من وحي مسرحية ألو أستراليا لشربل بعيني/ جورج يمين

 

اعلامي ورسام يعيش في سيدني أستراليا

من وحي مسرحية ألو أستراليا لشربل بعيني

   ألو.. لبنان

   ارتفعت الستارة.. بيروت تقاوم جلاديها، وتكرج الفصول على خشبة المسرح بخفة واتقان: الضيعة ـ الوطن، المختار وزمرته والشعب الطيّب، يبدأ موسم الهجرة نحو عالم مجهول جديد فتبدأ المأساة.

   قوافل الناس تسلخ عن ارضها صوب البحر، فيكبر جرح الوطن.

   ارتفعت الستارة.. الممثلون أجيال ولدت دون أن يلفحها نسيم الأصل أطفال من بلادي.. تلاميذ راهبات العائلة المقدسة في هاريس بارك.

   ألو.. لبنان

   لا تحزن يا وطني ولا تيأس، عندك في هذه الديار أجيال تنمو وتترعرع.. أطفال فيهم منك مسحة عنفوان.

   لا تحزن يا وطني ولا تيأس، ما دامت الأيادي البيضاء تحتضن الأجيال، تمنحهم من تعبها آفاقاً بحجم الآمال، ومن طهرها أمثولة في المحبة، ومن عطفها كومة حنان.

   لا تحزن يا وطني.. فأطفالك هنا شعلة تضيء وموسم خير آتٍ.

   شكراً لكم يا أطفال بلادي لأننا معكم عشنا الوطن، ومن خلال قسماتكم الطفلة نستشرق المستقبل.

صدى لبنان ـ العدد 603 ـ 5/7/1988

**

شربل بعيني: ما هم لو كان رئيس جمهورية لبنان المقبل امرأة

   الاستاذ الشاعر شربل بعيني أراد هذه المرة أن لا يطلق العنان لشيطان الشعر الساكن في أعماقه، ومع هذا كان لكلماته وقع مميّز، أفلت عفواً من الذات المجبولة بخمر الشعر والشفافية.

ـ ماهي المواصفات المطلوبة في شخص الرئيس الجديد؟

يجيبنا الاستاذ شربل: يجب أن يكون رئيساً بكل معنى الكلمة، يشمل كل أبناء الشعب بمحبته وعنايته، لا يفرق بين زيد وعمر وبين طائفة وأخرى.

   ان لبنان اليوم بحاجة الى رجل ـ ويستدرك البعيني ـ ما هم أن تأتي امرأة، شرط أن تتحلى بالقدرة والحزم والتخطيط والاندفاع، أضف الى ذلك امتلاكها الطبيعي للحنان، ذلك البلسم الذي يحتاجه الوطن في يومنا هذا. لبنان غني بالنساء المتعلمات، هذا بعد أن أفلس رجالنا في حكم الوطن وتنقية الأجواء.

ـ من هو رجل المرحلة؟

يستمر الاستاذ بعيني في القول: ما همني الذي يأتي الى الحكم، رجلاً كان ام امرأة، شرط ان يكون حاكماً يُسيِّر ولا يُسيَّر. يَخدُم ولا يُخدَم. يقف عند كلمته التي هي في الأساس كلمة الشعب الموحد، وتكون قراراته نابعة من مصلحة شعبه ليس إلا.

ـ ماذا يطلب شربل بعيني من رئيس لبنان المقبل؟

المطلوب من رئيس البلاد، إعادة الأمن والسلام الى ربوع الوطن الحبيب لبنان، وإرساء القيمة النقدية لليرة اللبنانية، أيضاً المطالبة بانسحاب جميع الجيوش الغريبة عن أرض لبنان، وتوحيد هذه الأرض من خلال توحيد الشعب تحت مظلة حكم قوي..

ـ العودة؟

يردد الاستاذ شربل بصوته الهادر: سأعود، حتماً سأعود.. ما همني أجاء الرئيس قوياً أم لا.

ان حلم العودة يتملكني، يأخذني الى ربوع بلادي، كلما اسندت رأسي الى وسادة. فالانسان المغترب يبقى مغترباً مهما دعّم ركائزه في مهجره، ومهما امتلك من متاع هذه الدنيا، يظل الحنين يشده الى وطنه الأم.

صدى لبنان، العدد 605، 19 تموز 1988

**

كامل المر في كتابه الجديد.. ما له وما عليه!

  صدر عن منشورات دار الثقافة في بلاكتاون، كتاب جديد للأستاذ كامل المر رئيس رابطة إحياء التراث العربي بعنوان "مشوار مع شربل بعيني".

