اليوبيل الفضي لشربل بعيني/ نجوى عاصي

صاحبة كتاب: الوهج الإنساني
في مناجاة شربل بعيني
فازت بجائزة شربل بعيني
   خمسة وعشرون عاماً من العطاء.
   خمسة وعشروت عاماً، سنة بعد سنة، وشهراً بعد شهر، ويوماً بعد يوم، يكتب، ينفعل، لنتفاعل معه. يروي لنا قصصاً وحكايات منا وإلينا.
   تصادق شربل بعيني مع أحرف الهجاء، ليهجو بها ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وسلطها سيفاً على رقاب الظالمين.
   استبدل حبر قلمه بدم شرايينه، وجعل بين الكلمة والكلمة مسافة أقصر مما نتصوّر.
   فتح أعيننا، وفجّر بشعره الوعي داخل انفسنا. 
   نادانا إلى المحبّة، لنسير معه إلى نافذة النور.
   يوم الثامن عشر من كانون الأول 1993، سترفل الكلمة بثوبها الأبيض المرصّع بألف لون ولون، المزنر بآلاف النقط اللامعة بوميض المحبة. وستخطو الملكة بيننا بدلالها وكبريائها، باسمة، مبتهجة، ومرحّبة بمحبي الأدب.
   في مهرجان الفضّة، سوف يحلو الاستماع، وسترقص الأحرف القمرية والشمسية، وتغني الأفعال الماضية والحاضرة، مترنمة بأحلام المستقبل، وستطير كان وأخواتها مرفرفة بأجنحتها تشدو مغردة بلحن الحياة.
   في يوبيله الفضي، كلنا مدعوون، وكجالية عربية نعتز ونفتخر بالقدرات الأدبية الخلاقة، ونحيي أصحاب الأقلام الحرة، المنتجين، المعبرين عن آمالنا وأحلام غربتنا، ونعتز بكتابنا وأدبائنا وشعرائنا.
   نعتز ونفتخر بالطيبين والخيرين اللاطائفيين، الذين سخروا أقلامهم وجهدهم وأموالهم في خدمة الحرف من أجل الإنسان.
   فإلى اللقاء في السابعة والنصف من مساء الثامن عشر من كانون الأول 1993، في قاعة بلدية غرانفيل تاون هول ـ غرتنفيل.
البيرق، العدد 739، 9/12/1993
**
مسرحية ضيعة الأشباح
   ليلة الجمعة الماضية اسعدتني الظروف لمشاهدة مسرحية "ضيعة الأشباح"، تأليف واخراج الاستاذ شربل بعيني، وتمثيل عدد يربو على الثلاثمئة تلميذ من مدرسة سيدة لبنان.
   تبادر الى ذهني وانا ذاهبة لحضور العرض انني ساضحك طويلا لتصرفات الاطفال البريئة الفطرية، وحين وصولي رأيت الديكور الرائع الذي صممته الفنانة المبدعة رندى عبد الاحد، وعند اول لوحة رأتها عيناي جعلتني اثبت بمقعدي وحواسي كلها مشدودة، فلقد كانت معالجة القصة رائعة، فهي تتحدث عن المصيبة الكبرى، مصيبة لبنان في حربه التي حاكها ابالسة السياسة، وتم تفجيرها، ومع هذا التفجير تفجرت الحضارة ةالمدنية، وصودرت الحريات وحقوق الانسان، في أن يعيش بكرامة، خاصة وقد اختلط دمه بدم أخيه على اختلاف مذاهبهم.
  ثم أعطتنا الدرس الخالد أن الذين استشهدوا يوم السادس من أيار لم يكونوا من طائفة واحدة، وان الحل دائماً ينبع من الشعب نفسه.
   كذلك تروي لنا قصة الاستاذ شربل حقيقة الحرب اللبنانية الاساسية التي قد تناساها الشعب اللبناني، وتعلق بوهم من صنع خياله، ألا وهو "الأشباح"، وبالتالي، فقد حولوا الساسة الشعب عن حقيقة ما يجري من صراعات سياسية إلى أوهام الطائفية.
