![]() |
أديب وإعلامي مصري فاز بجائزة شربل بعيني |
إلى أخي شربل بعيني الذي أرسي لحاله .
منذ أن بدأت بنشر مقتطفات من ديوانك الجديد " فافي " وأنا أتابع ما يسطره قلمك ، وما يكتبه محبوك .
تابعت أيضا رحلاتك مع "فافي" ومنافس عشقك الشعري أخونا الحبيب الشاعر والأديب الأستاذ جوزاف بو ملحم .
جوزاف ظهر واضحا أنه هو أيضا أصيب بجنون العشق لـ "فافي" وهو يجري معها الأحاديث وأنت تلتقط لهما الصور.
لو أنك أعدت مشاهدة ما إلتقطته الكاميرا ، سترى أستاذنا مرتكن على الحجر وعيناه تنظران إلى "فافي" في عشق وغرام.
هذا ما لاحظته . فقد فضحته عيناه. لكنه توارى بعيدا، ليس خجلا من عشقه، لكن تنازلا لما رآه من جنونك وعشقك لـ "فافي التي إستطاعت أن تستحوذ على قلبيكما ووجدانكما ، فترك ساحة الحب "سداح مداح" دون منافسة لك .
لكن أنا واثق ان شظايا جنونك بـ "فافي" قد أصابته هو أيضا.
هنا لي وقفة لأقول أن جنون العشق الذي ظهر على جوزاف لا يقل عنفا عن عشق الجنون الذي أصابك يا شربل مع فارق هام جدا، وهو أنه لم يكتب حرفا واحدا. لكنك صرخت بصوت عال مجلجل في جميع أنحاء المعمورة تعلن جنون عشقك في ديوان كله مناجاة وتمنيات أن تنظر "فافي" إليك كأخ محروم من الأخت.
وظهر ردها واضحا في هذا الجزء مما جاء في ديوانك لكنه بقلمها الذي ترد فيه وتقول:
طوبى للمجانين
وطوبى للأوثان
والويلُ ،
كلَ الويلِ
لأصدقاء الشعراء
صدقني شاركتما نفس العشق والجنون أنت وجوزاف، وتمنيت أن أراها وألتقي بها في سيدني. لكن ما باليد حيلة فقد صرت قليل الحركة ولا أستطيع قيادة سيارتي في المساء، حتى ولو أتيحت ليَ فرصة مصاحبتكما معها. لأنني أيضا لن أستطيع المشي لمسافات. فكان من الأفضل لي أن أستمتع بكل ما ترسله من فيديوهات وما شابه.
واتتني الفرصة في ذلك اليوم الذي أُخبرت فيه بأن المصريين سيعقدون مؤتمرا صحفيا قبل أن تغادرنا الشاعرة المصرية الكبيرة فاطمة ناعوت. إتصل بي الأستاذ الصديق كمال إبرام الأعلامي المصري في إذاعة 2000 إف إم وأثلج صدري بأنه على أتم إستعداد ليصحبني معه إلى حيث يعقد المؤتمر. إنشرح قلبي وبدأت أعد نفسي لهذا اللقاء غير المنتظر. جمعت مجموعة من الكتب التي أصدرتها لأقدمها لها، ومجموعة أخرىل أقدمها للمستشار رمزي الذي كان حاضرا معها من القاهرة.
صدقني كنت بالفعل ومن كل قلبي أنوي الذهاب وألتقي بها وبالمستشار الذي له وعائلته أياد بيضاء بالنسبة للذين فقدوا أخا أو أبا أو إبنة أو أماً على أيدي الجماعات المتأسلمة. وأيضا من حرقت بيوتهم وأغتصبت بناتهم. فكانت فرحتي مزدوجة وبدأت أفكر في نوع الأسئلة التي سأوجهها لها وللمستشار.
الأستاذة فاطمة ناعوت لها أصابع بيضاء بالنسبة لفقراء المصريين ومضطهديها من الجماعات المتأسلمة يعرفها القاصي والداني، في مصر وجميع أنحاء العالم. عائلة المستشار رمزي تُشرف كل مصري وطني محب لمصر إن كان في شخوص العائلة أو مجهوداتهم لخدمة المصريين. فيا لها من فرصة أستطيع فيها أن ألتقي الجميع، وخاصة أنت يا عزيزي شربل . لكن.. وآه من لكن.. كما تعلم .
بدأت أفكر في المؤتمر الصحفي الذي جاء في أخر يوم للضيفين الكريمين. سمعت عن إقامة حفل عشاء خيري بعد وصولهما. سألت نفسي لماذا لم يعقد لحظة وصولهما إلى سيدني سواء في غرفة كبار الزوار بالمطار، أو بعدها خارج المطار، حيث يتم عادة لقاء الأعلامين والصحفين بكبار الزوار المصريين بعد إخبار رؤساء التحرير والأعلامين العرب والأستراليين لتواجد أكبر عدد من الصحفيين والأعلاميين من التوجه لملاقاتهما وتوجيه الأسئلة.
لكن لم يحدث أي شيء من هذا. قد يكون لعدم خبرة، أو يكون لعدم دراية بأهمية الأعلام.
أيضا.. لا أظن أنه تم دعوة أي من الأعلامين أو الصحفين في الحفل. وهذا أيضا تصرف مهين لتجاهل الأعلام، كون عدم وجود إعلام مصري حقيقي في أستراليا، لا ينفي وجود إعلام وصحافة عربية وأسترالية في أستراليا.
حقيقة لقد فاض بي الكيل وطفح لهذا التجاهل للأعلاميين والصحفيين عند المسؤلين من المصريين. فكان قراري هو عدم الذهاب. بالفعل إتصلت بالأستاذ كمال وأعتذرت له.
أنا لم أبتعد كثيرا عن ديوانك. لأنني كنت أتمنى، قلباً وقالباً، رؤية بطلتك، رغم متابعتي "كلما سنحت الفرصة" قراءة ما تكتبه أو مشاهدة اللقاءات التلفزيونية التي تدعى لها .
فاطمة ناعوت عنوان مشرف للمرأة المصرية الشجاعة التي تدافع عن كل مظلوم ومضطهد بغض النظر عن الدين أو المذهب أو العقيدة.
جنون العشق يا شربل له مزايا كثيرة، أهمها شحذ الفكر الملتهب الوجدان بدقات قلب العاشق المجنون ليسطر بمكنون نفسه ديوانا "فافيا" كهذا.
شكرا لكِ أستاذة فاطمة "فافي" ناعوت على قبولك إخوة شربل بعيني التي كان والداه، رحمهما الله، بانتظارها منذ زمن بعيد.
**
"التلغراف" في لقاء مع الأستاذ فؤاد نمّور رئيس رابطة إحياء التراث العربي
مقتطفات من الحديث حول شربل بعيني:
ـ لماذا هذه السريّة حول لجنة منح جائزة جبران؟
ـ السريّة شرط فرضه علينا أعضاء اللجنة أنفسهم، ليتجنّبوا الإحراج والمراجعات، ولا أغلو الحقيقة إذا قلت: ليتجنّبوا الشتائـم أيضاً!
