درب ودرب
   شربل بعيني شاعر يعرف ويعقل ويشعر وينفعل، يتحمّس فيرسل صيحة أو يصعّد زفرة، وهذه الصيحة جديرة بالدراسة والتحليل، وهذه الزفرة جديرة بالاهتمام والتقدير. إنه الشاعر الذي جمع الوحي والإبداع بقريحة لا تعرف الخدر، وبقيثارة ألحانها أحاسيس وجدانية، وأوتارها قصائد تسيل رقّة وعذوبة، وجرسها موسيقى تتغلغل في نفس السامع.
التلغراف، العدد 1526، 8/10/1986
**
الجزء الرابع
   صدر مؤخراً الجزء الرابع من سلسلة "شربل بعيني بأقلامهم" الذي كتبه وجمع صفحاته الاستاذ كلارك بعيني.
   ويحتوي الكتاب على مقدمة من ثلاث صفحات، وعلى رسالة شكر وتقدير من نائب منطقة لاكمبا السيّد ويز دافرون، ومقالات خاصة عن الشاعر شربل بعيني، كتبها رجال السياسة والدين والفكر والأدب والشعر، أمثال سعادة قنصل لبنان العام في فيكتوريا الأستاذ مصطفى مصطفى، والدكتور عصام حداد، والأديبة سوزان بعيني، والشاعرة الأسترالية آن فيربيرن، والشاعر جان رعد، ورئيس تحرير جريدة صدى لبنان الزميل جوزيف بو ملحم، وغيرهم من نخبة أهل القلم في هذا المقلع من الأرض وفي الوطن الأم.
   والشاعر شربل بعيني منذ نعومة أظافره يعشق الفن والشعر والأدب، ويخوض في ميادينه ومنابره بقريحة نادرة، وموهبة فائقة، فلا غرابة أن يستحوذ على اهتمام النقاد والأدباء والشعراء والصحافة ورجال الفكر، ولا غرابة أن نراه من أوائل المدعوين إلى أشهر المنابر الشعرية والأدبية، سواء في أستراليا أو في الخارج، لأنه استطاع، وبمجهود شخصي، أن يرفع من مستوى الأدب المهجري، ويسجل لأستراليا طول الباع في هذا المجال.
التلغراف، العدد 1911، 8 أيار 1989
**
الجزء الثاني
   صدر في سيدني الجزء الثاني من كتاب "شربل بعيني بأقلامهم" لمؤلفه الاستاذ كلارك بعيني.
   والكتاب يجمع المقالات والتعليقات والرسائل التي تناولت شاعر الاغتراب الشهير شربل بعيني وانتاجه واشعاره، سواء في الصحف المهجرية أم في صحافة الشرق الأوسط.
   ويتضمن الكتاب مقدّمة عامة، وكلمة خاصة من سعادة قنصل لبنان العام في فيكتوريا الاستاذ مصطفى مصطفى، وكلمة للأديبة سمر العطار حول الشاعر بعيني، وبعض المقالات التي كتبت في ملبورن وسيدني عن شربل بعيني ودواوينه.
التلغراف، العدد 1682، 21/10/1987
**
أمسية شربل بعيني في ملبورن
   دعا الأستاذ كلارك بعيني إلى أمسية شعرية مع الشاعر شربل بعيني، بمناسبة صدور كتابه الأول شربل بعيني بأقلامهم.
   ولقد لبّى العديد من أبناء الجالية هذه الدعوة، وفي مقدمتهم سيادة الراعي الصالح المونسنيور بولس الخوري، وممثلو الصحافة والإذاعة وبعض الفعاليات الإجتماعيّة والثقافيّة في ملبورن.
   الأمسية، وباعتراف كل من حضرها، كانت من أنجح الأمسيات الأدبيّة، فلقد بكى الحضور إثر سماعه الشاعر يصرخ:
بْخاطرِك.. عَم قُولْها وقلبي حزين
يا أرض دمع ودم سقيُوا ترابْها
يا نجمة الصبح.. وأمل المهاجرين
يا بيوت.. بزنودي رفعت عتابها
**
كرمال عينِك بس.. يا بلادي
زرعت بالغربه شعر وزهور
وضلّيت طول الوقت عم نادي:
يدوم عزِّك.. والقلب مقهور
**
يا أرزة بلادي هانوكي كْتير
ناس نصّابين.. ما عندن ضمير
رفعوا لواكي كذب قدّام البشر
ودبحوا طفالك غدر بِـ قلب السرير
   إلى ما هنالك من الأشعار الوطنيّة الرائعة، التي ألهبت حماس الجمهور على مدى الساعة والنصف تقريباً".
    وكان الأستاذ كلارك بعيني قد قدّم الشاعر الضيف بهذه الكلمة المعبّرة:
   لن أعرّفكم على شربل بعيني، لأنني لا أعتقد أن أحداً ما في هذه الصالة لـم يقرأ لشربل، أو لـم يسمع بالألقاب المختلفة التي وصفوه بها، فمن سيف الأدب المهجري، إلى شاعر المهجر الأوّل، إلى شاعر الغربة الطويلة، وغيرها الكثير. ولكن باعتقادي أن اللقب الوحيد الذي يليق به هو لقب الشاعر المكافح، فالشاعر والشعر توأمان، ولقد أحب شربل الشعر فكتبه منذ حداثة سنّه، وبالمقابل أحبّ الشعر شربلاً، فأتى إليه في صغره، ولقّب يومئذ بالشاعر الصغير.
   وبعد وصوله إلى أستراليا بأشهر فقط، بدأت مجلّة الدبّور اللبنانيّة بنقل انطباعات شربل عن هذه الديار، تحت عنوان (أستراليا الحوت ونحن النبي يونان)، ولـم يطل بي الوقت حتى وجدت نفسي لاحقاً به لأرى عن كثب كيف كان يعمل ليلاً ونهاراً، ويقسم وقته بين شاعر ملهم وبين عامل كادح يتلظّى على جمر الحياة.
   شبّهته بالعديد من المكافحين الذين سبقوه، وقدّموا للبشريّة خدمات عديدة. شبّهته بأديسون الذي لولا كفاحه المتواصل لما كان هناك ضوء، ولما سطع نور. ولو لـم يكافح شربل لما صمد طويلاً أمام مشقّة أعماله في النهار، وأرق جفنيه أثناء الليل، عندما تدق الأشعار أبواب مخيّلته بأيدٍ أثقلتها هموم الناس والوطن، ولكانت تلك الأشعار قد يئست وعادت إلى فضاء كونها الواسع، أو غطست في بحر الضياع.
   سيّداتي، سادتي..
   لست هنا لأخبركم عن كفاح شاعرنا في غربته الطويلة، بل لأقدّمه إليكم شخصيّاً، علّه يبلّ قلبوكم، ويرطّب نفوسكم بأشعار طالما تشوّقتم لسماعها. فشكراً لكم جميعاً، وشكراً لشربل لتحمّله مشقّات السفر من أجل إحياء هذه الأمسية الشعريّة".
 شربل بعيني شاعر رقيق وحسّاس، أثبت مرّة أخرى، وفي ملبورن بالذّات، أنه طاقة شعريّة فريدة، تجمع الموهبة والعطاء مع لوعة الفراق، وطول الغربة الحرّاقة، التي اكتوى بنارها ملاحم وقصائد ودواوين:
إنت وأنا الـ منخلّص الأجيال
من ظلم شتّتنا بْهالغربه
والهمّ فوق صدورنا أحمال
والنّار تاكل قلبك وقلبي.
التلغراف، 29 آب 1986
**