   وقد جاء على لسان أحد جملة رائعة هي: "إذا قتلنا باشا بيطلع ألف باشا". العلة بالشعب، وان علينا أن ننصاع للمصلحة العامة، إذا كنا نحب الوطن حقاً.
   وكانت صورة الهلال والصليب رائعة، لأنها تدعو لنبذ الطائفية، وكان هذا بلوحة ضرب "الشبح" بالهلال والصليب من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، أي بالاتحاد بين الطوائف، وكما علمنا من سياق القصة ان الوطن كالسفينة إذا غرق غرق معه كل شيء.
   رخاؤنا ورخاء وطننا لا يعود إى عندما تعود نوايانا التي تخالف ما نظهره من أعمال.
   عندما يفتقد الانسان لغة الحوار والتفاهم، وتتحول اللغة إلى قتل ودم ودمار، تموت كل القيم والمثل، ويسود الفناء والموت. فهل يوجد حل؟
   نعم، قدّمت لنا المسرحية الحل الذي يوقف الحرب، فالانسان اللبناني بحاجة إلى لغة حوار عصرية توقف حمام الدم، وتضع حداً للحرب الرهيبة، باعتبار أن لغة الحوار العصرية هي ابنة الحضارة البشرية، وان طريق الخير مخالف لطريق الشر، إذ أن طريق الشر يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من النزف البشري، بينما طريق الخير فيضع حداً للصراعات، ويحقن الدماء، ويكون بداية الطريق للبناء والهدوء والعيش بلا خوف.
   هذا ما قدمته لنا القصة باختصار، وكنت بين الحين والآخر أجول بعينيّ لعلها تقع على شخص واحد من مهتمي المسرح، إن كان ممثلاً أو مخرجاً، أو ناقداً، ولكن للأسف الشديد لم أجد. كنت أتمنى أن يكونوا هناك ليتعلموا من هؤلاء الأحبة الصغار الاداء الطبيعي، والالتزام بالنص، واحترام المسرح. كانوا يقدمون أدوارهم ببراءة الطفولة العذبة، وبشخصياتهم الحقيقية، دون رتوش أو تمثيل. لذلك وجب عليّ أن أعترف بأنني تعلمت منهم الكثير، وكنت آمل من ممثلينا الكبار أن يشاهدوا ويتعلموا، أم أن العلم على كبر عيب، ولا يجب أن ننزل لمستوى هؤلاء الأطفال؟.
   إنني أنحني احتراماً لهؤلاء الملائكة الصغار الذين استفدت من تجربة مشاهدتهم، ولأن الإهتمام بالمسرح شبه متلاشٍ، أو لنقل انه معدوم. ولأن المسرح المدرسي بالذات غير موجود، والتمسّك باللغة العربيّة أصبح عيباً عند البعض. ولأن الفنانين الكبار شغلوا أنفسهم بالقضايا والمنازعات الوهميّة، خرج من بيننا رجل شهر سيفه، واخترق الصفوف، وحمل لواء الفن المسرحي ولغة العلم، ذلك هو شربل بعيني.
   فألف تحية لك يا شربل، وإننا ندعوك، بل ونحمّلك مسؤولية عدم كتابة النصوص المسرحية للكبار، التي نحن بأشد الحاجة إليها، فأنت مسؤول ما دمت قادراً على إعطائنا النصوص المسرحية. وإلى اللقاء في مسرحية أخرى، وإن لم أجد مكاناً سأقف مع الواقفين.
   والجدير بالذكر ان المسرحية عرضت بمناسبة اليوبيل الفضّي للأخت الرئيسة كونستانس الباشا والاخت مادلين بو رجيلي بعد تكريمهما من قبل الكنيسة الكاثوليكية في بلاكتاون، في الخامس والعشرين من شهر حزيران المنصرم، فألف تهنئة لأخواتنا الراهبات ومدرستنا العامرة.
