من أدب التعليقات: من وحي السماوي يحيى ج1/ عبد الستار نورعلي

أديب عربي
مقدمة
المنظومات اللاحقة هي تعليقاتٍ (ارتجالية) لي على قصائد لشاعرنا الكبير يحيى السماوي المنشورة على موقعي مركز النور والمثقف. فهي والحالة هذه مستوحاة من تأثير تلك النصوص الشعرية، بمعنى آخر هي من وحيها وإلهامها بعد إحداثها الأثر نحتاً في الذائقة والنفس ، فهي إذاً شيطان من شياطين وادي عبقر ألقى رحاله في الاحاسيس حين مخرَتْ عباب بحر القصائد تلك ليفجّر أمواج هذه المنظومات منْ مكامنها الحسية فتنطلق لتلقي رحالها على شاطئ النشر . لا فرق إنْ اسميناها (من أدب التعليقات) أو نصوصاً ابداعية أو شذراتٍ ارتجالية، فهي على كلّ حال منظومات تستحق أن تخرج الى فضاء أوسع من زواياها التي ركنت فيها، ولعل بعضها يتحول الى قصائد طويلة ذات يومٍ أو لحظةَ الهام ووحي. وكم من منظومة قصيرة تعليقاً تحوّلت الى نصوص كاملة الإهاب باسقةِ القباب حلوة الثياب. فجدير بالمبدعين أن يسجلوا ما يكتبون من شذرات تعليقية ويحفظونها لأنها في لحظة كتابتها هي إبداع روحي وعاطفي ونقدي وتحليل لنصوص من حقّ كتابها أن يعرضوها على الملأ خشية أن تضيع، وهذا ما اشار اليه الناقد الكبير الدكتور حسين سرمك في تعليقه على موضوعة الشاعر يحيى السماوي المسماة (اطلالة على كتاب ادب التعليقات) والمنشورة على موقع النور الألكتروني بتاريخ 28/9/2010 والذي رابطه أدناه:
http://www.alnoor.se/article.asp?id=91249
حيث أشار (لقد كتبت عشرات المرات في الصحف والمواقع الألكترونية أدعو المبدعين العراقيين جميعا إلى توثيق كل شيء وعدم التردد في الحصول على براءة اختراعه ). وقد سبق لنا في تعليق ماضٍ أن قلنا لشاعرنا الكبير بأنّه لو كان فينا بقية من صحة أو كنا في عمر أصغر لجمعنا تعليقاته في مؤلف ونشرناها باسم (ثمرات السماوي يحيى) على غرار كتاب (ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي) وكانت اشارة منا اليه بأن يوثقها في كتاب، لما فيها من الكثير من الطرف والنكت الأدبية والتاريخية والحكايات الطريفة وسواها من ألوان الأدب ، ولما تتضمنه من خصائص ادبية وفنية راقية رقي كاتبها وهو ما ذكره أيضاً غيرنا من الأساتذة الأفاضل من المبدعين في تعليقاتهم أو اتصالاتهم بالشاعر .
إنّ التعليقات التي تحمل في طياتها جوانب ابداعية بمفهومها الفني الأدبي هي بلا شك تراث المبدع لحظة كتابتها وتمرّ وقد تُنسى فتضيع إنْ لم يحفظها صاحبها . ولا نقصد هنا التعليقات العامة التي فيها مجاملات او نقد أو تجريح . وحتى المجاملات فيها الكثير من المُبدَع الفني الأدبي اسلوباً ولغةً وبلاغةً ومشاعر. رغم أن البعض يرفض لغة المجاملات والألقاب والمسميات في التعليقات ويعتبرها من باب التعظيم والتفخيم ويقدح فيها ويعتبرها ثرثرة مثلما يعتبر غيرها من الكثير من التعليقات. 
