**
الدنيا هيك.. حتى ونحن أحياء
حقاً ان "الدنيا هيك" وإلا لما كانت الأمور تُقلب رأساً على عقب، وتُقوّل الناس ما لم تفعل.
كان قد ورد في زاوية "الدنيا هيك" أن الجالية العربية عرفت عادة توقيع الكتب من خلال الاديب جاد الحاج.
ولما لم يكن هذا القول مطابقاً للواقع، فقد رأينا أن من الأمانة أن نصحح هذه المعلومات، وكان ذلك في الندوة التي أقامتها رابطة إحياء التراث العربي في 26/1/1992، احتفاء بصدور كتابيْ "مناجاة علي" للشاعر شربل بعيني، و"نجاة في رحلة مع القلم" للصحافي رودولف أبو خاطر والدكتور أنيس مرسي.
وجاء في كلمة الرابطة: "أراني مضطراً أن أصحح ما جاء على لسان أحد الكتاب في إحد الصحف المحلية حيث قال إن عادة توقيع الكتب عرفتها الجالية العربية من خلال أديب معيّن. لكن الكاتب وإن تناسى حفلات توقيع الكتب التي أقامتها الرابطة، فليس من الأمانة أن يتناسى أن توقيع ذلك الكتاب بالذات جرى أيضاً في إحدى نشاطات الرابطة، فحبذا لو أننا قبل أن نطلق الأحكام في أمر ما نشبعه درساً وبحثاً ذلك أن الكلمة التي تنشر أو تقال وتذاع تسجل على صاحبها. وقد تستطيع أن تنافق مع الحقيقة والواقع أن تخدع الى حين ولكن ليس كل حين.
وتشاء الصدف أن أحتاج إلى مراجعة كتاب معيّن كان قد استعاره الاستاذ مسلماني مني مع كتابين آخرين، فاتصلت به أستعجله رد الكتاب للضرورة المذكورة، وأفاجأ به يعاتبني عتاباً مريراً ويقول: ولو صرت بنظركم أحدهم. وأوضحت للأستاذ مسلماني ما قلت في الندوة، ورددت له العبارة بالحرف، وذكرت له إن أول كتاب عربي وقّع في أستراليا كان ديوان "الغربة الطويلة" للشاعر شربل بعيني في إحدى ندوات رابطة إحياء التراث العربي، كما وأن الرابطة اشتركت بحفل توقيع كتاب "شربل بعيني بأقلامهم" للأستاذ كلارك بعيني في ملبورن، وكان لي شرف تمثيل الرابطة في ذلك الاحتفال. وكذلك وقّع الشاعر نعيم خوري ديوانه في إحدى ندوات الرابطة. حتى توقيع "الأخضر واليابس" كان في أمسية من الأمسيات التي أقامتها رابطة إحياء التراث العربي.
وعلل الاستاذ مسلماني قوله بأنه كان يشير الى توقيع كتاب "دارج"، فأوضحنا له أن توقيع "الأخضر واليابس" كان قبل صدور "دارج" بأكثر من عام.
ويبدو أن الأستاذ مسلماني، بالرغم مما أوضحت له عبر المكالمة الهاتفية المذكورة، أراد أن يضيف إلى الخطأ خطأ آخر، فهو وإن كان لم يحضر شخصياً الندوة المذكورة آنفاً، واكتفى بحضورها بالضمير الغائب ـ إعرابياً ـ فلست أدري بأي الضمائر ـ الإعرابية ـ قد استمع الى ما قلت له عبر الهاتف حيث فاجأنا "بتصويب" أقل ما يقال فيه أنه أسوأ من الخطأ المذكور. حيث جاء في "تصويبه" في زاوية "الدنيا هيك" في العدد 738، في جريدة النهار الغراء الصادر الخميس 20 شباط 1992:
" ورد سابقاً في زاوية "الدنيا هيك" أن الأديب جاد الحاج هو أول من قدّم فكرة حفل "توقيع كتاب" في أستراليا، عندما قام بتوقيع كتابه "دارج" في أشفيلد تحت رعاية التجمّع الثقافي اللبناني ـ سيدني.