البيرق ـ العدد 221 ـ 6/7/1990
**
 مبروك لأمير الشعر شربل بعيني
 فات رئيس تحرير مجلة "أميرة" الغراء الزميل شوقي مسلماني أن يستمزجني في موضوع الجائزة التي حاز عليها الشاعر شربل بعيني من السادة في أميركا الشمالية، وأنا أولى أن أبدي رأيي في شربل شعراً وقلباً.. ولذلك أبادر بنفسي للقول إن شربل بعيني هو أكثر من يستحق جائزة الإمارة في أستراليا، ولا أطلق هذا الكلام جزافاً لكني أدعو الجميع لقراءة شعره.
ألف مبروك يا شربل الإمارة.
مجلة أميرة، العدد 14، آذار 2001
**
مناجاة علي: جديد شربل بعيني
   لقد تابعت باهتمام ما نشرته جريدة التلغراف تحت عنوان "مناجاة علي" للاستاذ شربل بعيني.
   وأستطيع أن أقول وبكل ثقة إن الاستاذ بعيني أحدث ثورة شعرية، ليس لأنه اختار شخصية عظيمة كشخصية الامام عي "ع"، وبالتالي فالكتابة عن هذه الشخصية التاريخية ليست بالأمر السهل، بل لأنه اختار اللهجة العامية بأسلوب حديث ومبتكر، وفي رأيي ان الشاعر بعيني وفّق تماماً، بل مجح نجاحاً باهراً.
   أعتقد ان اختيار الاستاذ بعيني للشخصية جاء عن ثقة وإعجاب وإيمان بما نادى به الامام "ع"، منذ أربعة عشر قرناً، وكافح من أجله، فالجميع يعرف ان الامام "ع" قاتل واستشهد في سبيل العدالة الانسانية.
   فلا بدّ ان الاستاذ بعيني عندما ألقى نظرته الحزينة الى المجتمع وما آل إليه، وعلاقة هذا المجتمع بالانسان، أيقن أن المجتمع لو نظر إلى علوم وفكر الامام علي "ع" التي استمدها بدوره من القرآن، وتعلّمها من الرسول "ص". فلقد أدرك الإمام علي "ع" وهو باب مدينة العلم ان متاعب الانسان أسبابها الأولية اقتصادية واجتماعية، فوضع أثناء ولايته نظاماً لحماية الانسان ثم علاقته بالمجتمع، كذلك في السياسة والعلوم، والتربية والكيمياء والحقوق واللغة والبلاغة، فما ترك شيئاً إلا ونظمه. وكانت كل هذه الخصائص مدروسة كل على حدة، ثم ربطت ببعضها لتشكل دستوراً بالغ الأهمية. وليس المقصود هنا الحديث عن فكر وعلم الامام    علي بن أبي طالب "ع"، لأنه أكثر من أن يحصى، فمن أراد الاطلاع على المزيد فعليه أن يرجع إلى المصادر وهي كثيرة.
   نعود الى "المناجاة": في يقيني ان الشاعر الذي يخلو شعره من النبضات الانسانية يجعلنا نحس وكأنه يقف خلف ظل نفسه. أما مع شربل فقد تغيّرت المقاييس واتخذت منحى جديداً للشعر العامي، ولا أغالي إن قلت انه مبتكر، وسوف تحمل لنا الايام القادمة شعراء يتجهون في نفس الطريق الذي بدأه الاستاذ شربل، وبأسلوبه هذا الذي حمل كثيراً من الكلمات المبتكرة أمثال: حقنوا الكذبه بشرايي ـ كتبك غيم ـ تسلّحت بنكران الذات ـ صوتي فحّم ـ لوّنتا وارتاح اللون ـ  والكثير الكثير مما حفلت به أشعاره. ومن خلال هذا الابتكار أطلق الاستاذ بعيني دعوته للانسان ليؤدي دوره في قضاياه المعاصرة. ان ما طرحه الشاعر من قضايا مصيرية من خلال شعره الذي صاغه بكل جوارحه وشعوره لجدير بالدراسة والاهتمام، وهي مادة دسمة لمن أراد أن يتعرّف إلى الشعر الحديث المبتكر وما يحويه من براعة وشمولية بين الماضي والحاضر مما يشعرنا بصدق الوقائع والمشاعر عند الاستاذ شربل. وبهذا فقد تجاوز شربل الخط التقليدي في الشعر العامي وهي ميزة جديدة يضيفها الشاعر الى مزاياه الشعرية، فلم يسبق أن طرح شاعر باللهجة اللبنانية العامية وباسلوب غاية في الشفافية والدقة وبمثل هذا العمق كما فعل الاستاذ بعيني.
