مواهب شربل بعيني الثائر/ د. نزار دندش

أديب وناقد مهجري

   من عادتي ان لا استعمل أفعال التفضيل جزافاً، لكنني أعتبر أنه من اللؤم أن لا تعطي الأمور ما تستحق من اوصافها وخاصة إذا كانت تتعلّق بنشاط مئات من فتية على قدر من الموهبة والتدريب، وبصدق اعترف أن ساعتين من مساء الثامن عشر من شهر حزيران قضيتهما مشدوداً حتى الانسجام الى مسرحية ناضجة أبطالها أطفال، قد غيّرتا في نظرتي الى واقع جالية كبيرة، وأدخلتا الى قلبي الكثير من الأمل، وكيف لا يتفاءل من يرى البراعم التي ولدت في أستراليا تخرج الى المسرح بثقة محترفيه، وتتكلّم العربية بلغة مفهومة ومعبّرة؟
   وكيف لا تتولد بنا الثقة بمستقبل مقبول لبعض الفن في المهجر؟
   ومن قال ان اجيالنا لا تجيد التنظيم سيغيّر الكثير من فلسفته عندما يرى تلامذة "سيدة لبنان" ينتظمون بالعشرات في مشهد واحد يحفظون ادوارهم عن ظهر قلب ويدعمون الكلام بالحركات المناسبة فيضحكون عندما يراد من وراء الضحك تهكماً على عادة نابية، ويبدو عليهم التأثّر فارضين على المشاهد وجوماً عندما يتعرضون لمسألة مؤثرة. ومهما قلنا فيهم لن نستطيع نقل صورة كافية للقارىء الذي فاتته فرصة المشاهدة، لكن بعض التعجب يزول واللغز لا يعود لغزاً عندما نعرف ان الساهرات على التنشئة راهبات قديسات في قلوبهن يسوعهن يهديهن وينير ضمائرهن دون انقطاع.
   ولم تكن مسرحية "يا عيب الشوم" شكلاً وأبطالاً فحسب بل كانت تعبيراً وأفكاراً لم تترك ظاهرة اجتماعية الا وتناولتها بالنقد والتشريح، والمشاهد المعجب بالابطال الاطفال يجد نفسه امام موهبة جديدة من مواهب الاستاذ شربل بعيني الثائر على كل شيء في المجتمعين اللبناني والاسترالي. لقد نشر في مسرحية مدرسية واحدة غسيل السياسيين ورجال الاعمال والادباء والشعراء وحملة العادات المختلفة والعصبيات القبلية، ولم يسلم من نقده الا رجال الدين، وربما كان السبب تربوياً يتعلّق بفريق التمثيل.
   بصدق أقول انني اعجبت بشربل بعيني كاتباً مسرحياً وآمل منه ان يكتب للمسرح اكثر، فهو يكتب بصدق، وحبّذا لو يكتب لغير الاطفال أيضاً، لانه في ذلك قد يخرج من دائرة النقد الخالص الى وصف الدواء للامراض التي يتناولها، وربما زادت التجربة من امكاناته في عالم المسرح، وتكشفت امامه مخارج لا يدركها الناقد العادي، فالافكار تصل الى القارىء بعدة اساليب فبعض الدواء تتناوله مع كوب ماء وبعضه الاخر مع فنجان حليب.
   وبصراحة أقول ان اخواتنا الراهبات يقدمن مشكورات للجالية وللبنان اكثر مما يقدم اصحاب الملايين من هذه الجالية مجتمعين.
   وعن مسرحية "يا عيب الشوم" اقول انها الفرحة ـ المفاجأة، ولم يخفف من اعجابي بها كوني شاهدتها واقفاً مدة ساعتين لعدم توفر مقعد لي.
البيرق، العدد 676، 13 تموز 1993
**