الاستاذ كامل المر رئيس رابطة إحياء التراث العربي يرى غير ذلك قائلاً إن أول حفل توقيع كتاب أقامته رابطة إحياء التراث العربي ـ أستراليا وليس غيرها.
والمصادفة أنها أقامت حفل التوقيع بمناسبة صدور رواية "الأخضر واليابس" التي كتبها أيضاً الاستاذ جاد الحاج.
يبقى أن التصويب لم يتم عبر اتصال هاتفي أو شخصي بكاتب "الدنيا هيك" الذي يرحب ممنوناً بكل معلومة تصل لديه. إذ ارتأى الاستاذ المر أن يعلن ذلك بمناسبة أدبية أقامتها الرابطة احتفاء بصدور كتابين جديدين للشاعر شربل بعيني ـ سيدني، والأديبة نجاة فخري مرسي ـ مالبورن.
"الدنيا هيك" تلفت إلى أن ما يرد فيها ليس في عصمة بل قابل للنقض أو التصحيح على أن يكون ذلك بروح الزمالة والمحبة.. والإفادة من وراء القصد.
إلى هنا انتهى كلام الاستاذ مسلماني الذي احتوى مرة أخرى خطأ أعتبره مقصوداً وتحريفاً مقصوداً للحديث الهاتفي الذي لم يذكره الاستاذ مسلماني.
فالرابطة لم تقم حفل توقيع بمناسبة صدور "الأخضر واليابس"، والمناسبة كانت توزيع جائزة جبران على مستحقّيها للعام 1987، وبناء على طلب بعض الأصدقاء وافقت الرابطة على إدخال عرض كتاب "الأخضر واليابس" على البرنامج رغم معارضتي.
وفي ردّه على رسالة الشاعر شربل بعيني في زاوية "الدنيا هيك" في جريدة النهار الغراء العدد 740 الصادر في 5/3/92، أصرّ الاستاذ مسلماني على الخطأ ذاته، وأضاف الى ذلك أن قوّلنا ما لم نقل، ونحن ما زلنا أحياء، فكيف لو احتوانا القبر، حيث جاء على لسانه:
"وسبق أن نشرت أيضاً رد الاستاذ كامل المر الذي يقول فيه إن أول "حفل توقيع" هو من صنع رابطة إحياء التراث العربي وليس غيرها، ذلك عندما وقّعت كتاب "الأخضر واليابس" الذي صدف أن كان لجاد الحاج أيضاً".
لماذا يصرّ الاستاذ مسلماني على ارتكاب الخطأ ذاته أكثر من مرّة؟ في الحقيقة لست أدري. ربما كان السبب في أنه يريد أن يرد لجاد الحاج، الذي قال ان شوقي مسلماني مشروع شاعر، جميله. فأساء الى نفسه والى الآخرين.
وتبقى الحقيقة ان أول كتاب عربي وقّع في أستراليا هو ديوان "الغربة الطويلة" للشاعر شربل بعيني العام 85، ثم تلاه توقيع كتاب "شربل بعيني بأقلامهم" للاستاذ كلارك بعيني، وديوان "قال صنين" للشاعر نعيم خوري العام 86، خلافاً لما يريد الاستاذ مسلماني، متوافقاً مع الحقيقة والواقع، لأن المحبة التي لا تستند الى الحقيقة هي محبة زائفة.
النهار، العدد 741، 12/3/1992
**
تكريم شربل بعيني في السفارة اللبنانية
أصحاب السعادة
إن صحّ لي أن أتقدّم اخواني الشعراء بالكلام، فلأشكرنّ سعادة سفير لبنان الأستاذ لطيف ابو الحسن، أولاً لأنه أعاد السفارة اللبنانية كما يجب أن تكون بيتاً لكل اللبنانيين، وثانياً على إتاحة هذه الفرصة لنا، فرصة اللقاء بكم، بمناسبة تكريم الشاعر شربل بعيني، وثالثاً على هذه الالتفاتة الكريمة بتكريم واحد من طليعة شعرائنا في المهجر الأسترالي الذين بهم نفتخر ونعتز.