لقد سبق لي قبل أكثر من شهر أن بدأت بجمع هذه المنظومات بعد قرار اتخذته بهذا الشأن منذ زمن، فبدأت النظر فيها وادخال تعديلات طفيفة لغةً وتعبيراً على بعض الأبيات بحسب مقتضى الحال والضرورة ورؤيتي فيها. وقد قدّمت لها موجزاً مشيراً الى التعليقات في المواقع الألكترونية وامكانية تسميتها بأدب التعليقات تأسيساً على كتاب الشاعر التونسي الكبير شعراً وخلقاً كمال العيادي الذي جمع تعليقاته على قصائد الشاعر اللبناني شربل بعيني ونشرها في كتابه الموسوم (شربل بعيني الملك الأبيض)، والذي أشير اليه أولاً في موقع دروب الذي يشرف على قسمها الأدبي الشاعر كمال العيادي نفسه وتحت عنوان:
)سبق تاريخي لكمال العيادي ودروب: أوّل كتاب ورقيّ يؤسّس لأدب التعليقات( :
http://www.doroob.com/?p=46627
بمعنى أنّ الكتاب الورقي هذا يؤسس لهذا النوع الأدبي ، ولم يقولوا أن الشاعر كمال العيادي هو رائدها، لأن التعليقات في المواقع الألكترونية تمتد الى سنوات عديدة وهناك الآلاف من النصوص التعليقية قبل العيادي وغيره والكثير منها ابداعية بامتياز. وهنا أشير الى تعليقات الأديب المغربي المقيم في اسبانيا عبد الحق طوع فهي دُرَر من الابداع الأدبي الرفيع والراقي اسلوباً ومضموناً ومعنىً وفلسفةً روحية تنبعث من روح مبدع كبير حقاً. وربما في مناسبة قادمة أنقل للقراء الكرام نماذج من هذه التعليقات الرائعة المذهلة.
والحقّ أقول أنني ترددتُ فأحجمت عن نشر منظوماتي هذه التي جمعتها خشية القول أنه تقليد لغيري مثلما نقول في المثل العراقي وسيردده البعض لغرض في نفسه (على حسّ الطبل خفنْ يارجليه). لكنني بعد نشر موحي المنظومات وملهمها شاعرنا الكبير يحيى السماوي لمقالته عن هذا اللون من الأدب والإشارة فيها الى كتاب الشاعر كمال العيادي المذكور ذكرت له في تعليقي إحجامي عن نشر هذه المنظومات وللسبب الذي ذكرتُه فأشار عليّ أنْ لا أتردد في نشرها. اضافة الى أني وجدتُ أنّ من حقّه هو أيضاً أنْ ترى هذه المنظومات النور فهو جزء مكمّل فيها إن لم يكن هو الكلّ. فبفضله وُلدتْ ومنْ حقّه أنْ يراها تجري في الهواء، ولربما تتحول يوماً الى مطولات. مَنْ يدري ؟!! وكذلك شجّعني على نشرها قول الناقد الدكتور حسين سرمك المذكور أعلاه.
وهنا أود المرور ثانية على ما يمكن تسميته بأدب التعليقات، ففي رأيي الشخصي أنّ التعليقات على النصوص الأدبية الابداعية أو غيرها من فنون الكتابة هي من ايحاءات وتأثيرات تلك النصوص ومن استلهاماتها وما أحدثته من تأثير في نفس المعلّق وذائقته ، وكذا في التعليقات على التعليقات أيضاً،، وبذا تصبح جزءاً متمماً لبعضها البعض دون انفصال، ولا يمكن فهمها واستيعابها دون سياقها الذي كُتبتْ فيه. فارتباطها ببعضها عضوي لا انفصام فيه ومكمل للمضمون والمعنى وحتى الشكل، فتكون ناقصة الفهم وربما غير مفهومة حين تُفصل عن بعضها فرادى. والاستثناء الوحيد كما أرى هي التعليقات التي ترتدي رداء النصوص الابداعية ، كأن تكون قطعةً منظومة أو نثرية ، ففي هذه الحالة تُعدّ ابداعاً مُستلهَماً من وحي النص المُعلَّق عليه. فهل يجوز هنا اعتبارها من أدب التعليقات فيما لو أُقرّ هذا اللون فناً أدبياً جديداً كما يدعو البعض ، وإنْ كانت له جذور تراثية؟
لأنني كما ذكرت أرى التعليقات جزءً من جسد النص المُعلّق عليه وتكملةً له رأياً نقدياً سلباً كان أم أيجاباً ، أو تنبيهاً الى خلل أو سهو أو غلط ، أو توضيحاً كان أم إضافة. فالقارئ حين يقرأ التعليق منفصلاً عن المُعلّق عليه سيكون بعيداً عن الأجواء التي خلقت التعليق والدوافع التي كانت وراءه، اللهم إلا اذا كان التعليق نصاً ابداعياً كما أسلفتُ. وبناءً على ذلك فإني أعتبر منظوماتي هذه نصوصاً مستوحاة ومُستلهَمة من أجواء قصائد شاعرنا الكبير ولذا أفضّل أنْ أسميها (مُستلهمات) ومن وحي السماوي يحيى، وتُسمى ربما بلغة الأدب والشعر من شعر النقائض بمفهومها الفني. والله من وراء القصد.