   ان الفكرة التي اراد الاستاذ ايصالها الى القارىء هي علاقة الانسان بالانسان وما يجب أن تكون عليه في المجتمع الواحد، بغض النظر إذا كان كان هذا الانسان أو ذاك على معرفة أو صلة بالآخر، وكأن الاستاذ بعيني يتمنى أن يكون التعامل بين ألفراد بالمحبة، وأن العلاقة إنسانية بحتة.
   كانت "مناجاة" الشاعر تحمل بين سطورها المعاناة والقلق والظلم، كما لم يخلُ شعره أيضاً من الفلسفة العميقة.
   وهكذا فقد أحاطت الشمولية والابداع بشعر الاستاذ شربل بعيني، فهذه المواقف الفكرية الأصيلة عند الشاعر لهي عميقة الجذور في نفسه، لا بل ساهمت هذه المواقف في وجدانه ومشاعره.
   اننا امام منطق يحرص صاحبه أن يقول كلمة الحق مهما كانت النتائج، لأنها صادرة من قلبه ووجدانه بإبداع ورهافة حسّ.
   اذن فالكلمة التي تصدر من القلب تملأ الدنيا بعطر يبقى في مسام الجلد أبداً.
التلغراف، العدد 2352، 2/9/1991
**
لقاء مع الشاعر شربل بعيني
ـ مسرحية "طلّوا المغتربين" تعالج المشاكل الطبقية بين المقيم والمغترب.
ـ النص شيء مقدس ومن يتلاعب به يجب محاكمته.
حاورته الفنانة نجوى عاصي
 مسرح الكبار الى الوراء، ومسرح الطفل في تقدّم مستمر. هل يتغلّب مسرح الصغار على مسرح الكبار؟ وهل بدأ مسرح الأطفال في تثبيت قواعده؟
   منذ سنوات دأب الفنان شربل بعيني، وهذا لقب جديد ألقّبه به، على تقديم نص مسرحي كل عام للطفل.. لماذا الاهتمام بمسرح الطفل؟ هل للحفاظ على التراث؟ أم للحفاظ على اللغة العربية في المغترب؟ أم ماذا؟
   أسئلة حملتها (أميرة) ليجيب عليها الفنان شربل بعيني. وكان هذا اللقاء:
ـ قرأنا في مجلّة (أميرة) أن مسرحية "طلّوا المغتربين" ستطل علينا في الثالث من هذا الشهر (حزيران) فهل لك أن تخبرنا عنها؟
ـ "طلوا المغتربين" مسرحية اجتماعية فكاهية غنائية راقصة، تعالج المشاكل الطبقية بين المقيم والمغترب.. إذ ان المقيم ينظر الى المغترب، في معظم الأحيان، نظرة ابتزاز ليس إلا.. بينما المغترب العائد الى وطنه فلا شيء يعجبه على الاطلاق.. واعترف انني في المشوارين اللذين قمت بهما الى لبنان السنة الماضية، حاولت ان استنطق معظم الذين التقيتهم، لأسرق منهم حوار المسرحية، فلقد تأففت كثيراً، وانتقدت الحالة الاجتماعية بقرف ظاهر، وكنت في نفس الوقت اسمع اجابات أخبث من تأففي واعمق من انتقاداتي.
ـ هذا يعني ان المسرحية اخذت من افواه الناس؟
ـ بالطبع.. وعندما تشاهدينها ستقولين في سرّك: لقد قلت أنا، في يوم من الأيام، مثل هذا الكلام.
