شاعر فعّال وليس بالمنفعل/ وديع فرج

اعلامي مهجري أشرف عام 1987 على جريدة صوت المغترب

تصفّحت ذلك الديوان، وقلّبت صفحاته، واحدة تلو الأخرى، قارئاً ومستفسراً: كيف أينعت السنابل؟
فإذا أردت أن تتساءل ايضاً أيها القارىء فما عليك إلا الغوص قليلاً في مقدمة الدكتورة سمر العطار، لتخبرك عن ذلك المهاجر اللبناني الشاب، الذي يغادر حضن امه، ويغادر قريته الوادعة في حضن الجبال الشماء، ويغادر الوطن أيضاً، من مطار بيروت، بعد أن يضطر لخلع حذائه القديم، وارتداء حذاء جديد قبل أن يدخل باب الطائرة، وفي ذهنه الكثير من الأسئلة، والكثير من الغضب أيضاً.
لماذا نرحل تاركين جذورنا وأيامنا، لنبذل الجهد، وننفق الشباب في وطن آخر، كأن الأوطان الأخرى أحق من وطننا الأم بتعبنا، بجهدنا، وبعمرنا أيضاً؟
الأسباب كثيرة، ولكل مهاجر أسباب أودت به الى الرحيل.
شربل بعيني مع أسيمة التويجري أمام أسد بابل في العراق
والشاعر شربل بعيني لم يستطع أن "يسد بوزه" كما أخبره خوري القرية، لكي يعيش بأمان وارتياح، لأن الأمان بالنسبة له لم يكن أمان الفرد، ولم يكن الصمت والسكوت، بل كان ينشد الأمان للمجتمع والوطن والناس جميعاً، لذلك "فتح بوزه" صارخاً في وجه المظالم والتخلف، مطالباً بيوم جديد لشعب جديد، ولوطن جديد ايضاً، ولكنهم لا يسمحون، لذلك يرحل الشاعر، ويرحل الآخرون ايضاً.
وفي عالم الاغتراب يعاني الانسان، الشاعر أكثر من سواه، لأن الذي لم يستطع أن يسكت هناك، لا يمكنه أن يسكت هنا، خاصة وان مجال الكلمة أوسع، ومساحة الحرية أكبر، فتمضي السنون، والايام تعاني المخاض في غربتها، فتتمخّض عن قصائد، ودواوين، ومقالات تذكّر المهاجرين بالوطن الام، وعذابات الانسان هناك، والحروي والاقتتال والتخلف والطائفية.
وشربل الشاعر الذي كتب وما زال يكتب، هو شاعر فعّال وليس بالمنفعل، فيقول:
الحزن أعطاني اندفاعاً وصموداً واباء
علمني أن الشعوب الحرة لم تعرف البكاء
لا يستسلم، ولا يلين أمام ظروف الغربة القاهرة، وأمام العواصف التي تريد أن تقتلع الوطن من جذوره، ولكنها لا تستطيع وهو يحسها ويدركها ويصرخ:
قسماً بأمتي وحقّها الثمين
لن ألين.. لن ألين
ويعلن عن مذهب جديد ملائم ومناسب لكل أبناء الوطن على مختلف فئاته:
والمذهبُ..
لبنان عندي المذهبُ
ويدرك أبعاد الفتنة الطائفية فيعلن:
ومئذنة يعانقها
هياماً صوت أجراسك
لا أستطيع هنا أن أفي الديوان حقه، لذلك أكتفي بالقول ان القصائد يانعة، والسنابل يانعة.
ننتظر الحصاد ومناجل الحصادين.
صوت المغترب، العدد 937، 21/5/1087
**