واننا اذ ننتهز فرصة لقائنا بكم، فإننا نحملكم رسالة شعراء وأدباء المهجر في أستراليا الى الوطن الأم، بمختلف أقطاره التي تمثلون، رسالة الحرية، ولاسيما حرية الفكر والرأي، التي بدونها لا تبنى الأوطان ولا تصان، ولا تزدهر، فكيف اذا كانت أقطارنا مهددة من أكثر من مصدر أو جهة.
واننا إذ ننتهز هذه الفرصة ايضاً، لنحيي العراق الباسل، الذي يقف بوجه الأطماع بالوطن العربي، تلك الأطماع التي تتقنّع بقناع طائفي أصولي، نؤكد أن الطائفية مرض من شأنه ان استشرى ان يفتّت الوطن العربي بأكمله، ولعلّ ما أصاب لبناننا الحبيب من تشلّع، حيث ألبست أحداثه في فترة ما لبوس الطائفية، أبلغ نذير لما يمكن أن يحل بكل أقطار العرب، اذا ظلت الموجة الطائفية المذهبية تعيث فساداً دون ان تجد المقاومة اللازمة، ودون أن يرفد العراق الباسل بكل دعم عربي.
واذا ما عرفنا ان الموجة الخبيثة في حربها الشرسة ضد العراق الباسل، تتلقى المساعدات من اسرائيل، وان الاثنتين تتلقيان دعماً أميركياً غير محدود، تأكد لنا عندئذ اننا نواجه عدواً واحداً على جبهتين مختلفتين، وبلبوسين مختلفين.
مرة أخرى أشكر لسعادة سفير لبنان اتاحته هذه الفرصة لنا للاجتماع بكم، ونشكر له التفاتته الكريمة لتكريم واحد من شعراء المهجر، عنينا به الشاعر شربل بعيني، الذي اشترك مؤخراً بمربد الشعر في العراق، فهزّ المربد بصدق كلمته، وسترون ذلك بأنفسكم عندما تستمعون لقصيدته المربدية.
وشكراً لكم.
السفارة اللبنانية، كانبرا، 1987
**
من المحرر
منذ فترة غير وجيزة ونحن نلاحظ ان بعض الكتبة "الموقرين" يشنون الغارة تلو الغارة على أدب الآخرين فيسرقون منه ما تيسر، وينشرونه بأسمائهم "الموقرة"، ومع انه لا يصعب على القارىء البسيط أن يميّز في المقال الواحد، او القصيدة الواحدة، بين ما هو منقول، وما هو غير منقول، فقد أحجمنا عن التعليق على تلك الموضوعات، لأن الوقت لم يسنح لنا للتفتيش عن المصادر التي نقلوا عنها، ويبدو ان ذلك قد دفع بالبعض لسرقة مقطوعات كاملة عملوا فيها بعض التهشيم، ثم نشروها بأسمائهم "الموقرة"، وكانت القمة في مثل هذا العمل "الأخلاقي جداً" سرقة قصيدة "خالد كحّول" للشاعر المعروف شربل بعيني، وتشويه بعض كلماتها مما أساء الى معناها ومبناها، ثم نشرها في احدى الزميلات بعنوان "لبنان" وبتوقيع ج.ق، ومهداة الى العميد الركن "......" الذي يزور أوستراليا حالياً.
كان يمكن "لجيم قاف" ان يستأذن الشاعر صاحب القصيدة، وأن يهديها كما هي الى العميد الركن. أما ان ينشر هذا "الجيم قاف" القصيدة باسمه، فذلك يعرّضه للملاحقة القانونية من الشاعر نفسه، ومنا أيضاً كناشرين.
والقصيدة المذكورة قد نشرت في كتاب "مجانين" للشاعر بعيني في طبعته الأولى 1976، وفي طبعته الثانية سنة 1986، الصادرة عن دارنا، دار الثقافة للطباعة والنشر.
كان بودنا أن ننشر القصيدة بنصيها الصحيح كما هي في "مجانين" والمشوّه كما نشرت بتوقيع "ج.ق" لكن النص المشوّه صدر والمجلة تحت الطبع، فكان ان استبدلنا كلمة "السلام" بمناسبة السنة الدولية للسلام، لنتمكن من نشر هذا التنبيه والتحذير.
