ديوان شربل بعيني هو شعر حقاً/ د. عبد اللطيف اليونس

اديب وشاعر ونائب سوري
   أحب شعر الزجل، وأحفظ بعضه وأرويه، لكنّي، وأعترف، لست من مؤيّديه، والأصحّ من مؤيّدي نشره بكتب، لينوب عن الفصحى، ويحلّ محلّها.
وقد تكون هذه المحاولات عند بعضهم بريئة، ولكنّها عند البعض الآخر ليست كذلك.
وسعيد عقل أعلن، ويعلن باستمرار، أن رسالته في الحياة، هي أن تحلّ العاميّة محلّ الفصحى في لبنان.
ولو لـم يكن للبنان رسالته العربية والأدبيّة الخالدة خلود الدهر، لكانت صيحة سعيد عقل قد لاقت صداها الإيجابي عند بعض اللبنانيين.
ولكن الواقع اللبناني، والروح القومي الرفيع في لبنان، هما أسمى من أن يؤثّر عليهما داعٍ للإنعزاليّة، وعامل لها، ومستميت في سبيلها.
وتلطّف أديبنا الكبير الأستاذ نعمان حرب، وأهداني ديوان شعر للشاعر شربل بعيني، وعنوانه مناجاة علي، وحينما بدأت بقراءته، نسيت نفسي ووقتي، واندفعت به حتّى أتمتته.
الشعر هو وليد الشعور، وهو ليس وقفاً على قافية ووزن، بل إن له منطلقه في أي رحاب وأي مجال.
وديوان الشاعر بعيني هو شعر حقاً، بصرف النظر عن لونه باللغة العاميّة، وليست الفصحى.
ولا أحب أن أعود لتكرار ما قلته عن معارضتي الكتابة بغير الفصحى، ولكنّي أحب أن أؤكد بأن أي شعر فصيح لا يمكن أن يسمو على شعور هذا الشاعر باللغة العاميّة.
أفكار متتابعة، وصور متسلسلة، وتعبير عن المشاعر: رقيق عذب حلو.
الإمام علي بن أبي طالب دنيا من المكرمات والطيبة والبلاغة، التي لـم يعرف التاريخ العربي مثيلاً لها، لا قبل ولا بعد، كما يعترف بذلك كافة المستشرقين، وسائر المنصفين.
وإذا كانت السياسة، في الزمن القديم، قد حاولت الحدّ من شهرته، والغضّ من قيمته، فإن الجوهر يظلّ جوهراً، ولو علاه التراب، ومتى يزال عنه، يبدو أكثر نضارة وأشد لمعاناً وإشراقاً. وقد قال الفيلسوف والبحّاثة الكبير جبران خليل جبران: (لقد جهل العرب قدر الإمام علي بن أبي طالب، حتى قام بين جيرانهم الفرس قوم يفرقون بين الجوهر والحصى.
من أروع، ولعل أروع ما كتب عن علي بن أبي طالب، هو ما كتبه الكاتب الكبير جورج جرداق، وما أحسب أن في المكتبة العربيّة ما هو أبدع من هذا الكتاب ولا أسمى، لا من حيث موضوعه، وإنما من حيث تناول الموضوع، وكيفية معالجته، والأسلوب الشيّق البليغ الذي كتب به.
ولقد عرف الشاعر شربل بعيني هذه الحقيقة وآمن بها، فأهدى ديوان شعره هذا إلى الأستاذ جورج جرداق، وقال في عبارة الإهداء القصيرة المعبّرة: (إلى الأديب العربي الكبير جورج جرداق، الذي غنّى عليّ بن أبي طالب، صوت العدالة الإنسانيّة، كما لـم يغنّه أحد من قبل.
إنّها عبارة معبرة ومؤثرة، تشير إلى مدى تأثّر شاعرنا بكلمة حقّ تقال، وببيان رائع عذب، وقفه جرداق لخدمة الحقيقة ومواكبتها والدفاع عنها.
