شربل يناجي علياً/ بدوي الحاج

أديب وإعلامي مهجري انتقل للعيش في لبنان
أن يكتب شربل بعيني الشعر فهذا ليس بجديد، اما أن يناجي الانبياء ويتغنّى بهم الى حد الذوبان في وجدانية الشعر، فيصبح الاثنان شخصاً واحداً، ذات تفكير واحد وعقلية واحدة، فهذا أمر جديد ومبهر في عالم الشعر الحديث:
كل شعوري بمزاميري
ومزاميري شعور الكل
يا علي المالك تفكيري
من تفكيري فيك تطلّ
ولو كان شاعرنا عاشر الامام ايام قيادته لما كان قدر أن يرسم هذه الصورة الوجدانية التي كان معها "نورس" شربل يتنقل من مكان الى آخر، من نبؤة الى أخرى، مفتّشاً وحاملاً معه كل الخصائل التي كان يتمتع بها علي، مفسراً وموضحاً معانيها، فكان ثورة لا تهدأ على الأديان ورجالاتها الذين تاجروا بالدين، وزرعوا الفتنة والكذبة في دم شعوبهم:
رجال الدين لـ عنّا جناس
بقولا، وقلتا، وبرجع عيد
زرعوا الفرقه بين الناس
ووعدوا الناس بعمر جديد
في "مناجاة علي" تخطى شربل الواقع الطائفي والمذهبي، فحطّم "جدار الطائفية" دون خوف، أو تردد، واضعاً الاديان في دين واحد على طريق المحبة في اتجاه الخالق:
دينك ديني، دين الحب
الحب اللي بيجمع أكوان
ما بيظلم مخلوق الربّ
اللي بيظلم هوّي الشيطان
وفي دعوة واضحة وجريئة طالب شربل بالعلمانية في التفكير، فدحض المذاهب المتفرقة، التي تبعد معتنقيها عن الجوهر الاصيل:
شو ما قالوا.. يقولوا عنّي
المذهب ما بيعمل تغيير
ماروني، شيعي أو سنّي
الاسم زغير.. وألله كبير
شربل بعيني الذي "دعك" الحياة وقاسى منها الكثير من "الكذب والنفاق"، رأى في أفكار الامام علي مثالاً أعلى لو احتذت به الشعوب لتخلّصت من عاهاتها السيئة، التي مسّت بالاجيال السابقة فتوفر على الاجيال القادمة معاناة الشر والحروب:
يا علي.. العالم مغرور
كذّاب، منافق، محتال
ساعدني اقضي ع شرور
تنفسّها عبر الأجيال
وفي المزمور الثاني عشر، يصل شاعرنا الى ذروة ثورته على المتاجرين بالأديان، فيصوّرهم بصورة تعكس خلفية تفكيرهم الرث، ومساهمتهم في قتال الشعوب فيما بينها، فبصب جام غضبه على كل كلمة ينطقون بها، ويدعو الى المحبة والتسامح اللذين دعا علي اليهما ليكونا قاعدة لكل مذهب وكل دين:
قرفنا، قرفنا من وعظات
بين حروفا حقد وويل
لازم نرجع للكلمات
لـ ضوّت "بمحبّتها" الليل
ولو لم يكتب شربل سوى مزموره الثاني عشر لكنّا اكتفينا بالابداع الوجداني، والثورة الشعرية، اللذين حملهما هذا المزمور بين طيّاته، فكان رسالة واضحة تعبّر عمّا تختلج به كل نفس:
قالولن: رح نغزي الارض
بإسمو، ونمحّي الالحاد
حرقوا الارض، وداسوا العرض
وهدموا البيت لـ فيه ولاد
ويعود الشاعر الى المحبّة واتحاد الاديان مهما تفرّقت وبعدت في مزموره الأخير بأسلوب مبدع، ولحن شاعري رائع وعفوي:
بحبّن كلّن كلّن كلّن
يهود نصارى واسلام
بحبّن كلّن كلّن كلّن
مهما تفرّقنا الايام
وتظل أشعار شربل مستوحاة من تعاليم علي ومبادئه، فيصبح مثالاً وزخماً شعرياً يلهم الشاعر ويلوّن أفكاره:
أشعاري.. ومضه من نورك
ما بتحرق.. بتنوّر كون
عطّرتا بريحة بخّورك
لوّنتا.. وارتاح اللون
حبّيت بأفكاري زورك
يا العايش هونيك وهون
ويبقى علي الامام المثقف الذي اشتهر بفنّ الخطابة، وبالحكمة في أقواله وأفعاله، ويبقى شربل الشاعر الأمين الباحث عن كلّ أنّة صدرت عن المناجى، ليرتفع بها الى ألوهية الشعر، فيناجيها ويصوّرها كما لم يصوّرها أحد من قبل.
هنيئاً لشربل بمناجاته، وهنيئاً للشعر العربي، والكلمة العربية بشاعرها.
"مناجاة علي" صرح جديد يدخل مملكة الشعر الحديث في المهجر.
البيرق 1992
**