قرف شربل بعيني أم قرف البيرق؟/ اسماعيل رمضان

نشر مقاله في جريدة البيرق ـ سيدني ـ أستراليا
   غريبة أطوار الشعراء الشعراء، صيفهم شتاء وشتاؤهم صيف، والويل لمن لا يحمل مظلّته وهو برفقتهم!
   في أعدادها 668 و669 و670 نشرت "البيرق" قصيدة جديدة للشاعر الجريء شربل بعيني بعنوان "قرف".
   شرح كلماتها المهندس رفيق غنّوم باختصار يُشكر عليه، وبرّر موقف الشاعر، الذي لا داعي لتبريره في هذا الزمن المقرف حقّاً.
   شربل بعيني صادق، ولكن الأصدق منه هي جريدة "البيرق" وجوزيف خوري بالذات، لأنه كان وراء نشرها بهذا الشكل الرائع، الذي يجذب القارىء إلى متابعة القراءة.
   والحقيقة أن القرف من الأوضاع الآنية، يمتلك قلوب أسرة "البيرق"، قبل أن يمتلك قلب الشاعر، لأن الشاعر، كما قال المهندس رفيق غنّوم: " كتب، والبيرق نشرت وأوصلت ونجحت.. فألف مبروك".
   الدّارس لحالات النفس البشريّة، يعرف أن الشعراء هم أكثر الناس ذبذبة وتهيّجاً واستشفافاً للمستقبل، وتقمّصاً لحالات الشعوب. فإذا استكانت استكان، وإذا ثارت ثار.. وإلاّ فشعريّته مصطنعة وكاذبة. والظاهر أن الشعريّة عند شربل بعيني، تماشي حالات الشعوب وتجسّدها، كأروع ما يكون التجسيد، وخير دليل على ذلك قصيدته "قرف".
   غضب الشاعر هو غضب الأمّة، والأمّة التي لا يغضب شاعرها تبقى راقدة كأهل الكهف. فصدّقوني أن الكلمات التي استعان بها الشّاعر لصبّ جام غضبه على الحكّام والمرائين والثرثارين، تتثاءب بها أحناكنا يومياً.
   كل كلمة قالها صادقة، وكل صورة صوّرها رائعة، وكل بركان فجّره كان لخير النّاس لا لتدميرهم.
   شربل بعيني عرف كيف يصبّ الكلمات النابيّة بقالب رائع، صمّمه خصّيصاً لهذه الغاية، فهو يستدرج القارىء والسامع إلى ترديدها معه، بصوت أعلى من صوته، لأن الحالة النفسية التي يتركه بها الشاعر، تسيّره ولا تخيّره، وهنا تظهر عظمة الإقناع عند شربل، وقوّة السبك وجلوّ الحنكة الشعريّة.
   جوزيف خوري ـ البيرق، حين نشر "قرف" شربل بعيني، كان يعاني من حالة القرف ذاتها، وإلاّ لما تجرّأ على نشرها، لِما في نشرها من مضاعفات هو بغنى عنها.
   إذن، قرف شربل بعيني هو قرف "البيرق"، وقرف "البيرق" هو قرفنا جميعاً والعصر عصر احتجاج، والويل للمواطن الأخرس، فجزمات الحكّام لن تفارق عنقه، ونسلهم لن يرحم نسله، وثروتهم ستبتلع ثروته، وبئس من لا يتّعظ.
 البيرق، العدد 676، 13 تموز 1993.
**