ـ اعتقد ان مدرسة سيدة لبنان هي المدرسة الوحيدة التي أنتجت مسرحيات عديدة للأطفال، أذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر: فصول من الحرب اللبنانية، ألو أستراليا، الطربوش، ضيعة الاشباح، هنود من لبنان، المدرسة، يا عيب الشوم، شارع اللبنانيين وجارنا أبوردجيني وغيرها وغيرها.. فلماذا يا استاذ شربل؟
ـ لأن المسرح يعلّم الطفل كيفية النطق بلغته الأم.. إذ ان معظم الطلاب المولودين في أستراليا يجدون صعوبة في التحدث بلغتهم الأم، فما النفع إذن من تعليمهم القراءة والكتابة باللغة العربية ولسانهم مربوط عند التكلّم بها؟ هنا يأتي دور المسرح في تنمية مواهبهم وصقلها، وزرع المفردات العربية العاميّة بدون تلكلّف على ألسنتهم الطرية.. وصدّقيني، وأنت الممثلة القديرة، أن لا شيء كالتمثيل يفك عقد ألسنتهم في بلد كل ما فيه انكليزي اللغة والتربية والعادات.. هذا من جهة، أما من الجهة الثانية، فراهبات العائلة المقدسة المارونيات في معهد سيدة لبنان، وعلى رأسهن الأخت الرئيسة ايرين بو غصن، يشجّعن كثيراً المسرح الطفولي في معهدهن، ويعتبرنه مهرجاناً اغترابياً بكل ما للكلمة من معنى.. وصدقيني ان فضل هؤلاء الراهبات على اجيالنا الصاعدة سيدوّن بالذهب على صفحة اغترابنا في استراليا، فألف شكر لهنّ.
ـ كم عدد الأطفال الذين سيشاركون في هذه المسرحية؟
ـ لا أدري بالتحديد، ولكنهم أكثر من 200 طالب وطالبة. وفي بعض المسرحيات التي عرضناها سابقاً تخطّى عددهم الـ 600، كمسرحية "الطربوش" مثلاً، اذ ان مشهد المظاهرات أجبرنا على الاستعانة بتلامذة جميع الصفوف الابتدائية في المعهد. واعتقد انك شاهدت المسرحية وعاينت هذا الكم الهائل من الأطفال.
ـ لقد شاهدت معظم مسرحياتكم وكتبت عنها، وطالبت الكبار بالتعلم من الصغار الذين أجادوا أدوارهم حدّ التقمّص.
ـ أشكرك على تشجيعك الدائم لأطفالنا.
ـ أراك في معظم مسرحياتك توجّه النقد اللاذع للجالية اللبنانية.. أين باقي الجاليات؟
ـ أولاً: لأن معظم مشاهدي مسرحياتي من أبناء الجالية اللبنانية، لذلك أوجّه لهم النقد البنّاء بقلب محب، وهم يتقبلونه من أطفالهم بابتسامات عريضة.
ثانياً: يقولون ان الأديب مرآة مجتمعه، وها أنا أغرف من المرآة ما أراه بحاجة الى نقد وانتقده، كي تتجمّل صورتنا امام اعين الآخرين، واعتقد ان من الأفضل ألف مرة أن ننتقد بعضنا البعض ونقوّم اعوجاجنا من أن ينتقدنا الآخرون.
   في مسرحية "يا عيب الشوم" انتقدت طاولة الشرف والمستميتين للجلوس عليها، واعتبرها أكبر عار لنا، لدرجة انني دفعت بأحد الممثلين الصغار ليبول عليها امام اعين المشاهدين، وقد تقبّل الجمهور المشهد بضحكات عالية وتصفيق شديد.
   كما انتقدت في مسرحية "شارع اللبنانيين" مهربي المخدرات، وعرّيت في مسرحية "ضيعة الاشباح" جميع الطائفيين المتلاعبين بأعصاب الناس، وكشفت عورة جميع العنصريين في مسرحية "جارنا أبوردجيني"، وبعد كل هذا ألا يحق لي انتقاد جاليتي الحبيبة وتوجيه اللوم لها قبل أن يتهمها أحد من (خارجها) بالانحراف، كما حصل لها في الآونة الأخيرة مع مفوّض الشرطة بيتر راين؟.