ـ أستاذ فؤاد، بما أنّك أتيت على ذكر "الشتائم"، ما رأيك بقصيدة "قرف" للشاعر شربل بعيني، والضجّة التي أثيرت حولها. علماً بأنّ فيها بعض الألفاظ أو الكلمات، التي قد تبدو "شتائم"؟
ـ الشاعر، يا أخ أنطوني، إنسان كوثريّ الأبعاد، يتبعثر، يتوحّد، يطرح الـ "لماذا" الكبرى، يلحّ بالسؤال، كما لو أنّ الإله فيه راح يسائل الإنسان، يعيش في نشوة نفس ونشوة حسّ، يجثو بكلّيته ويصلّي في هيكل الجمال، يستنطق الكون، ويحاور المجهول، ويصل إلى أسراره بشعور المتأمّل، وحدس المصلّي، وحسّ الشاعر والنبي.
برأيي أن شربل بعيني، وهو صديق حميم، وسكرتير رابطة إحياء التراث العربي، لو أنّه لـم يقل غير قصيدة "قرف"، لكانت كافية لتخليده.
أمّا من حيث ما جاء فيها من ألفاظ، عدّها بعض النقاد عيوباً، وسأعود إلى موضوع النقد لاحقاً، فقد قال مثلها وأكثر منها كبار الشعراء في الجاهلية وصدر الإسلام وعصر الإنبعاث.
قال أبو الطيّب المتنبّي:
من علّم الأسود المخصيّ مكرمة" الخ..
وقال أبو نؤاس في خمريّاته ما تعدّ كلمات "قرف" بالنسبة إليها صلاة.
وقال الأخطل الصغير، شاعر الحب والجمال، في الشاعر الياس أبي شبكة، ما لا أستطيع أن أقوله في صحيفتكم الغرّاء. فهل حطّ ذلك من قيمة الأخطل؟. ألـم يكن هو الشاعر الذي تغنّى العالـم العربي بقصيدته:
يا هند قد ألِفَ الخميلةَ بلبلٌ
يشدو فتصطفقُ الغصونُ وتطربُ
هو شاعر الأطيار لا متكبّر صلفٌ
ولا هو بالإمارة معجبُ
والصوت موهبةُ السّماء فطائرٌ
يشدو على غصنٍ وآخرُ ينعبُ
والشاعر مظفّر النوّاب الذي يندر، في العالـم العربي، إنسان لا يتغنّى ببيت شعره الذي يخاطب حكّام العرب الذين يلزمون الفلسطينيين بالصمت، يقول فيهم:
أولاد القحبة..
هل تسكت مغتصبةٌ؟!
النقد يا أخي نوعان: نقد بنّاء، ونقد هو معول هدم. والذين نقدوا قصيدة شربل "قرف"، نقدوها، لا كعمل فنّيّ، لكن نقدوها من ناحية شخصيّة فرديّة، تكره أن يقول شربل هذه "الرائعة". إن الذين يتغنّون بالأخلاق الحميدة، وينصبّون أنفسهم أوصياء على أذواق النّاس وأسماعهم كي لا تخدش، حبّذا لو جالستهم، واستمعت إلى ما ينعتون به أمّهات النّاس، وأخوات النّاس، طيلة النهار. إذن، العيب الذي عدّوه عيباً، هو إن شربل قال هذه "الرائعة"، ولـم يقولوها هم. وأنا على مثل اليقين: لو أن أي شخص آخر قال هذه القصيدة، لرفع إلى مصاف الأنبياء. لقد قرأت القصيدة مع رجال دين لا يتطرّق الشكّ أبداً إلى مستواهم الخلقي وورعهم وتقواهم، وكان تعليقهم على القصيدة "إنّها عمل فنّي رائع".
لقد خرج شربل على النهج الوجداني في قصيدته هذه، ليبثّ هموم شعبه، ويصرّح بما يراود نفس كل عربي، من الخليج إلى المحيط، في هذا الزمن بالذات.
ـ أستاذ فؤاد، في رأيي، إن رابطة إحياء التراث العربي تعتبر المنار والحصن للكلمة الأدبيّة في المهجر. لماذا صمتت الرابطة حتّى الآن، دون أن تدلي برأي في القصيدة وما دار حولها؟
ـ يقول الأب ملاتيوس، الرئيس السابق للكليّة الشرقيّة في زحلة: " إن الأشرار ليسوا حصراً مَن يرتكبون المنكر، بل هم كل مَن كان باستطاعتهم أن يحبّوا فأبغضوا، وأن يصنعوا الخير فأحجموا، وأن يقولوا الحقّ فصمتوا، وأن يغفروا فانتقموا، وأن يمدّوا يدهم لأخيهم الإنسان فانكفأوا على ذواتهم في إطار أغراضهم ورواسبهم".
ورابطة إحياء التراث العربي صمتت واتخذت موقفاً محايداً، منتظرة أن يرعوي هؤلاء البعض عن أحقادهم، لأننا نرحّب بالنقد الفنّي البنّاء، ونحثّ عليه، ونهتمّ به ونقبله، طالما هو نقد واقعي، الهدف منه، دفع عجلة الأدب إلى الأمام، أمّا أن يصل الحقد إلى محاربة هذا الشاعر في لقمة عيشه، فهذا أمر لـم تستطع الرابطة حياله مكتوفة اليدين.
وأنا، باسم الرابطة، أنتهز الفرصة لأهنّىء الشاعر شربل بعيني على رائعته "قرف"، وأعلن بأنّ الرابطة تتبنّى القصيدة نصّاً ومعنى ومبنى.
وفي ختام حديثي، من موقع المحبّة والإخلاص، أودّ أن أوجّه كلمة إلى أدبائنا الأفاضل، راجياً أن نعمل معاً بمسؤوليّة ومحبّة للنهوض بمستوانا الأدبي، دونما التفات إلى الأمور الشخصيّة والأنانيّات، فنحن إن توحّدنا أصبحنا قوّة وإن تفرّقنا ضعفنا.
التلغراف، العدد 2553، 30 آب 1993.
**
لقاء مع شربل بعيني حول الكاتب والكتاب في المهجر 1992
1ـ كم كتاباً صدر لك في أستراليا، أو خارج أستراليا؟
ـ عندما هاجرت الى أستراليا، لم أكن أكملت العشرين من عمري، مع ذلك تمكنت، بعونه تعالى، من إصدار ديوانين شعريين هما:
ـ مراهقة 1968 بالعامية.
ـ قصائد مبعثرة عن لبنان والثورة 1970 بالفصحى.
وما أن استتب بي الأمر في أستراليا، وبدأ وضعي المادي بالتحسن ، والنفسي بالارتياح الجزئي، حتى بدأت أشعر بالفراغ ألأدبي الذي كانت تعاني منه الجالية في بداية السبعينيات، فكان لي شرف طبع ونشر أول ديوان شعري في أستراليا "مجانين" 1976، بعده جاءت مؤلفاتي كالتالي:
ـ الهي جديد عليكم، 1982، بالفصحى.
ـ مشّي معس، 1982، بالعامية.
ـ رباعيات، 1983، بالعامية.
ـ قصائد ريفية، 1983، بالفصحى.
ـ من كل ذقن شعرة، 1984، بالفصحى.
ـ من خزانة شربل بعيني، 1985، بالفصحى.
ـ الغربة الطويلة، 1985، بالعامية.
كيف اينعت السنابل؟، 1987، بالفصحى.
ـ ألله ونقطة زيت، 1988، بالعامية.
ـ كي لا ننسى بطرس عنداري، 1988، بالفصحى.
ـ معزوفة حب، 1989، بالعامية.
ـ أحباب، 1990، بالعامية.
ـ مناجاة علي، 1991، بالعامية.
أما الكتب المدرسية فهي:
ـ القراءة السهلة.
ـ سامي وهدى.
ـ قاموسي الصغير.
ـ القراءة الشاملة.