   يقع الكتاب في 120 صفحة من الحجم الصغير، ويشتمل على دراسة مسهبة لنتاج الشاعر شربل بعيني، الذي وصفه المؤلف "بأنه واحد من أهم وأجرأ شعراء العربية في وقتنا الراهن، ليس في المغترب الأسترالي فحسب، بل على نطاق العالم العربي أيضاً".

   الغاية من هذه الدراسة هي "تسديد (خطى الشاعر) ليعطي نتاجاً أدبياً بالعامية والفصحى، يكون له أثر فعال في تغيير الواقع المرلم الذي تعيشه الأمة العربية قاطبة".

   غاية أخرى من الدراسة ـ الكتاب، هي "لفت نظر الذين يتعاطون الكتابة نثراً أو شعراًُ الى أهم الأسس التي يجب عليهم مراعاتها، علّهم يفلحون في تحويل خيالاتهم وأفكارهم الى كائنات حية".

   في هذا المجال يكتب الاستاذ كامل المر عن المبنى والمعنى، المفردات والألفاظ، اختيار الكلمات، مقلباً ومنقباً، شارحاً، ناصحاً، مستشهداً بأمثلة لشعراء أو كتّاب ونقاد، راسماً الخطوط الأساسية العريضة، التي من شأنها أن تصل بالعمل ألدبي الى المستوى الجيّد، فيخلص إلى: "أن سلاسة اللغة وصحة صياغتها وسبكها وابتعادها عن وحشي الكلمات، وشحنها بالمعاناة، هو شرط أساسي وضروري لنجاح أي عملٍ أدبي".

   بعد هذه المقدمة، التي قد يعتبرها بعض الذين العمل الأدبي في هذا المهجر "أستذة" عليهم، ونقداً غير مباشر لعطاءاتهم الأدبية، ينتقل الكاتب الى دراسة نتاج الشاعر شربل بعيني، فيقسمه الى ثلاثة أقسام: شعر المراهقة، شعر الشباب، وشعر النضوج، إضافة الى النثر الساخر.

   لن ندخل في تفاصيل الدراسة، التي اعتبرها الاستاذ كامل المر مشواراً مع الشاعر، ولكننا سنتطرق الى أهم المحطات التي توقف عندها المؤلف في محاولته الاضاءة على نتاج شربل بعيني.

   المحطة الأولى كانت مع شعر المراهقة "ديوان مراهقة 1968"، الذي تميّز، كما يقول الكاتب، "بالعبثية والمجون والاباحية من خلال لغة سلسة، وخيال جامح، وذوق رفيع في انتقاء الأجمل.

   وينتقل الأستاذ كامل المر الى مرحلة أخرى تمثّل وعي الشاعر المبكر للقضايا الوطنية في ديوان "قصائد مبعثرة 1970"، حيث يستشرف الشاعر الخطر المحدق بالوطن، محذراً ومحملاً المسؤولية للحكام والشعب على حد سواء.

   ويكمل الكاتب مشواره مع الشاعر ، فمن "يوميات مراسل أجنبي في الشرق الأوسط"،  وهي عبارة عن مجموعة قصائد للشاعر نشرت عام 1969 في الصحف البيروتية، الى ديوان "مجانين" عام 1976، "والغربة الطويلة" عام 1985، "وقصائد ريفية"، ومن "كل ذقن شعرة" نثر عام 1983، و"كيف أينعت السنابل؟" عام 1987، وأخيراً "ألله ونقطة زيت" عام 1988، دون أن ننسى ديوان "مشّي معي" عام 1981، والذي استشهد الاستاذ كامل المر به بعبارة واحدة.

   المحطة الثانية هي النثر عند الشاعر شربل بعيني، والمتمثّل بكتابيْ "من كل ذقن شعرة" و"قصائد ريفية" الصادرين عام 1983.

   يقول الاستاذ كامل المر عن النثر في "من كل ذقن شعرة" بأنه "جميل وساخر، والأدب العربي المعاصر بحاجة الى مثل سخريته".. بالرغم من "ان الأسلوب بحاجة للعناية والتهذيب في السبك وفي استخدام الكلمات". أما في "قصائد ريفية" يبلغ النثر عند البعيني مشارف الشعر.

   المحطة الثالثة، كانت مع ديوان "كيف أينعت السنابل؟" الصادر عام 1987، والذي استحق بفضله الشاعر جائزة جبران التي تقدّمها رابطة إحياء التراث العربي.

   اعتبر المؤلف بأن الديوان المكتوب باللغة الفصحى هو "من أهم المحطات الشعرية للبعيني، الذي خرج فيه من الأطر الاقليمية الى المدى الانساني الأوسع، مسجلاً خطوات واسعة الى ألأمام من حيث بنية القصيدة أو معناها".