ـ لماذا لا تكتب لمسرح الكبار؟
ـ ومن هم الكبار في نظرك؟ إذا كنت تقصدين المشهورين منهم، فالشهرة في هذه البلاد مضحكة للغاية، كما انها لا تعنيني ابداً.. أما اذا كنت تقصدين الكبار في السن، فاسمحي لي أن أقول ان التعامل مع الصغار أفضل وأجمل وأريح. هم يسمعون توجيهاتك بعقل منفتح، ويعملون بها دون جدال، ودون منافسة وثرثرات فارغة. أما الكبار فيلزمهم الانضباط، والترفع عن الصغائر، واحترام الممثل الآخر، وعدم التلاعب بالنص.. فالنص شيء مقدّس، ومن يتلاعب به يجب أن يحاكم.. و(الكبار) يتلاعبون بالنص بتفاهة مقرفة تجعلك تتقيئين، خاصة اذا عاودت الكرة وحضرت المسرحية ذاتها مرة ثانية، فلسوف تجدين نفسك أمام نص آخر لمسرحية واحدة بسبب خروج بعض الممثلين (الكبار) عن النص.. ناهيك عن تعرّض المؤلف للمحاكمة اذا تلفظّ أحد الممثلين بكلمات من عنده، قد تسيء، من حيث لا يدري، للأديان السماوية، أو لبعض الأشخاص أو التجمعات في المجتمع.
   نص المسرحية يكون مدروساً قبل عرضه، أي أنه خالٍ من الشوائب القانونية، فلماذا نشتري البهدلة لأنفسنا؟.
  أنا شخصياً أجد نفسي مع الصغار، مع البراءة، مع الانضباط الكامل ومع النجاح المتواصل.
ـ أين نقدك للأهل الذين لا يشجعون أطفالهم على النطق باللغة العربية؟
ـ لقد عالجت هذه المشكلة في معظم مسرحياتي، واعلمي ان سبب عرض هذه المسرحيات هو تأنيب غير مباشر للأهل المتنكرين للغتهم الأم. أنا لا أنكر أن هناك مشكلة تواجه الاطفال اللبنانيين المولودين من أمهات أجنبيات، ولكننا في مدرستنا، وبتشجيع دائم من رئيستنا الأخت ايرين بو غصن، نحاول أن نزرع حروف اللغة العربية على ثغور هؤلاء الصغار.
ـ هل يفهم الأطفال الممثلون مضمون المسرحية، وما تنطوي عليه من انتقادات؟
ـ أكيد.. وإلا لما تمكنوا من التمثيل، ومن توصيل النقد للجمهور، وصدقيني ان الطفل لا يتفوّه بعبارة لا يفهم معناها، انه يسأل كثيراً ويستفسر كثيراً.. ولهذا ينجح.
ـ هل من كلمة أخيرة تحب أن توجهها لأبناء الجالية؟
ـ أحب أن ادعوهم لمشاهدة مسرحية "طلوا المغتربين" كي يعيشوا اجمل لحظات العمر مع فلذات أكبادهم الذين لا تتجاوز أعمارهم  الثانية عشرة، وأعدهم بأن هؤلاء الصغار سيبيضون الوجه وسيرفعون الرأس.
   كما أحب أن أشكرك آنسة نجوى، وأشكر أسرة مجلة "أميرة"، وخاصة الصديقين محمد وشوقي المسلماني، على هذا اللقاء الشيق، وأدعو "لأميرة" بطول العمر.. وفقكم الله.
مجلة أميرة ـ العدد 5 ـ حزيران 2000
**
مسرحية "يا عيب الشوم" صغارها عمالقة
      ليلة الجمعة، 18 حزيران 1993، عرضت على مسرح سيدة لبنان مسرحية بعنوان "يا عيب الشوم".
   عندما تصبح كلمات "يا عيب الشوم" عنواناً لمسرحية، يصبح الإسم مثيراً، ويشدك لمعرفته ومشاهدته، ولست أدري لماذا استهواني الاسم، رغم أننا نردده في اليوم عشرات المرّات، ولكن أن يصبح عنواناً لعمل مسرحي، فهذا هو الطريف والجديد.