ـ دفتري السادس.
ـ القراءة الحديثة.
ـ دروب القراءة.
وقد اعتقد بعض "الثرثارين" أن شربل بعيني يعاني من كثرة الانتاج، مما أساء الى أدبه، وهم لو فكّروا قليلاً، وأرضخوا أهواءهم لسلطة ضمائرهم، لاعترفوا، كما اعترفت الاوساط الأدبية في الوطن العربي، بأنني عبّدت الدرب أمام العديد من شعراء وأدباء المهجر للوصول الى متعة الى متعة النشر، وابراز مواهبهم، وبث افكارهم الانسانية.. ما هم.. طالما ان لا احد على الاطلاق قادر على حجب نور الحقيقة.
2ـ ما هي الصعوبات التي واجهتك في إصدار هذه الكتب؟
الصعوبات موجودة في كل عمل نقوم به، ولكنها في الأعمال الأدبية لا تواجه الا المتطفلين على ألدب، أو الذين يفتّشون عن الكسب المادي من نشر نتاجهم. وهذا ما لم ولن أفكر به ما حييت. وصدقني اذا قلت ان تعزيتي الوحيدة بعد ربع ونيّف من صدور ديواني البكر "مراهقة"، انني لم أجنِ قرشاً واحداً من نشر كتبي، فلقد كنت وما زلت أوزعها مجاناً، رافضاً أي دعم مادي من أي كان.
3ـ كيف تم نشر وتوزيع هذه الكتب؟
النشر والتوزيع تمّا، بادىء ذي بدء، على نفقتي الخاصة، ما عدا كتبي المدرسية، فقد تمّ نشرها من قبل الحكومة الاسترالية.
أما الآن، فقد بدأت دار عصام حداد بإصدار طبعات خاصة من كتبي، كما حصل في مطلع هذا العام، إذ أصدرت الطبعة الثانية من "الغربة الطويلة" بشكل جيد، ومن يدري فقد يستهوي أدبنا المهجري بعص أصحاب دور النشر العربية، فتبدأ عملية نشره على نطاق واسع.
4ـ هل تعتقد أن هذه الطريقة التي تمّ بها التوزيع صحيحة؟
قد لا تكون صحيحة مئة في المئة.. ولكن لا خيار لي سواها. منهم من قال ان كتبي سيئة الطباعة، ومنهم من قال انها عديمة التبويب، وما شابه.. أحاديث كثيرة كنت أسمعها وأضحك، لأنهم لم يدركوا أبداً أن أمهاتنا اللواتي ولدننا في بيوتنا أيام زمان بشكل بدائي طاهر، ساويننا بالقيمة الانسانية والجمالية مع الاطفال الذين ولدتهم امهاتهم في أكبر المستشقيات الحديثة، وعلى يد أمهر الأطباء في العالم، فالطفل ينمو ويدخل طور الشباب اينما ولد وكيفما ولد، شرط ان يكون صحيح البنية.. وهذه هي الحال مع أدبنا المهجري.
5ـ هل توجد نسخ من هذه الكتب في المكتبات العامة الحكومية ام لا؟
أجل.. فمعظم المكتبات الحكومية الموجودة في مناطق تنعم بكثافة سكانية عربية تحتوي على مجموعة لا بأس بها من مؤلفاتي. هذا لا يعني ان المكتبات تعمل المستحيل من أجل الحصول على كتبي، بل على العكس فأنا كثيراً ما أزوّدها بها مجاناً.
لو أن المكتبات الحكومية فقط، وأشدد على كلمة "فقط" اهتمت بأدبنا وبالحصول عليه، لتخطينا جميع الحواجز المادية، ولبيعت مؤلفاتنا عن بكرة أبيها، وحفظت في أماكن أمينة، ولتخلصنا من ميوعة نشر كتبنا في حفلات فنيّة راقصة، قد لا يجد البعض مفراً منها ولا نعمة سواها، لاسترداد دراهمه.
6ـ هل ترى فرقاً بين صدور الكتاب في بيروت أو صدوره في سيدني من حيث النشر والتوزيع؟
من حيث النشر لا يوجد أي فرق على الاطلاق، أما من حيث التوزيع فحدّث ولا حرج، كتابنا المهجري ينقصه التوزيع الجيد، تماماً كما يحصل الآن مع الصحف المهجرية التي تقوم شركات خاصة يتوزيعها في كافة الولايات الاسترالية، وزرع نسخة منها في كل بيت تقريباً.
7ـ هل تعتقد أن كل كتاب ينشر هنا توافق عليه دور النشر في بيروت او القاهرة في حال طلب نشره وتوزيعه هناك؟
بالطبع لا.. لانها لن توافق ايضاً على كل كتاب ينشر في الوطن الأم.
لقد صدر في مهجرنا، وللأسف، العديد من الكتبالرديئة فكراً ولغة، وفي ذات الوقت ابتلى وطننا بأضعافها من الكتب التي لا تمت الى الادب بصلة.
أن توافق دور النشر العربية على كل كتاب، معاذ الله، وهذا لا يعني ان الكتاب العربي يعاني دون غيره من الكتب من انفصام في الشخصية، طالما ان دور النشر العالمية ترفض يومياً ما لا يقل عن ألف كتاب.
8ـ ماذا تقترح للعمل على نشر وتوزيع الانتاج الأدبي للمفكرين العرب في المهجر؟
تسألني يا أستاذ انطوني سؤالاً كنت وما زلت أبحث عمن يجيبني عليه!
ولكنها خاطرة مرت في فكري: لو أن أدباءنا وشعراءنا ومثقفينا، حماهم الله من العيون الشريرة، ابتاعوا نسخة واحدة من كل كتاب يصدر هنا لاصبحت احوالنا المادية بألف خير، ولتمكنا من تحسين طباعة كتبنا وتجميلها، اضف الى ذلك دعم وتشجيع الروابط الأدبية، والمؤسسات الصحفية وغيرها.. وصدقني اذا قلت: ان مزاجية بعض الادباء والشعراء ونميمتهم حول بعضهم البعض تقف حجر عثرة في طريق ما نصبو لتحقيقه في هذا المهجر التعيس.
وأخيراً، أشكرك وأشكر جريدة التلغراف الغراء على التطرق لهذا الموضوع الحساس، علنا نصل الى نتيجة مشرفة تساعد على نشر وتوزيع نتاجنا الفكري في أستراليا.
التلغراف، العدد 2497، 17/آب/ 1992
**
علاقتي بشربل بعيني
علاقتي بالشاعر شربل بعيني وعائلته تمتد إلى أكثر من 30 سنة في سيدني ولم تشبها شائبة . أطلق علي إسم "إبن ولسن" وأطلقت عليه "شاربول".
هو والمرحومة والدته كان لهما الفضل في إصدار أول كتاب قصصي لمهاجر مصري في العالم . تلاه عدة كتب قصصية.
إلى جانب شربل هناك شاب لبناني اسمه بدوي الحاج وهو الآن مهندس معماري مرموق وأعتبره إبني، خاله الأستاذ جوزيف خوري صاحب ورئيس تحرير جريدة " البيرق" و " المستقبل ".
الباشمهندس بدوي هو أيضا أول من شجعني وساعدني في تجميع مقالاتي المختارة في سلسلة كتاب " المغترب " والتي صدر منها 6 كتب ، ومن أجل ثرثرة انسان مصري أوقفت إصدار الكتب .