والمنظومات التالية جزء من تلك المُستلهَمات وستلحقها تباعاً الأخريات.
ـ 1 ـ
توّجْتَ قافيتي ، أنا المُحتارُ            وبشدو حرفكَ مُنتَشٍ فأغارُ
هذا صباحٌ لا شبيهَ لريحِهِ          ملأ الرويُّ كؤوسَهُ ، فتُدارُ
خمراً معتقةً وليس كمثلها              ما صبّهُ باخوسُ ، والأشعارُ
بلّغْتَ بالضادِ المنارَ فما الذي              من بعـدِ ضوئكَ تنثرُ الأقمـارُ؟
عيدان هذا اليومَ في وجداننا              عيدُ الأضاحي، والقصيدُ هزارُ
فازرعْ بكلِّ رقيقةٍ منظومةٍ               هذا الفؤادَ ، بـذارُهُ النـوّارُ
* مستلهمة من قصيدته المهداة لي (قلبي كصحراء السماوة صبره) على موقع النور بتاريخ 28/11/2009 
ـ 2 ـ
هل بعدَ هذا الشعرِ منْ كاسِ          نحسو بها منْ وَدقِ إحساسِ ؟
مُلئتْ جوانبُهُ.. بمُقطَتَـفٍ             منْ عطرِ أعطافٍ وأنفاسِ
أخجلتَ ربَّ الشعرِ منْ ألقٍ        رصّعتَ جيدَ الحرفِ بالماسِ
* مستلهمة من قصيدته (عذراً نديم النبض) على موقع (المثقف) الأحد 15 /11/2009
ـ 3 ـ
ما بعد ما تقولُ مـنْ قولِ    أقرنْتَ قولَ الحرفِ بالفعلِ
نحنُ الذينَ ندورُ في فلكٍ     منْ حولِ نبعِكَ لذةِ النهلِ
نرنو الى أصداءِ قادمـةٍ     فنخوضُ وَعْرَ الصعبِ والسهلِ
حتى لقاءِ الروحِ عامدةً     بجميلِ عطفكَ زاهرِ الفضلِ
* مستلهمة منْ تعليقه على قصيدتي المهداة اليه (ياأيها الفرد المحلّق في المدى) على موقع المثقف الأحد 15/11/2009 
ـ 4 ـ
ابنَ السماوةِ، قد حلّتْ بوادينا      سيلُ الجرادِ أباليساً شياطينا
قلنا الطغاةُ وقد ولّوا على صِغَرٍ ،       وريثُهمْ دقّ في الأوطانِ إسفينا
وأختُ هارونَ راحتْ في تصارعهمْ       على الكراسي تذوقُ النارَ والطينا
كانَ البغاةُ سـيوفاً في خواصرنا         واليومَ مظلومُ أمسٍ صارَ سِكينا
بالأمس تشكو لنا بغدادُ لوعتَها          ماذا دهاهم فزادوا البلةَ الطينا؟
نظلُّ نشكو احتراقاً في مرابعها        عبرَ القرونِ .. ودمـعٌ في مآقينا
شكواكَ من سنواتِ القهرِ صارخةٌ          ولا تزالُ … وتبقى … حرقـةً فينـا
* مستلهمة من قصيدته (با أخت هارون) على موقع النور بتاريخ
 31/7/2010 ـ 
الأربعاء 29/9/2010
**