الوفاق، العددان التاسع والعاشر، 1987
**
تكريم شربل بعيني في السفارة اللبنانية
أصحاب السعادة
إن صحّ لي أن أتقدّم اخواني الشعراء بالكلام، فلأشكرنّ سعادة سفير لبنان الأستاذ لطيف ابو الحسن، أولاً لأنه أعاد السفارة اللبنانية كما يجب أن تكون بيتاً لكل اللبنانيين، وثانياً على إتاحة هذه الفرصة لنا، فرصة اللقاء بكم، بمناسبة تكريم الشاعر شربل بعيني، وثالثاً على هذه الالتفاتة الكريمة بتكريم واحد من طليعة شعرائنا في المهجر الأسترالي الذين بهم نفتخر ونعتز.
واننا اذ ننتهز فرصة لقائنا بكم، فإننا نحملكم رسالة شعراء وأدباء المهجر في أستراليا الى الوطن الأم، بمختلف أقطاره التي تمثلون، رسالة الحرية، ولاسيما حرية الفكر والرأي، التي بدونها لا تبنى الأوطان ولا تصان، ولا تزدهر، فكيف اذا كانت أقطارنا مهددة من أكثر من مصدر أو جهة.
واننا إذ ننتهز هذه الفرصة ايضاً، لنحيي العراق الباسل، الذي يقف بوجه الأطماع بالوطن العربي، تلك الأطماع التي تتقنّع بقناع طائفي أصولي، نؤكد أن الطائفية مرض من شأنه ان استشرى ان يفتّت الوطن العربي بأكمله، ولعلّ ما أصاب لبناننا الحبيب من تشلّع، حيث ألبست أحداثه في فترة ما لبوس الطائفية، أبلغ نذير لما يمكن أن يحل بكل أقطار العرب، اذا ظلت الموجة الطائفية المذهبية تعيث فساداً دون ان تجد المقاومة اللازمة، ودون أن يرفد العراق الباسل بكل دعم عربي.
واذا ما عرفنا ان الموجة الخبيثة في حربها الشرسة ضد العراق الباسل، تتلقى المساعدات من اسرائيل، وان الاثنتين تتلقيان دعماً أميركياً غير محدود، تأكد لنا عندئذ اننا نواجه عدواً واحداً على جبهتين مختلفتين، وبلبوسين مختلفين.
مرة أخرى أشكر لسعادة سفير لبنان اتاحته هذه الفرصة لنا للاجتماع بكم، ونشكر له التفاتته الكريمة لتكريم واحد من شعراء المهجر، عنينا به الشاعر شربل بعيني، الذي اشترك مؤخراً بمربد الشعر في العراق، فهزّ المربد بصدق كلمته، وسترون ذلك بأنفسكم عندما تستمعون لقصيدته المربدية.
وشكراً لكم.
السفارة اللبنانية، كانبرا، 1987
**
من المحرر
منذ فترة غير وجيزة ونحن نلاحظ ان بعض الكتبة "الموقرين" يشنون الغارة تلو الغارة على أدب الآخرين فيسرقون منه ما تيسر، وينشرونه بأسمائهم "الموقرة"، ومع انه لا يصعب على القارىء البسيط أن يميّز في المقال الواحد، او القصيدة الواحدة، بين ما هو منقول، وما هو غير منقول، فقد أحجمنا عن التعليق على تلك الموضوعات، لأن الوقت لم يسنح لنا للتفتيش عن المصادر التي نقلوا عنها، ويبدو ان ذلك قد دفع بالبعض لسرقة مقطوعات كاملة عملوا فيها بعض التهشيم، ثم نشروها بأسمائهم "الموقرة"، وكانت القمة في مثل هذا العمل "الأخلاقي جداً" سرقة قصيدة "خالد كحّول" للشاعر المعروف شربل بعيني، وتشويه بعض كلماتها مما أساء الى معناها ومبناها، ثم نشرها في احدى الزميلات بعنوان "لبنان" وبتوقيع ج.ق، ومهداة الى العميد الركن "......" الذي يزور أوستراليا حالياً.