لكن شربل شجعني مرة أخرى وبدأت بالفعل في إصدار 3 كتب باللغة العربية . وكتاب صدر هذا الشهر باللغة الإنجليزية.
الفايس بوك ـ نيسان 2014
**
**
"التلغراف" في لقاء مع الأستاذ فؤاد نمّور رئيس رابطة إحياء التراث العربي
مقتطفات من الحديث حول شربل بعيني:
ـ لماذا هذه السريّة حول لجنة منح جائزة جبران؟
ـ السريّة شرط فرضه علينا أعضاء اللجنة أنفسهم، ليتجنّبوا الإحراج والمراجعات، ولا أغلو الحقيقة إذا قلت: ليتجنّبوا الشتائـم أيضاً!
ـ أستاذ فؤاد، بما أنّك أتيت على ذكر "الشتائم"، ما رأيك بقصيدة "قرف" للشاعر شربل بعيني، والضجّة التي أثيرت حولها. علماً بأنّ فيها بعض الألفاظ أو الكلمات، التي قد تبدو "شتائم"؟
ـ الشاعر، يا أخ أنطوني، إنسان كوثريّ الأبعاد، يتبعثر، يتوحّد، يطرح الـ "لماذا" الكبرى، يلحّ بالسؤال، كما لو أنّ الإله فيه راح يسائل الإنسان، يعيش في نشوة نفس ونشوة حسّ، يجثو بكلّيته ويصلّي في هيكل الجمال، يستنطق الكون، ويحاور المجهول، ويصل إلى أسراره بشعور المتأمّل، وحدس المصلّي، وحسّ الشاعر والنبي.
برأيي أن شربل بعيني، وهو صديق حميم، وسكرتير رابطة إحياء التراث العربي، لو أنّه لـم يقل غير قصيدة "قرف"، لكانت كافية لتخليده.
أمّا من حيث ما جاء فيها من ألفاظ، عدّها بعض النقاد عيوباً، وسأعود إلى موضوع النقد لاحقاً، فقد قال مثلها وأكثر منها كبار الشعراء في الجاهلية وصدر الإسلام وعصر الإنبعاث.
قال أبو الطيّب المتنبّي:
من علّم الأسود المخصيّ مكرمة" الخ..
وقال أبو نؤاس في خمريّاته ما تعدّ كلمات "قرف" بالنسبة إليها صلاة.
وقال الأخطل الصغير، شاعر الحب والجمال، في الشاعر الياس أبي شبكة، ما لا أستطيع أن أقوله في صحيفتكم الغرّاء. فهل حطّ ذلك من قيمة الأخطل؟. ألـم يكن هو الشاعر الذي تغنّى العالـم العربي بقصيدته:
يا هند قد ألِفَ الخميلةَ بلبلٌ
يشدو فتصطفقُ الغصونُ وتطربُ
هو شاعر الأطيار لا متكبّر صلفٌ
ولا هو بالإمارة معجبُ
والصوت موهبةُ السّماء فطائرٌ
يشدو على غصنٍ وآخرُ ينعبُ
والشاعر مظفّر النوّاب الذي يندر، في العالـم العربي، إنسان لا يتغنّى ببيت شعره الذي يخاطب حكّام العرب الذين يلزمون الفلسطينيين بالصمت، يقول فيهم:
أولاد القحبة..
هل تسكت مغتصبةٌ؟!
النقد يا أخي نوعان: نقد بنّاء، ونقد هو معول هدم. والذين نقدوا قصيدة شربل "قرف"، نقدوها، لا كعمل فنّيّ، لكن نقدوها من ناحية شخصيّة فرديّة، تكره أن يقول شربل هذه "الرائعة". إن الذين يتغنّون بالأخلاق الحميدة، وينصبّون أنفسهم أوصياء على أذواق النّاس وأسماعهم كي لا تخدش، حبّذا لو جالستهم، واستمعت إلى ما ينعتون به أمّهات النّاس، وأخوات النّاس، طيلة النهار. إذن، العيب الذي عدّوه عيباً، هو إن شربل قال هذه "الرائعة"، ولـم يقولوها هم. وأنا على مثل اليقين: لو أن أي شخص آخر قال هذه القصيدة، لرفع إلى مصاف الأنبياء. لقد قرأت القصيدة مع رجال دين لا يتطرّق الشكّ أبداً إلى مستواهم الخلقي وورعهم وتقواهم، وكان تعليقهم على القصيدة "إنّها عمل فنّي رائع".
لقد خرج شربل على النهج الوجداني في قصيدته هذه، ليبثّ هموم شعبه، ويصرّح بما يراود نفس كل عربي، من الخليج إلى المحيط، في هذا الزمن بالذات.
ـ أستاذ فؤاد، في رأيي، إن رابطة إحياء التراث العربي تعتبر المنار والحصن للكلمة الأدبيّة في المهجر. لماذا صمتت الرابطة حتّى الآن، دون أن تدلي برأي في القصيدة وما دار حولها؟
ـ يقول الأب ملاتيوس، الرئيس السابق للكليّة الشرقيّة في زحلة: " إن الأشرار ليسوا حصراً مَن يرتكبون المنكر، بل هم كل مَن كان باستطاعتهم أن يحبّوا فأبغضوا، وأن يصنعوا الخير فأحجموا، وأن يقولوا الحقّ فصمتوا، وأن يغفروا فانتقموا، وأن يمدّوا يدهم لأخيهم الإنسان فانكفأوا على ذواتهم في إطار أغراضهم ورواسبهم".
ورابطة إحياء التراث العربي صمتت واتخذت موقفاً محايداً، منتظرة أن يرعوي هؤلاء البعض عن أحقادهم، لأننا نرحّب بالنقد الفنّي البنّاء، ونحثّ عليه، ونهتمّ به ونقبله، طالما هو نقد واقعي، الهدف منه، دفع عجلة الأدب إلى الأمام، أمّا أن يصل الحقد إلى محاربة هذا الشاعر في لقمة عيشه، فهذا أمر لـم تستطع الرابطة حياله مكتوفة اليدين.
وأنا، باسم الرابطة، أنتهز الفرصة لأهنّىء الشاعر شربل بعيني على رائعته "قرف"، وأعلن بأنّ الرابطة تتبنّى القصيدة نصّاً ومعنى ومبنى.
وفي ختام حديثي، من موقع المحبّة والإخلاص، أودّ أن أوجّه كلمة إلى أدبائنا الأفاضل، راجياً أن نعمل معاً بمسؤوليّة ومحبّة للنهوض بمستوانا الأدبي، دونما التفات إلى الأمور الشخصيّة والأنانيّات، فنحن إن توحّدنا أصبحنا قوّة وإن تفرّقنا ضعفنا.
التلغراف، العدد 2553، 30 آب 1993.
**
لقاء مع شربل بعيني حول الكاتب والكتاب في المهجر 1992
1ـ كم كتاباً صدر لك في أستراليا، أو خارج أستراليا؟
ـ عندما هاجرت الى أستراليا، لم أكن أكملت العشرين من عمري، مع ذلك تمكنت، بعونه تعالى، من إصدار ديوانين شعريين هما:
ـ مراهقة 1968 بالعامية.
ـ قصائد مبعثرة عن لبنان والثورة 1970 بالفصحى.
وما أن استتب بي الأمر في أستراليا، وبدأ وضعي المادي بالتحسن ، والنفسي بالارتياح الجزئي، حتى بدأت أشعر بالفراغ ألأدبي الذي كانت تعاني منه الجالية في بداية السبعينيات، فكان لي شرف طبع ونشر أول ديوان شعري في أستراليا "مجانين" 1976، بعده جاءت مؤلفاتي كالتالي:
ـ الهي جديد عليكم، 1982، بالفصحى.