   كان لزاماً علي ان أحضر قبل السابعة والنصف، لأنني تعوّدت من مدرسة سيّدة لبنان أن تفتح الستارة في الوقت المعلن عنه دون تأخير، رغم أنهم، هذه المرة، تأخّروا دقيقتين، خلافاً لعادتهم. المهم ان الحضور كان كبيراً يفوق الألف شخص، كان هناك الاعلام المقروء، وفعاليات ورجال فكر، ورجال دين ودنيا، ومن مختلف الطبقات، وغاب الاعلام المسموع، وطبعاً وكالعادة الفنانون المسرحيون. 
   المسرحية من تأليف واخراج الشاعر شربل بعيني، الذي دمج هذه المرة عدة قصص بعضها ببعض، كل قصة منها تمثّل نموذجاً اجتماعياً، وكل فقرة تصلح لأن تكون مسرحية بحد ذاتها، واعتقد ان الاستاذ بعيني اراد أن يعطي صورة اجتماعية عن كل قصة دارت في المسرحية، دون التوسّع فيها، فاشتملت تلك المواضيع على التفكك العائلي، وهو الموضوع الرئيسي في المسرحية، وان هذا التفكك لا بد ان ينتج عنه الانحراف من سرقة ومخدرات إلخ..
   ويشدد الاستاذ بعيني على تماسك الاسرة والتربية الصحيحة التي هي أساس المجتمع السليم، والحل الوحيد لبقاء الأطفال بعيداً عن الانحراف. اما هؤلاء الاطفال المدهشون بتمثيلهم، الذين جرّدوا الكبار من أقنعتهم، وحاسبوهم واتهموهم وضحكوا منهم، خاصة فيما عرضوه من مساوىء اجتماعية، كطاولات الشرف والحفلات وما يحدث فيها.
   هؤلاء الصغار الذين ألقوا حواراتهم اللاذعة، التي وخزت ضمائرهم بلطف ومودة وصراحة وبلا احراج.. كم كانوا كباراً بتمثيلهم لواقعنا ومجتمعنا ومحاكمتنا كمسؤولين عن تربيتهم، ولا ننسى الفنانة والمطربة والممثلة ريما الياس التي نضجت كثيراً، فأجادت دورها واتقنته لدرجة الاقناع.
   الجميع كانوا في غاية الاجادة والروعة.. الديكور بسيط وفخم في آن معاً، نسّقته يد الفنانة ماريان بعيني التي أضفت من فنّها وذوقها الرفيع، فأتى الديكور متمماً للموضوع مما جعلني أحس وكأنني أسكن احدى ناطحات سحابها.
   اضافة الى كلمات الأغاني المعبّرة والموسيقى الجميلة التي أضفت سحراً خاصاً على الحوار، الى جانب الرقصات الرشيقة الحلوة.
   أخيراً، أتقدم من ادارة مدرسة سيدة لبنان، ومن هيئة التدريس، وخاصة الأخوات الراهبات، بالتهاني على هذا العمل الفني الراقي، وبالشكر الجزيل لأنهن يقدّمن ما بوسعهن لتربية النشء الجديد.. صانعي المستقبل. ولأن العمل المسرحي يعود بالنفع على أولادنا من حيث النطق بالعربية بطريقة سهلة وبسيطة، كذلك تعودهم على معايشة الواقع الذي يعيشونه بحلاوته ومرارته، وان الانحراف مكروه ومحتقر، فيكرهونه ويبتعدون عنه، وان صاحب الاخلاق الحميدة هو المحترم والمحبوب من الجميع، بعد ذلك هم الذين سيحاسبون الأهل ان أخطأوا، ثم انهم يكتسبون حب العمل الجماعي، فيبدعون في فن المشاركة، ومن يبدع لا ينحرف، وهذه هي التربية.
   والى اللقاء في مسرحية أخرى لأحبائنا الصغار.
البيرق ـ العدد 674 ـ 8 تموز 1993
**