كان يمكن "لجيم قاف" ان يستأذن الشاعر صاحب القصيدة، وأن يهديها كما هي الى العميد الركن. أما ان ينشر هذا "الجيم قاف" القصيدة باسمه، فذلك يعرّضه للملاحقة القانونية من الشاعر نفسه، ومنا أيضاً كناشرين.
والقصيدة المذكورة قد نشرت في كتاب "مجانين" للشاعر بعيني في طبعته الأولى 1976، وفي طبعته الثانية سنة 1986، الصادرة عن دارنا، دار الثقافة للطباعة والنشر.
كان بودنا أن ننشر القصيدة بنصيها الصحيح كما هي في "مجانين" والمشوّه كما نشرت بتوقيع "ج.ق" لكن النص المشوّه صدر والمجلة تحت الطبع، فكان ان استبدلنا كلمة "السلام" بمناسبة السنة الدولية للسلام، لنتمكن من نشر هذا التنبيه والتحذير.
الوفاق، العددان التاسع والعاشر، 1987
**
فصول من الحرب اللبنانية: مسرحية رحبانية المنهج
كانت الجالية اللبنانية في الثالث من تموز الجاري على موعد مع تلامذة مدرسة راهبات العائلة المقدسة على مسرح كنيسة سيدة لبنان، حيث قدمت مسرحية "فصول من الحرب اللبنانية"، كتبها وأخرجها الاستاذ الشاعر شربل بعيني، وقام بتمثيلها حوالي 340 طالباً وطالبة من مدرسة سيدة لبنان.
340 طالباً وطالبة تتراوح أعمارهم بين السابعة والثالثة عشر، يشتركون بمسرحية، ولكل طالب أو طالبة دور محدد يؤديه بدقة. انه بالفعل لعمل رائع مدهش لا يتجرأ أن يقدم عليه إلا من كان مثل الاستاذ الشاعر شربل بعيني واثقاً من قدرة طلابه .. واثقاً من قدرته على العطاء.. وواثقاً برسالة انسانية يؤديها عبر المسرح، او عبر المدرسة، او عبر الكتاب. وإدارة المدرسة لا يمكن أن توافق على مثل هذا العمل ما لم تكن واثقة كل الثقة بمقدرة الاستاذ بعيني على انجاز مثل هذا العمل الرائع.
تربطني بالاستاذ الشاعر شربل بعيني صداقة حميمة لبنتها الكلمة، وأساسها الفكر، والصديق مخزن أسرار صديقه، أو ملجأ شكواه عند الشدة والتعب. وقد اعتاد الصديق شربل بعيني وهو عائد من المدرسة أن يمرّ بي في مركز عملي مؤكداً ان الصداع الذي يزعجه يومياً لا يتزحزح إلا بعد جدال في مسألة أدبية أو نقاش حول مضمون كلمة في بيت شعر أو ما شابه.
لكن صديقي قاطعني فترة شهر حزيران كلّه تقريباً، فهو لا يمر بنا إلا نادراً، وان فعل يخطف نفسه خطفاً، وكلما سألته ما الخبر؟ أجابني: "فصول من الحرب اللبنانية" تتعبني.. ترهقني. وكثيراً ما كنت ألاحظ عليه انه يعصر ما بين جبينه، وانه يتألم.. فأسأله ما به؟ لكن عبثاً كنت أحاول. فالجواب واحد: "فصول من الحرب اللبنانية" ترهقني.. وكنت في كل مرة اعد نفسي بقصيدة عن الحرب اللبنانية تجود بها قريحته، الى أن فاجأتني دعوة راهبات العائلة المقدسة لحضور مسرحية "فصول من الحرب اللبنانية".
