مشرفة على موقع دموع لبنان
نشر موقع (دموع لبنان) الذي تشرف عليه الشاعرة الهام ناصر مختارات من ديوان قصائد ريفية للشاعر شربل بعيني، فراح القراء يعلقون عليها، ومن بين التعليقات التي وردت نختار هذا التعليق الرائع:
"قصص ريفيّة" لمحات تأتيك بريئة كرنة نواقيس دير منسيّ ملتصق بالجبل أو كأذان يتدفق مع الفجر فتستفيق الأنفس لأيام أجمل... أيّام طالما ألفناها ثمّ فقدناها...
"قصص ريفيّة" عالم يتشكل من هنا وهناك فلديك النجوم و القمر و لديك التراب و الماء و النار و الشجر و لديك أمّ في زاوية و وجوه خبيثة في الأخرى المقابلة و بينهما يجوب "الشاعر" الحقول أو بين الشرفات الواطئة...
"قصص ريفيّة" فرصة لك أن تنظر بحجم العالم و أن تتأمّل بحجم دمعة... هي فسحة للوجود القديم يأتيك نضرا في ثوب جديد... وما همّنا إن راح الرّومنطيقيوّن؟ وما همّنا إن هجم علينا العصر بمفارقاته و تشعّباته؟
إنّها القصيدة و كفى فلا فلسفة في الجمال و لا تنظير و لا نقاش... إنّها ببساطة "قصص ريفيّ"...
الفاضل "شربل بعيني" صوت مختلف جدّا ، مخصوص جدّا... أكاد أقوله استثناءا.
كلّ الحب...
شربل بعيني في (إلهي جديد عليكم) ساحر
جميل هذا النصّ في مستويات مختلفة: له جمال ظاهر و جمال خفيّ. جمال ظاهر سهل الوصول إليه مهما كان مستوى القارئ متدنّيا...
المتقارب حاضر بشكل غريب ربّما يراه البعض ضعفا وربّما يراه البعض الآخر قوّة... كثيرا ما تتصادف تفعيلة المتقارب مع الوحدة اللغويّة حتّى لكأنّ (فعولن) تكاد تقفز أمام البصر قفزا وهذا يلائم من يفتقد إلى أذن سمّيعة.
والنصّ مغرق في الذّاتيّة في ظاهره و الذّاتية مطلب المبتدئين الّذين يحلمون في عاطفتهم الرومنسيّة الشّابة بنصّ يمسك بمشاعرهم و ينثرها أمام الآخرين علّهم يتفهّمون فورة الرّوح واعتلاجها.
وللقصيدة بعد ذلك جمال عميق يحتاج إلى إعمال المعول في "بُناه التّحتيّة" لتستخرج الغريب والمدهش ...
كاتب النصّ ساحر: يعلن من البداية بالجملة الفعليّة الطلبيّة عن انتهاء حدث الكتابة فإذا به إعلان كاذب وإذا بالقصيدة تنطلق .
فعل الأمر هو طلب القيام بالفعل، وهذا يعني أنّ النصّ يستغرق الزمن الفاصل بين الأمر وتحققه... لهذا فأنت وأنت تقرأ تكون واعيا دون أن تشعر بأنّ هذا هو آخر نص يكتُبه اليراع فإذا بك منصرف إليه دون أن تدري...
واجب علينا أن نستمع إلى كلّ قلم يحتضر... وواجب أيضا أن نولي كلامه / وصيته الأخيرة ما يستلزمه المقام من تحليل و محاولة فهم...
ينطلق النصّ مغرقا في الذّاتية، إذ هو يخاطب الجزء (القلم) باعتباره مجاز علاقته الآليّة يرتبط بالنفس الّتي تتعرّى من خلاله.. وإذا به بنتهي إلى خطاب للجمع (ألستم تحبّون ...؟) بل وإنّه الجمع الّذي يتشكّل على سفوح بحث عن "الله"..
استخدام اسم "الله" في مركّب إضافي المضاف إليه فيه ياء الملكيّة يرمي بنا ضمن دائرة من اللاوثوقيّة... فالله لا يكون إلاّ للجمع فإذا ابتكر الشاعر لنفسه إلها فإنّه يزعزع آلهة الآخرين ويجعلهم يبحثون عن إله آخر يكون فوق الرّيبة والشكّ ...
ربّما إله حقيقيّ يكون بمثابة نقطة الالتقاء بين جميع الأديان ، جميع الطّوائف ( للفكر اللبناني بل والشّامي إجمالا تميّز في التطرّق إلى الايمانيّات ربّما لتعدّد الديانات والطوائف).
حركة أخرى لاحظتها تنساق ضمن الاتجاه العام للنص هذا الاتجاه المراوغ هو أنّ شربل بعيني يعلن ارتحال خيالاته فإذا به في الحقيقة ينغمس داخل الجماعة لا بوصفها خيالات بل ملموسات واقعيّة ربّما تلك التي عاشها لبنان ويعيشها في خضمّ التنازع بين مسلمين سنة و شيعة و مسيحيين...
هل أنّي أسقط على النصّ وأحمّله وزر واقع ربّما... لكنّ الّذي دفعني إلى ذلك هو وضوح الصّور ممّا يجعلها قريبة إلى الأفهام فلكأنّ الشّاعر يتوجّه
إلى العموم برسالة ما وليس هو في محرابه يمارس "لذّة التفكير.
"قضيّة أخرى كنت أروم التعريج عليها لست أذكرها... المهمّ أنّ ما يثيرني في النصّ هو ...تذكّرت... الرحيل هو الّذي قاد إلى هذا الاله (الفرديّ) أي إلى منتهى حالات التشرذم ... لكأنّ شربل بعيني يستدلّ بهذا على حقيقة قوامها أنّ مفهوم اللّه غير قادر على التّوحيد بل ربّما هو عامل تفرقة و تباعد حينها يكتسب المكان قيمته كرابط يشدّ النّسيج البشري داخل الوحدة الترابيّة فلا شيعة ولا سنّة ولا مسيح إنّما لبنان فقط ولا غير لبنان...
قوميّ صاحبنا؟ أيّا كان... نصّه متين وفكره يعجبني كما يعجبك.
دموع.
كلّ الحبّ...