ما أشد حاجتنا إلى كتّاب نزيهين منصفين، يرتفعون فوق أي مستوى، ليندغموا بالمثل الأعلى الذي خلقوا منه، وتصبح أقلامهم جزءاً منه.
ويوم نصل إلى هذا المستوى، نصير ناساً كالناس، ولا أقول: فوق الناس، ومعاذ اللـه أن أقول.
تحيّة إلى الشاعر شربل بعيني، وإلى روح نسيبه يوسف البعيني، الذي عرفته في البرازيل، وقد تلطّف وخلّدني بما كتبه عنّي في مجلّة العصبة الأندلسيّة، والذي سيبقى ذكره معي ما بقيت، ويحيا ما حييت.
ومزيداً من العطاءات والإبداع، أيها الشاعر المحلّق المبدع شربل، فمثلك وحده يعمل لوحدة أمته، ويسعى لرفع الحواجز من بينها، وإعطاء فكرة خيّرة نبيلة عنها.
أنت وجرداق وجورج زيدان قد دخلتم التاريخ من أوسع أبوابه، وخلّدتـم في محرابه، فمرحى، ثـم مرحى.
**
عطر المجالس
    الأديب الكبير الأستاذ شربل بعيني الأكرم..
   أعطر التحيّات وأنضرها لقلبك الطيّب المشرق، ولمن حولك من الأخوة الكرام الميامين.
   وبعد، لقد تلقّيت رسالتك الكريمة من أديبنا الكبير الأستاذ نعمان حرب، الذي يعطّر المجالس بذكرك وذكراك، وذكر بقيّة الأخوة الذين نعتزّ بهم ونزهو.
   وأعتذر لتأخري بالكتابة لك، لأني كنت موجوداً بأحد المصايف القريبة من دمشق، حيث تلطّف الأستاذ حرب وزارني مع الأستاذ مدحة عكاش وبعض الأصدقاء الأعزّاء. وقد انصرفت في ذلك المصيف إلى المطالعة، وألقيت باليراعة إلى حين. فمعذرة أيها الأخ النبيل لتأخّري بالجواب.
   نسيبك المرحوم الأستاذ يوسف بعيني كان موجوداً في سان باولو كبرى المدن الأمريكيّة، وكان يشرف على تحرير مجلّة العصبة التي كانت تنشرها العصبة الأندلسية، وكان رئيسها الشاعر الكبير الشهير شفيق المعلوف.
   والذي أعرفه عنه أنه من كسروان، وأكثر من هذا لا أذكر. وقد توطّدت الصلات معه، واستمرّت الكتابة بيننا إلى أن انتقل إلى رحمة اللـه، وله ذكرى كريمة في نفوس عارفيه جميعاً، ولا أستثني.
   كان ذا يراعة مترفة، وقلب نابض مشرق، ونفس أبيّة نقيّة. وقد نشرت ما كتبه عنّي في كتابي بين عالمين. وكانت له منزلته المرموقة في الجالية العربيّة، وهو في الطليعة من الأدباء المجلّين.
   ولكن أكثر أولئك الأدباء قد ضاعت أخبارهم وآثارهم، لأنه لـم يتح لها أن تنشر في حياتهم، مع ألف أسف وأسف!!
   أيها الصديق الكريم:
   إن لك أثراً كريماً في نفسي، وأرجو متى تتاح لك فرصة زيارة الوطن الأم، أن تذكر أن لك أخاً يحنّ للقائك ولقاء بقيّة إخوانك، وألف أهلاً بك وبهم.
   مكرراً وافر تحيّاتي، مقرونة بوافر مودّتي وتقديري.
   لاحقة:
   منذ أيّام قليلة كنا في زيارة لجبل العرب، حيث أقيمت أمسية أدبيّة في المركز الثقافي العربي بمدينة السويداء، وقد نعمنا وسعدنا بلقاء الإخوة هناك، وفي طليعتهم الأخ الأكبر الأستاذ نعمان رجل الطيبة والمكرمات.
12 أيلول 1992
**