   ويضيف المؤلف بأن تجربة الشاعر "ما تزال بحاجة الى صقل، أو قل انها ما تزال تحبو على أول الطريق، لكنها محاولة تستدعي الوقوف عندها".

   يصف الاستاذ كامل المر شعر البعيني بأنه شعر "معمّد بالدم والألم، ولكنه متفائل. انه شعر مؤمن بمن كُتب له، مؤمن بالشعب، مؤكداً بأن ديوان "مجانين" هو أهم ما كتب الشاعر في الشعر العامي، و"كيف أينعت السنابل؟" يمثّل قمة عطائه في الشعر الفصيح.

   عن الشعر العامي عند شربل بعيني يقول الأستاذ كامل المر بأن عنده مدرسة خاصة "تمردت تمرداً مستحباً على ما هو معروف من أوزان هذا الشعر"  مستشرفاً لها دوراً مهماً في تطوير الشعر العامي. أما شعره الفصيح فهو متأثّر بالمدرسة القبانية مع استشفاف امكانية مدرسة جديدة.

ـ بعض الملاحظات..

1ـ وجوب التمهّل في اطلاق احكام على الشاعر أو على نتاجه نأخذ صفة التعميم، وخصوصاً ان المؤلف يعود ليشكك فيها في مقاطع من الكتاب.

   مثلاً: يقول المؤلف بأن شربل بعيني هو "من أهم شعراء العربية"، صفحة 5، ثم يعود ليقول في الصفحة 71، بأن البعيني "ما زال في أول الطريق وتجربته بحاجة الى صقل".

2ـ عدم تسلسل الدراسة حسب التقسيم الذي وضعه المؤلف للمراحل الشعرية عند البعيني، إذ لم نجد عناوين لشعر المراهقة والشباب والنضوج.

   ولو أخذ المؤلف بالتسلسل الذي وضعه لكنّا وقعنا على دراسة أدبية يحكمها منطق التبويب، الذي يسهل مهمة القارىء والمؤلف في آن.

3ـ التركيز على ما أمكن جمعه من "يوميات مراسل أجنبي في الشرق الأوسط"، التي كتبها الشاعر عام 1969، ونشرتها بعض الصحف البيروتية آنذاك، كان من الأفضل أن يكون الكلام على "اليوميات" بعد صدورها كاملة في كتاب، مع العلم انه هناك مؤلفات للشاعر لم يتطرّق إليها المؤلف في دراسته: "إلهي جديد عليكم"، "رباعيات"، و"من خزانة شربل بعيني".

   لجوء المؤلف الى تفسيرات خاصة مطوّلة أحياناً، يسوقها على سبيل أمثال لدعم فكرة ما يستخلصها من نتاج الشاعر.

   مثلاً: موضوع الدين في ديوان "ألله ونقطة زيت" من صفحة 90 الى صفحة 95.

   تكمن أهمية كتاب الاستاذ كامل المر في:

1ـ الجرأة على الخوض في دراسة أدبية لنتاج شاعر عرف بغزارته وتنوع أسلوبه ومواضيعه.

   وقد استطاع المؤلف أن يفلت "بلباقة" من طوق الدراسة الشاملة الى رحاب الإضاءة على محطات أساسية ولافتة في مسيرة الشاعر الأدبية.

2ـ الموضوعية التي سادت الدراسة اللغوية التي استهل بها الكتاب، واحاطتها بالموضوع بشكل يتناسب وكونها مقدمة لدراسة نتاج أدبي.

   وهي تؤكد فيما تؤكد على وجود أزمة حادة في الواقع الأدبي المهجري، لأنها تطال "الذين يتعاطون الكتابة"، و"الذين يتعاطون القراءة" أيضاً.

3ـ التطرق الى مكامن الضعف التي تخللت مسيرة الشاعر الطويلة في محاولة ايجابية لتسديد خطاه.

4ـ الدعوة المستحبة التي يمررها المؤلف الى القارىء من أجل الاطلاع على نتاج الشاعر.

5ـ نشر قصائد جديدة للشاعر في الصفحات الأخيرة من الكتاب، لتعريف القارىء على أعمال أدبية كاملة للشاعر.

   وبالرغم ما لنا على الكتاب وما له علينا، فإننا لا نستطيع إلا أن نتوجّه بالشكر الصادق الى الاستاذ كامل المر على الجهد الذي بذله من أجل تحقيق هذا العمل المهم، الذي يشكل أول دراسة جديّة لمعظم نتاج الشاعر شربل بعيني الأدبي.  

   ألف شكر وإلى مزيد من العطاءات.

صدى لبنان، العدد 616، 4 تشرين اول 1988

**