ـ مشّي معس، 1982، بالعامية.
ـ رباعيات، 1983، بالعامية.
ـ قصائد ريفية، 1983، بالفصحى.
ـ من كل ذقن شعرة، 1984، بالفصحى.
ـ من خزانة شربل بعيني، 1985، بالفصحى.
ـ الغربة الطويلة، 1985، بالعامية.
كيف اينعت السنابل؟، 1987، بالفصحى.
ـ ألله ونقطة زيت، 1988، بالعامية.
ـ كي لا ننسى بطرس عنداري، 1988، بالفصحى.
ـ معزوفة حب، 1989، بالعامية.
ـ أحباب، 1990، بالعامية.
ـ مناجاة علي، 1991، بالعامية.
أما الكتب المدرسية فهي:
ـ القراءة السهلة.
ـ سامي وهدى.
ـ قاموسي الصغير.
ـ القراءة الشاملة.
ـ دفتري السادس.
ـ القراءة الحديثة.
ـ دروب القراءة.
وقد اعتقد بعض "الثرثارين" أن شربل بعيني يعاني من كثرة الانتاج، مما أساء الى أدبه، وهم لو فكّروا قليلاً، وأرضخوا أهواءهم لسلطة ضمائرهم، لاعترفوا، كما اعترفت الاوساط الأدبية في الوطن العربي، بأنني عبّدت الدرب أمام العديد من شعراء وأدباء المهجر للوصول الى متعة الى متعة النشر، وابراز مواهبهم، وبث افكارهم الانسانية.. ما هم.. طالما ان لا احد على الاطلاق قادر على حجب نور الحقيقة.
2ـ ما هي الصعوبات التي واجهتك في إصدار هذه الكتب؟
الصعوبات موجودة في كل عمل نقوم به، ولكنها في الأعمال الأدبية لا تواجه الا المتطفلين على ألدب، أو الذين يفتّشون عن الكسب المادي من نشر نتاجهم. وهذا ما لم ولن أفكر به ما حييت. وصدقني اذا قلت ان تعزيتي الوحيدة بعد ربع ونيّف من صدور ديواني البكر "مراهقة"، انني لم أجنِ قرشاً واحداً من نشر كتبي، فلقد كنت وما زلت أوزعها مجاناً، رافضاً أي دعم مادي من أي كان.
3ـ كيف تم نشر وتوزيع هذه الكتب؟
النشر والتوزيع تمّا، بادىء ذي بدء، على نفقتي الخاصة، ما عدا كتبي المدرسية، فقد تمّ نشرها من قبل الحكومة الاسترالية.
أما الآن، فقد بدأت دار عصام حداد بإصدار طبعات خاصة من كتبي، كما حصل في مطلع هذا العام، إذ أصدرت الطبعة الثانية من "الغربة الطويلة" بشكل جيد، ومن يدري فقد يستهوي أدبنا المهجري بعص أصحاب دور النشر العربية، فتبدأ عملية نشره على نطاق واسع.
4ـ هل تعتقد أن هذه الطريقة التي تمّ بها التوزيع صحيحة؟
قد لا تكون صحيحة مئة في المئة.. ولكن لا خيار لي سواها. منهم من قال ان كتبي سيئة الطباعة، ومنهم من قال انها عديمة التبويب، وما شابه.. أحاديث كثيرة كنت أسمعها وأضحك، لأنهم لم يدركوا أبداً أن أمهاتنا اللواتي ولدننا في بيوتنا أيام زمان بشكل بدائي طاهر، ساويننا بالقيمة الانسانية والجمالية مع الاطفال الذين ولدتهم امهاتهم في أكبر المستشقيات الحديثة، وعلى يد أمهر الأطباء في العالم، فالطفل ينمو ويدخل طور الشباب اينما ولد وكيفما ولد، شرط ان يكون صحيح البنية.. وهذه هي الحال مع أدبنا المهجري.
5ـ هل توجد نسخ من هذه الكتب في المكتبات العامة الحكومية ام لا؟
أجل.. فمعظم المكتبات الحكومية الموجودة في مناطق تنعم بكثافة سكانية عربية تحتوي على مجموعة لا بأس بها من مؤلفاتي. هذا لا يعني ان المكتبات تعمل المستحيل من أجل الحصول على كتبي، بل على العكس فأنا كثيراً ما أزوّدها بها مجاناً.
لو أن المكتبات الحكومية فقط، وأشدد على كلمة "فقط" اهتمت بأدبنا وبالحصول عليه، لتخطينا جميع الحواجز المادية، ولبيعت مؤلفاتنا عن بكرة أبيها، وحفظت في أماكن أمينة، ولتخلصنا من ميوعة نشر كتبنا في حفلات فنيّة راقصة، قد لا يجد البعض مفراً منها ولا نعمة سواها، لاسترداد دراهمه.
6ـ هل ترى فرقاً بين صدور الكتاب في بيروت أو صدوره في سيدني من حيث النشر والتوزيع؟
من حيث النشر لا يوجد أي فرق على الاطلاق، أما من حيث التوزيع فحدّث ولا حرج، كتابنا المهجري ينقصه التوزيع الجيد، تماماً كما يحصل الآن مع الصحف المهجرية التي تقوم شركات خاصة يتوزيعها في كافة الولايات الاسترالية، وزرع نسخة منها في كل بيت تقريباً.
7ـ هل تعتقد أن كل كتاب ينشر هنا توافق عليه دور النشر في بيروت او القاهرة في حال طلب نشره وتوزيعه هناك؟
بالطبع لا.. لانها لن توافق ايضاً على كل كتاب ينشر في الوطن الأم.
لقد صدر في مهجرنا، وللأسف، العديد من الكتبالرديئة فكراً ولغة، وفي ذات الوقت ابتلى وطننا بأضعافها من الكتب التي لا تمت الى الادب بصلة.
أن توافق دور النشر العربية على كل كتاب، معاذ الله، وهذا لا يعني ان الكتاب العربي يعاني دون غيره من الكتب من انفصام في الشخصية، طالما ان دور النشر العالمية ترفض يومياً ما لا يقل عن ألف كتاب.
8ـ ماذا تقترح للعمل على نشر وتوزيع الانتاج الأدبي للمفكرين العرب في المهجر؟
تسألني يا أستاذ انطوني سؤالاً كنت وما زلت أبحث عمن يجيبني عليه!
ولكنها خاطرة مرت في فكري: لو أن أدباءنا وشعراءنا ومثقفينا، حماهم الله من العيون الشريرة، ابتاعوا نسخة واحدة من كل كتاب يصدر هنا لاصبحت احوالنا المادية بألف خير، ولتمكنا من تحسين طباعة كتبنا وتجميلها، اضف الى ذلك دعم وتشجيع الروابط الأدبية، والمؤسسات الصحفية وغيرها.. وصدقني اذا قلت: ان مزاجية بعض الادباء والشعراء ونميمتهم حول بعضهم البعض تقف حجر عثرة في طريق ما نصبو لتحقيقه في هذا المهجر التعيس.
وأخيراً، أشكرك وأشكر جريدة التلغراف الغراء على التطرق لهذا الموضوع الحساس، علنا نصل الى نتيجة مشرفة تساعد على نشر وتوزيع نتاجنا الفكري في أستراليا.