مساء الجمعة الواقع في الثالث من تموز وقبيل الساعة السابعة والنصف بدقائق دخل قاعة كنيسة سيدة لبنان التي كانت تغص بأكثر من 1400 شخص، سعادة قنصل لبنان الاستاذ جيلبير عون محاطاً بالأخوات راهبات العائلة المقدسة المارونيات، وعلى رأسهن الأخت المشيرة الزائرة فيرونا زيادة، ورئيسة دير السيدة الأخت كونستانس باشا. وفي تمام السابعة والنصف تماماً كما هو محدد في البرنامج، بدأ عرض المسرحية بالنشيدين الاوسترالي واللبناني، ثم بدأت المسرحية: مشاهد متتالية، رقصات فلكلورية، أغانٍ معبرة تتناسب والمشهد وترافق كلماتها حركات الأطفال الإيقاعية.
ساعتان من العرض المستمر ننتقل خلالها من مشهد الى مشهد، ومن حالة الى أخرى دون أي فراغ على المسرح. اطفال يؤدون دورهم بكل دقّة مصورين يوميات الحياة اللبنانية ابتداء من ساعة المدرسة مروراً بالانتخابات وانتهاء بحالة الحرب التي بدأت حواجزها تبتلع اللبنانيين الى أية طائفة انتموا، والى أية بقعة من أرض لبنان انتسبوا. ولم ينسَ الشاعر حياة اللبناني في الملجأ أيضاً، أو في المطارات مهاجراً هرباً من جحيم الحرب. كا أنه لم ينسَ أن يشحن نفس المسافر بالحنين الى أرضه التي يهجرها مكرهاً بسبب الظلم والحقد الاسود الذي غزا لبنان من كل حدب وصوب، وسخّر بعض ذوي النفوس الرخيصة من الزعامات لتحقيق غاياته. كما لم ينسَ الشاعر بعيني أن يزرع الأمل بولادة لبنان جديد قوامه الأجيال الطالعة، التي رأت كل عيوب ومساوىء النظام الفاسد والزعامات العفنة.
وإذا كان لا بد لي من ملاحظة حول المسرحية فليس أكثر من أن الشاعر لم يظهر عذاب اللبنانيين في الخارج، أو على ابواب سفارات العالم حيث كانوا يعانون الأمرين في سبيل الحصول على تأشيرة دخول الى بلد ما.
عمل مسرحي من هذا النوع يحتاج الى جهود لا حصر لها، ولا سيما اذا كان ابطال المسرحية وأشخاصها أطفالاً استطاعت الارادة الخيرة منفردة أن تنجزه على أكمل وجه. فنصوص الكلام بسيطة سهلة تتناسب مع اعمار قائليها في شخصية طفل او رجل او امرأة او بك ـ زعيم.
اثناء عرض المسرحية كنت أصغي الى كل همسة او كلمة، وانتبه الى كل حركة ترافق الكلام، ومنذ اللحظة الأولى أدركت كم كان صديقي متعباً حقاً ومرهقاً حتى آخر درجات الإرهاق.
تصور معي، أيها القارىء، كيف يمكن أن يُحقّق عمل مسرحي يشترك فيه أكثر من 340 طالباً وطالبة يتخلله رقص وغناء وحوار ومدته ساعتان فقط؟
ولا أذيع سراً اذا قلت ان شربل بعيني انتهج نهجاً رحبانياً صرفاً في عرض مسرحيته، وما الرجوع الى مسرحيات الاخوين رحباني سوى دليل على ذلك، فهي تحتوي كما "فصول من الحرب اللبنانية" على أغانٍ ودبكات واسكتشات فكاهية مضحكة ولكنها موجهة معبرة تزخر بالمعاناة وبالنقد البناء، بالاضافة الى مشاهد وطنية عديدة.
وأخيراً، لا يسعنا إلا أن نتقدم من الاستاذ بعيني بالتهاني والشكر لهذا العمل الرائع، ولا يسعنا أيضاً إلا أن نحيي راهبات العائلة المقدسة في معهد سيدة لبنان، وعلى رأسهن ألأخت كونستانس باشا، على أعمالهن العديدة ولا سيما بناء هذا الصرح العلمي في أوستراليا، الذي ولا شك سيكون له دور فعال في جمع شتات اللبنانيين، وسيكون أيضاً مفخرة أجيالنا الطالعة.
صدى لبنان ـ العدد 555 ـ 21/7/1987
**