كلمة رفيق حمّودة في يوم تكريم شربل بعيني

**
أعزائي قرّاء المناجاة
بعد اطلاعي المستفيض على ديوان شربل بعيني الأخير "مناجاة علي" تساءلت ملياً: لماذا لا يكرّم هذا الشاعر الانساني، الذي يبذر المحبة في القلوب أجمع؟!
ولم أكن أدري أن ما يجول في خاطري، قد اختمر في خواطر الكثيرين من أبناء الطائفة العلوية خاصة، والطوائف الأخرى عامة، الى أن تحقق الحلم، واصبح التكريم واقعاً مفرحاً ستعيشه الجالية مساء السابع من شهر تشرين الثاني 1992.
فما هو "مناجاة علي" ليحظى صاحبه بتكريم محبّيه؟
إنه ديوان جديد، عشت معه وقرأته أكثر من مرة، وكنت كلما طويت آخر صفحة منه، أقرّ بأن الدنيا ما زالت تنجب عباقرة في فن الكلمة.
و"مناجاة علي" صغير الحجم، إلا أنه كبير المفعول، يتضمّن مواضيع كثيرة متنوعة وشاملة في الأدب والفلسفة، انسكبت في قالب شعري جذاب، أي بما يسمى "السهل الممتنع". ولا عجب، ما دام هذا الكنز قد ظهر للوجود بانفعال، واقتناع من الشاعر، وبفعل من شخصية عبقري العباقرة الامام علي بن أبي طالب "ع".
لقد أسبغ الله على عباده عطايا ومزايا جليلة وعظيمة منها الشعر، تلك الموهبة التي خصّ بها الخالق بعض الناس، فمنهم من أبدع ودخل التاريخ من بابه الواسع، ومنهم من وظّف هذه المنّة الالهية لاغراض شخصية، فأسقطه التاريخ من حسابه وسجله.
ولا أحد يجهل مفعول الشعر، لأنه، كثيراً، ما يصلح الخلل النفسي والاجتماعي عند الانسان. والاستاذ شربل بعيني من القلائل الذين كتبوا الشعر لاصلاح ذلك الخلل بأسلوب تحليلي راقٍ، مما جعله يواجه ما يدور أمامه بوعي وإدراك المتفهّم للأمور، وبمقدوره توظيف هذه الطاقات لتحقيق ما يتمناه.
الملفت حقاً في "المناجاة" أن الاستاذ بعيني يتناول الموضوع من جذوره، ويعمل على فكّ رموزه وفق تسلسل منطقي وعقلاني واضح. لذا لا يستطيع انسان تفسير أو ترجمة العلاقة النفسية بين الشعر والشاعر، لانها علاقة خاصة ومميزة، يتجاذبها مد وجزر، فإما أن يتحابّا، ويتمخض عن هذا الحب شعر رائع، وإما أن يتخاصما، وهنا تكون الكارثة.
ومن البديهي أن علاقة الشاعر شربل بعيني بالشعر هي علاقة متينة ووطيدة، وإلا لما كان اتحفنا "بالمناجاة". صحيح أنه ليس الأول ولن يكون الأخير، بين الذين كتبوا أو سيكتبون عن شخصية الامام التي حيّرت العقول، وقد كانت حياته وأعماله مادة خصبة للمؤرخين والادباء والشعراء، فمنهم من أنصف، ومنهم من حاول "الغض" من مكانته ففشلوا فشلاً ذريعاً.
من الادباء والشعراء المنصفين الذين سجّل التاريخ اسماءهم بأحرف من نور: الفيلسوف بولس سلامة، والاديب الكبير جورج جرداق، الذي كتب عن الامام خمسة مجلدات :علي، صوت العدالة الانسانية"، وانني أعترف بأنني ما قرأت كتاباً نثرياً أروع منه، ولا شعراً يضاهي شعر بولس سلامة، أو شربل بعيني في "المناجاة".
نشكر الله، لأننا عشنا في زمن الأديب الكبير جورج جرداق، والشاعر المبدع شربل بعيني، اللذين أغنيا مكتباتنا، ومتّعا نفوسنا بكلماتهما الانسانية، فبوركت جهودهما، ووفقهما الله الى ما تصبو اليه تطلعاتهما.
مجلة "المناجاة" 1992
**