التلغراف، العدد 2497، 17/آب/ 1992
**
علاقتي بشربل بعيني
علاقتي بالشاعر شربل بعيني وعائلته تمتد إلى أكثر من 30 سنة في سيدني ولم تشبها شائبة . أطلق علي إسم "إبن ولسن" وأطلقت عليه "شاربول".
هو والمرحومة والدته كان لهما الفضل في إصدار أول كتاب قصصي لمهاجر مصري في العالم . تلاه عدة كتب قصصية.
إلى جانب شربل هناك شاب لبناني اسمه بدوي الحاج وهو الآن مهندس معماري مرموق وأعتبره إبني، خاله الأستاذ جوزيف خوري صاحب ورئيس تحرير جريدة " البيرق" و " المستقبل ".
الباشمهندس بدوي هو أيضا أول من شجعني وساعدني في تجميع مقالاتي المختارة في سلسلة كتاب " المغترب " والتي صدر منها 6 كتب ، ومن أجل ثرثرة انسان مصري أوقفت إصدار الكتب .
لكن شربل شجعني مرة أخرى وبدأت بالفعل في إصدار 3 كتب باللغة العربية . وكتاب صدر هذا الشهر باللغة الإنجليزية.
الفايس بوك ـ نيسان 2014
**
سهرة في شارع اللبنانيين
اللبنانيون في أستراليا لهم أشياء كثيرة تحمل اسمهم: الخيار اللبناني، الخبز اللبناني، التبولة اللبنانية، والفلافل اللبنانية.. وآخر صيحات صديقنا جو بركات عضو بلدية باراماتا يريد تسمية أحد شوارع باراماتا باسم كفرصغاب.
لكن الشاعر شربل بعيني يسبق الجميع، ويتخطى الروتين الحكومي ويسمي شارعاً بأكمله باسم اللبنانيين أجمعين، وليس باسم كفر واحد أو ضيعة واحدة.
وفي قلب ضاحية هاريس بارك، وفي صرح من أصرحة العلم والنور اللبنانية، معهد سيدة لبنان للراهبات المارونيات، يفتح شربل بعيني شارعه، ويدعونا لقضاء سهرة في "شارع اللبنانيين".
أتابع دائماً أعمال شربل في معهد سيدة لبنان، وخاصة أعماله المسرحية الفنية، التي تتسم، على الرغم من عدد الطلاب المشتركين، والذي يزيد على 300 طالب وطالبة، بالدقة والنظام في الحركة المسرحية، وفي اداء الأدوار، على الرغم من تداخل الحوار مع الحركة، سواء الحركة الراقصة او الحركة التمثيلية او الغنائية، فشاعرنا يهتم جداً بالبراعم الصغيرة صاحبة الصوت الغنائي الجميل، ويعمل على اعطاء الفرصة للتشجيع، ومن ترى في نفسها المقدرة والرغبة تستمر، وبهذا يكون الشاعر صاحب فضل في ازدهار الاغنية العربية او اللبنانية في أستراليا. كما له السبق في ايجاد "شارع اللبنانيين" كي نعيش ونشاهد ونلمس كل ما يحدث فيه من أحداث تتفاعل مع المجتمع الجديد الذي يعيشه سكان الشارع في أستراليا.
يُظهر شربل في المشهد رقصة اسمها "مكارينا"، فنرى الرجال والنساء يرقصونها في الشارع، ويغنون الأغنية باللغة العربية بكلمات تحمل الغمز واللمز حول تقليدنا الأعمى لما نرى ونشاهد.
ولا بد في شارع مثل هذا أن نجد الشخصية القيادية الانتهازية التي يصورها لنا شربل في شخصية طنوس التنكليزي، الذي يرشح نفسه في الإنتخابات، أي انتخابات، المهم أن يرشح نفسه ويطلب من أعوانه مساعدته في إرغام أهل الشارع للتصويت له لا لسواه.
بائع الذرة، الذي يشترك مع أهل الشارع في كل الأحداث له شخصية مميزة، تشعر بها وتقول لنفسك: هذا ليس بائع ذرة، لا بد من انه شخصية ذات أهمية، ولكنك لا تستطيع أن تضع اصبعك على حقيقة هذه الشخصية.. كل الذي تفكر به هو مجرد احساس وشعور.
يعمل طنوس التنكليزي على ارغام بائع الذرة كي يشترك معه في بيع الممنوعات، فيوافق البائع، وننتقل من مشهد الى مشهد ونضحك ولا نعرف اننا نضحك على انفسنا، وليس على ما يقوم به هؤلاء الصغار من اداء متقن. نحن.. نحن الكبار نأتي بمثل هذه التصرفات التي يمثلها ويجسدها لنا الصغار، وبعد أن نرجع الى بيوتنا، ننسى ما شاهدناه في المسرحية، فنذهب باعداد كبيرة الى المطار لتوديع مسافر واحد، او لاستقبال مسافر آخر أتى من بلادنا، فيزدحم المطار، بينما نحن نفتخر بتماسكنا وحبنا لبعضنا البعض وقيامنا بالواجب.
أجمل مشهد هو مشهد زفّة العروس.. فرح بحق وحقيق، وعريس يسير مع عروسه جنباً الى جنب، ووالدة العروس بأناقتها، ووالدة العريس تحاول تقليدها. "الردح" الاصيل على المسرح من طلبة لم يذهبوا الى لبنان، ولم يعيشوا الحياة اللبنانية كما هي في لبنان، ولكن شربل يعلمهم ويدربهم على "الردح" المضبوط.. لا "ردح" عوالم شارع محمد علي في مصر.
ونضحك، ونظل نضحك، حتى أن زوجتي علا صوت ضحكها أكثر من الحاضرين، حتى اغرورقت عيناها بالدموع، وضاع نفسها من كثرة الضحك. ونعود ونتذكر أننا نحن الذين يقلدنا الطلاب على المسرح بعصا شربل بعيني السحرية.
ويأتي وقت الانتخابات، ويخرج أهل الشارع حاملين صور طنوس التنكليزي، وهم ينادون: لا للإجرام، لا للبطالة، ولا للمخدرات، وتقع المواجهة بين المرشح وبائع الذرة، حول هذه اللاءات، ويصدق حسّنا وندرك أن بائع الذرة هو رجل بوليس متخفٍ، فيتم القبض على طنّوس المرشح اللبناني عن "شارع اللبنانيين"، ويظهر شاعرنا ومعه الطالبات والطلاب ليقدموا له باقة من الورد، بعد أن قدموا أجمل الورود للأخت ايرين بو غصن رئيسة المعهد.
وقبل أن نغادر الشارع، وقف سيادة المطران يوسف حتي السامي الاحترام، وألقى كلمة شكر فيها راهبات العائلة المقدسة بمدرسة سيدة لبنان في هاريس بارك، موضحاً ان هذه المدرسة تعتبر أكبر وأهم مدرسة مارونية في بلاد الاغتراب، اذ بها ما يقارب 1100 تلميذة وتلميذ، وقد قدم شكره للأخت الرئيسة ايرين بو غصن، وللأخوات الراهبات، كما شكر الشاعر الكبير شربل بعيني مؤلف ومخرج هذه المسرحية.
وختم كلمته بهذه العبارة الموجعة: لبناننا المفدى الجريح المعذب، سيظل جميلاً رغم كل عذاباته" وطالب بجلاء الجيوش الاجنبية عن لبنان.
