شربل بعيني في يوبيله الفضي/ المطران يوسف حتي

"دعوا الأطفال يأتون إليّ"..
عبارة قالها السيّد المسيح، أردتها تاجاً لكلمتي هذه، لغاية سيكشفها لكم تسلسل كلامي!.
قبل مجيئي الى أستراليا، لم أكن قد سمعت باسم شربل بعيني. كنا، أنا وهو، نسير في طريقين متباعدين قد لا يلتقيان أبداً، إلا عند مفارق الغربة، عنيت بهما القانون الكنسي والشعر.
وفجأة التقيته، وأحببت شعره دون أن أقرأه.. ولكي لا ينتابكم التعجّب، سأخبركم ما حصل معي لدى وصولي الى أستراليا:
دعتني راهبات العائلة المقدسة المارونيات في هاريس بارك للاحتفال بعيد شفيعي القديس يوسف، وبعد القدّاس الالهي، دعونني للقاء أطفال مدرسة سيدة لبنان، في قاعة الكنيسة، ولم يدُر في خلدي أن احتفالاً غنائياً راقصاً قد أعدّ للمناسبة، ولكي لا أطيل الشرح، وتتلاعب بي الذكرى، أردد على مسامعكم كلماتٍ شنّفت، وقتئذ، سمع راعي أبرشية جديد، ومنحته الفرح في غربة لا ينقصها سوى الفرح:
يا سيّدنا وجودك هون
فرحه ما بيساعا الكون
مطران الحتّي إسمك
ملوّن بالتقوى رسمك
باركنا.. تا يفيض اللون
وناخد من إيديك العون
وفوق النجمه نتعلّى
وأهلا بقدومك أهلا
وصدقوني اذا قلت: ان هذه الكلمات العفوية البسيطة المتصاعدة من حناجر أطفال مدرسة سيدة لبنان تحمل صوراً شعرية رائعة لا يرسمها الا الشاعر الشاعر:
ملوّن بالتقوى رسمك
باركنا.. تا يفيض اللون
إنه مديح ينطوي على تهديد ما.. هكذا تخيّلته وأنا أستمع إليه.. وحسبت الأطفال يقولون لي: كن على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقك. كن أباً لنا، باركنا كل حين، وإلاّ، لن يفيض لون صورتك.
وكقانوني، بدأت بالتفتيش عن الفاعل، عن الذي كتب وعلّم وأوصل تلك الكلمات الى أذنيّ.. فإذا به الاستاذ شربل بعيني.
وقد يفاجأ البعض إذا قلت: إن شربل بعيني الشاعر، في يوبيله الفضي، لا يهمني، بقدر ما يهمني شربل بعيني المربي، واضع العديد من الكتب المدرسية، التي تبنتها الحكومة الاسترالية، وتناقلتها أيدي الطلبة العرب في المغتربات. مؤلفاته المدرسية هذه، سدت فراغاً تعليمياً هائلاً، بعد أن شحّت بسبب الحرب الكتب العربية المستوردة، وعجز البعض منها عن استمالة الطالب المغترب وترغيبه النطق بلغته الأم، لو لم يتدارك شربل بعيني الأمر، ويتفرّغ كلياً لاعداد كتب مدرسية حديثة قد لا يخلو صف أو مدرسة منها.
شيء آخر لفتني في رحلة شربل بعيني التربوية: اهتمامه بالمسرح. وكلنا يعلم ما للمسرح الطفولي من تأثير على سلوك الآباء قبل الأبناء، فالموعظة المسرحية تأتي موجعة، مؤنبة، خاصة إذا كان الواعظ طفلاً صغيراً، وكانت اللغة لغته الأم، وكان المتلقون لموعظته أهله وأفرباءه وأبناء شعبه.
شربل بعيني في مسرحه الطفولي أقرب ما يكون لابن المقفّع، هذا استعان بالأطفال، وذاك استنطق الحيوان، والاثنان معاً نجحا أيّما نجاح في تنقية المجتمع من فساد قد لا تتفاوت تأثيراته الانسانية والسياسية والاجتماعية بين زمن ابن المقفّع وزمننا هذا.
فإذا كان الأدب لا يستقيم بدون قارىء، والقارىء لا يستقيم بدون مدرسة، والمدرسة لا تستقيم بدون معلّم، وجب على هذا المعلّم أن يكون مثل شربل بعيني.
يوبيل شربل بعيني الفضي 1993
**