شربل.. أهنئك من كل قلبي على تهكمك الفاضح الصريح، سواء في مشاهد الرقص او الانتخابات او الزواج او الاعلام، او في الحياة اليومية العادية التي يعيشها اللبناني والعربي في أستراليا.. والى عمل آخر نقف فيه عراة أمام أنفسنا لنسرع بسترها بغطاء العمل الشريف الحر.
الهيرالد ـ العدد 57 ـ 5/9/1997
**
شربل بعيني: هندي من لبنان
مساء يوم الجمعة الماضي، وعلى مدار ساعتين، استمتعنا بالمسرحية الخامسة في المهجر، لشاعرنا شربل بعيني، وقبل أن أتحدث عن المسرحية، أحب أن أتوجّه بالشكر والامتنان الى الاخت الرئيسة كونستانس الباشا وجميع الراهبات المحترمات المشرفات على مدرسة سيدة لبنان ـ هاريس بارك، والشكر والامتنان ليسا للدعوة التي وجهت الينا، بل للعمل الجاد المخلص برعايتهم لابناء الجالية في المهجر. هذه الرعاية التربوية التي ظهرت ثمارها واضحة في العمل المسرحي الذي قدّم يوم الجمعة الماضي، وقد شرّف الحفل سيادة المطران يوسف حتي السامي الاحترام، وسعادة قنصل لبنان العام في سيدني الاستاذ سليمان الراسي والسيدة عقيلته.
أما عن شاعرنا شربل بعيني، فلا تندهش أخي لاختياري "هندي من لبنان" كعنوان، لأنني يا شربل عشت مشاعرك وانتفاضاتك وأحلامك وأمانيك من خلال هذه المسرحية، أو تقريباً، من خلال معظم أعمالك وكتاباتك، وسبب هذا الاختيار، يا أخي الحبيب، هو ان الدعوة التي أرسلتها عبر مسرحيتك ليست لمن في البرازيل، وضياع اللبنانيين في الأمازون، واختلاطهم مع الهنود هناك. انه الضياع الذي تعانيه الجالية اللبنانية هنا في أستراليا، وليست الجالية اللبنانية وحدها الضائعة وسط غابات الحياة في المهجر، بل كل الجاليات الإثنية عامة، والعربية خاصة.. وأستطيع أن اطلق مجازاً "هنود من مصر" و"هنود من العراق" و"هنود من سوريا" و"هنود من الأردن" الى آخره.
جئنا لنعيش في هذه البلاد، وكل مشاعرنا ما زالت في داخلنا لأوطاننا الأم، التي تركناها لعدم قدرتنا على التكيّف مع العفن الموجود في مجتمعاتنا وحياتنا الاجتماعية والادارية وطرق الحكم القديمة البالية.
اختلطنا بالهنود، علمناهم وتعلمنا منهم، أثّرنا فيهم بثقافتنا وحضارتنا، ومع ذلك وُجد بيننا من أخذنا الى كل ما تركناه وادرنا له ظهرنا، وهذه حقيقة موجودة لا يمكن إنكارها، فحدث التمزق والاختلاف في كل ما يجب ان نعمله: أنحب الهنود؟ أنتعايش معهم؟ أم نريد لأنفسنا مجتمعاً مستقلاً بعيداً عن الهنود؟ على الرغم من وجودنا بينهم ومعهم، ولا مفر من حتمية الالتحام والعيش في وئام، والعمل من أجل دفع عجلة هذا المجتمع الى الأمام، دون أن ننسى أوطاننا، أو أن ننكر جميلها. الزعامة تظهر لتقتلنا وتعمل على تفرقة شملنا، وجعل سرطان الانقسام يتفشّى بنا.
لكن، هل نُترك لنعيش ما يريد لنا شربل أن نعيش؟ لا يا أخي.. لن يتركونا نعيش ونلتحم ونحب ونتزاوج، انهم يقتلونا الحب فينا، ويذبحونه في واضحة النهار، ويلعنونه، ويعتبرون كل من يحب أياً من الهنود خارجاً عليهم ويحل دمه، وهذا ما فعلته في مسرحيتك من قتل الحبيبين.
مأساة نعيشها كل يوم، وكم أتمنى لو كانت هذه المسرحية قد سجلت للإذاعة، وأذيعت على حلقات بدلاً من الكثير من البرامج التي قِلّتها لن تجعلنا نأسف عليها، وأيضاً كم كنت أتمنى من تلفزيون "أس بي أس" الحضور وتسجيل المسرحية، وتقديمها في سهرة من السهرات التي كثيراً لا نجد أنفسنا حضوراً بها. لكن الذي يحيّرني يا أخي شربل، وجود إذاعة اثنية وتلفزيون اثني لمن؟ ولماذا؟ وما الهدف منهما؟ ليس هنا المجال للحديث عنهما، ولكني أعدك بالحديث عن كليهما او على الأقل عن الاذاعة الاثنية وبرنامجنا العربي على وجه خاص.
والآن، عزيزي القارىء، سأنقل لك بعضاً من المشاهد التي قام بها الأطفال في تلك المسرحية:
1ـ الرقص الهندي رائع مع الموسيقى، يعطي الايحاء بأنهم هنود. كما أن صعود الهنود الى المسرح من بين الجمهور، له تغيير مسرحي فنّي يؤخذ به في كثير من المسرحيات الحديثة لأنه يربط المشاهد بالممثل.
2ـ الطفل الذي حاول أن يضبط الميكرفون ليتناسب مع طوله، دون أن يتوقف عن أداء دوره. انها حركة قوية من طفل كله ثقة بنفسه ويعرف ما يفعل.
3ـ دخول الطفلة "ريما الياس" في لحظة الصلاة، واغنية "غريبة"، وحركة الاطفال على المسرح التي تعبّر عن الحزن للفراق، ونداء "يا شمس المحبه ضوّي"، وهذا ما نحتاجه: ضوء شمس المحبة.
4ـ الأغنية الهندية، وقدرة الطفلة "كوليت ساسين" على الاداء المقنع بأنها هي التي تغنّي، والحركة المنسجمة مع الغناء.
5ـ الحوار الذي يقول ان الفتاة الهندية كافرة، والرد عليه بسؤال عن الذين قتلوا وخرّبوا ماذا نقول عنهم؟ حقيقة.. ماذا نقول عنهم!؟.
6ـ أغنية "ماكو" التي غنّاها الطفل "انطوني سعد"، أجمل ما فيها عبارة "التاريخ مثل راس البطيخ أحمر"، وبالطبع فهذا يرمز الى الدم الذي به يُكتب التاريخ.
7ـ "جايي عيدي" أغنية استعراضية للطفلة "ريما الياس". اني اتحدى بك يا "ريما" أي مطرب في المهجر يستطيع أن يقدم هذا الغناء الاستعراضي الراقص. لقد كنت رائعة في غنائك وفي رقصك الاستعراضي المعبّر على المسرح.
8ـ "بليندا ديب" وتمثيلها دور المرأة العجوز رائع، وايضاً اداؤها اغنية "انا اكبر ضحيه".
9ـ المشهد الأخير للحبيبين كيركي الهندية وسليمان اللبناني "كوليت ساسين وجورج بو ناصيف"، اتحدى بهما ايضاً كثيرين من مدعي الفن التمثيلي والقدرة على التعبير بالحركة والكلمة. لقد اغرورقت أعيننا بالدموع، وانتما تسقطان جثتين هامدتين.
10ـ اما في الختام فكانت أغنية "لا تمنعوني حب" أكثر من رائعة، تخيّل معي عزيزي القارىء هذا المشهد: حبيبان ملقيان على الأرض و"ريما" تغني حزناً على موتهما، وتطالب بحرية الحب.. تمسك شعر الفتاة الهندية الناعم الطويل، تمشطه والتعبير الحزين على وجهها والدمع في عينيها. هل نجد اعظم من هذا؟ لا أظن.
يا مدّعي الفن تعالوا وشاهدوا وتعلّموا، ولا تدّعوا ما ليس فيكم.
شربل والمسؤولون بالمدرسة أتمنى منهم ان يعطونا أكثر من عمل واحد في العام.
أتمنى أيضاً أن تعطونا شيئاً آخر يتحدث عنا هنا وعن مشاكلنا فقط، دون الاشارة الى الوطن الأم. اننا نعيش في مجتمع يجب ان نظهر ذواتنا فيه، بكل حسناتها وسيئاتها.
شكراً لكم جميعاً، يا من شاركتم في تقديم هذا العمل الرائع، وشكراً جزيلاً لراهبات العائلة المقدسة في مدرسة سيدة لبنان ـ هاريس بارك. وشكراً للأستاذين مجدي بولس وادغار بازرجي على الالحان الموسيقية المعبّرة.
البيرق ـ العدد 360 ـ 27/6/1991
**
تلاميذ مدرسة سيدة لبنان في مسرحية "ضيعة الأشباح"
أقامت مدرسة سيدة لبنان ـ هاريس بارك الحفل التكريمي لمناسبة اليوبيل الفضي للأختين كونستانس باشا ومادلين بو رجيلي، وذلك بتقديم مسرحية "ضيعة الاشباح" بقاعة الكنيسة، والمسرحية من تأليف وإخراج الشاعر الاستاذ شربل بعيني.
قام بتمثيل هذه المسرحية حوالي ثلاثمائة طفل وطفلة من تلاميذ المدرسة، وللقارىء أن يتخيّل عملاً مسرحياً لمدة ساعتين تقريباً يقوم به هؤلاء الأطفال الذين لا تتراوح أعمارهم العاشرة، مع بعض الاستثناءات لما يقرب من 4 تلاميذ في الثانية عشرة من العمر، ومع ذلك، وبالرغم من هذا العدد الهائل من الاطفال، شعرت كما شعر الجميع بدقة العمل وقوّته ومهارته في تنقل الأطفال بين ثلاثة ميكروفونات في تناسق وحركة المرة الواحدة على الأقل. وان دل هذا على شيء، فانما يدل على العلاقة الجيدة بين الاطفال ومدرسهم، انها علاقة قائمة على الود والمحبة والفهم المتبادل، والايمان بالعمل الذي يقومون به جميعاً.
منذ اللحظة التي ظهر فيها الاطفال على المسرحفي زي الأشباح حتى نهاية المسرحية، لو أردت عزيزي القارىء ان انقل اليك صورة تفصيلية موضحة، اعتقد ان القلم سيخونني لكثرة اللوحات الرائعة التي قدمت.
مثلا لوحة الخوف والذعر من الأشباح الواضح على أهالي الضيعة، ثم الخوف والرعب من الوالي العثماني واتباعه، لا يقل عن الخوف من الأشباح، والفارق ان الخوف من الوالي يجد من يداهنه ويتملقه ويتقرّب اليه حتى يتقي شرّه، وعلى الرغم من هذا الشعور السائد بين أهل الضيعة، يأتي من يقول لهم عن الوالي والاشباح:
ـ ايمانكم ببلادكم بيحميكم..
نعم، الايمان يصنع المعجزات، ان كان هذا يتعلق بقضية انسان عادي بريء، ظلمته الحياة والناس، فما بالنا بوطن ظلمه الاستعمار على مدى أجيال وأجيال، والآن يظلمه الاستعمار بأيدي أبنائه الذين لا يعرفون لماذا يقاتلون: أهو الدين؟ لا اظن.. بل هو الحكم والسيادة.
أوضح شاعرنا وفيلسوفنا شربل بعيني عن الدين في لوحة أخرى، جاءت بعد ذلك في وحدة الهلال والصليب، في تزاوج علماني صحبته موسيقى تصويرية لصوت أجراس الكنائس وآذان المؤذن. اقول ان شربل اوضح ان الهلال لا يستطيع ان يطرد الشبح لوحده ما لم يتعانق ويتكاتف مع الصليب، صحيح ان "بو يوسف" المسيحي لم يصدق "أم يوسف" المسلمة ان في البيت شبح، ولكنه عندما رآه حاول أن يطرده بصليبه ولكنه فشل، فاستعان بهلال زوجته، وتمكنا من طرد الشبح، شبح الحرب والموت والخراب.. وبرأيي فإن هذا المشهد هو مفتاح حل القضية: قضية لبنان.
لوحة أخرى أعجبتي وهي لوحة رقص الأطفال عندما كانوا يرتجفون ويرتعشون ويغنون "هدّي يا ركابي هدّي".. انها لوحة فنية رائعة أدى فيها الأطفال أدوارهم بتناشق وفهم وتعاون كبير.
أيضاً، لوحة الأطفال المشردين، وقد خرجت من بينهم الطفلة المعجزة ريما الياس، بعد أن أضناهم الجوع والبرد والعري، لتغني لنا أغنية My little prayer ، من كلمات وألحان الاستاذ ريمون ابي عرّاج. هذه المرة سمعتها مع الموسيقى، فأخذ جسدي يرتعش والدمع يترقرق عينيّ وعيون الحاضرين.
قالت لي ابنتي التي حضرت المسرحية مع ابنتها الطفلة: "أنا حزينة جداً على بلد تبكي من اجله الطفلة ريما وهي تقول:
I love you Lebanon
Please don't die Lebanon
ما أحلى هذه ألأغنية كلمة ولحناً، فألف شكر أخي ريمون على هذا العمل المعبّر المبدع الجميل، ولم تظهر هذه الأغنية براعة مؤلفها وملحنها والتي غنّتها فحسب، بل أظهرت أيضاً براعة مخرجها الذي أخبرنا بمهارة فائقة، ان اطفال لبنان، حتى ولو تكلموا الانكليزية، لم تنسَ قلوبهم لبنان، بل ظل فيها الحب والوفاء له.
تتوالى اللوحات، ونسعد بمشاهدة وسماع عدة أغنيات من تأليف الشاعر شربل بعيني، مثل "جنوبية" من تلحين الاستاذ ادغار بازرجي، و "جايي انت جايي" من تلحين السيدة وفاء صدقي.. وقد قام بالتوزيع الموسيقي الفنان مجدي بولس.
ومن أجمل المناظر الخلفية لأغنية "جايي" ظهور العلم اللبناني مرفرفاً، يحمله أحد الأطفال، وكأنه يبشّر بعودة السلام الى ربوع لبنان.
يبدو أن السلام سوف يأتي يا أخي شربل عن طريق الأطفال. لذلك فإن طريقك سيكون وعراً، لكن إيماني بمقدرتك على تحمل الصعاب من أجل ايقاف سفك الدماء، وعودة البسمة الى ثغور الأطفال، تزرع في نفسي ألأمل.
كلمة أخيرة، أرجوا أن تعيدوا تمثيل لوحة الأطفال المشردين مع الأغنية، أمام جميع محطات التلفزيون، وخاصة "إس بي إس"، لتصل الرسالة الى قلب كل انسان في أستراليا والعالم. ونحن بانتظار أعمال أخرى ناجحة بهمتك وهمة كل طفل تعاون معك.
البيرق ـ العدد 221 ـ 6 تموز 1990
**