عالم شربل بعيني/ د. لطيف أبو الحسن

سفير لبنان في أستراليا، لقب بسفير الأدب
   كلّما دخلت منزل شربل بعيني تطالعك ظاهرتان تمتلكان فيك القلب والعقل. الظاهرة الأولى، هي تلك الإبتسامة المشعّة على شفاه أهل الدار، المشفوعة بكلمة (يا أهلا وسهلا) الصادرة من القلب. وما هذه الإبتسامة إلاّ مرآة تعكس ذلك الكنز الثـمين من المحبّة والصداقة، الذي يجمعه شربل بعيني وذووه بين حناياهم. تشعر بأنك واحد من أهل البيت، والدة عطوفة أعطت العالـم ما في المحبّة من رونق عندما ولدت شربل بعيني.
والظاهرة الثانية، التي تمتلك حواسك وعقلك، هي ذلك الشعار ـ الرمز المعلّق في أبرز مكان على جدار قاعة الإستقبال، ليراه القاصي والداني، ولو نطق لسمعته يقول: الخلق كلّهم عيال اللـه. إنه رمز وحدة الأديان والطوائف اللبنانية، جمعها شربل في بيته وقلبه وعقله، وجسّدها في مناجاة علي، ونطق بها في مزموره السابع:
دينك ديني.. دين الحبّ
الحبّ اللي بيجمع أكوان
وعلى مبدأ المحبّة، توحّدت الأديان في عالـم شربل بعيني.
في مناجاة علي تلتقي المحبّة والإيمان على مبدأ سمو الأديان، ونبذ التفرقة والتعصّب، فاللـه، كما قال السيّد المسيح، محبّة: (من أقام في المحبّة أقام في اللـه وأقام اللـه فيه)، والشرعة الوحيدة التي يتحتّم على الإنسان أن يعيش بها ولها، كما قال ميخائيل نعيمة، هي شرعة المحبّة، محبّة كل الناس، وكل الكائنات.
فلا عجب، إذاً، ولا غرو أن ينهل شربل بعيني من ينبوع عليّ، يغرف منه ما شاء، ويرتوي من حكمته وطهارته ليؤسّس معه علاقة فكريّة روحيّة، تنطلق من هذه الشرعة السرمديّة، شرعة محبّة كل الناس والكائنات.
عندما يناجي شربل بعيني عليّاً، تشعر بأنك أمام معزوفة موسيقيّة تشابكت فيها تعاليـم الأديان السماويّة بتناغم عذب، تنقلك من محيط الإيمان إلى محيط المحبّة، ومن عالـم الإنسان الأرضي إلى مجرّة الإنسانيّة، وفوق هذا وذاك ينكشف لك بأن (الخلق كلّهم عيال اللـه، أحبّهم إليه أنفعهم لعياله.
مناجاة علي، بالإضافة إلى كونه عملاً أدبياً رائعاً، هو وجه مشرق في حياة شربل بعيني، استحوذ على المزيد من إعجابنا وتقديرنا، إذ أنه تطرّق إلى موضوع يلامس حياتنا الواقعيّة، ويعكس أبهى ما في العلاقات الإجتماعيّة بين مختلف المذاهب من مزايا إنسانيّة وروحيّة، وهو بعمله هذا يعيد إلى ذاكرتنا روائع بولس سلامة وجورج جرداق وغيرهم من الذين عرفوا قدر الإمام علي بن أبي طالب.. وقَدَرَه.
قيمة هذا العمل هي في ذاته، ونزداد انبهاراً به كونه أنتج في المهجر، ليكون نبراساً للأدب المنتشر، وقدوة في التلاحم الديني. إنه رسالة المهجر إلى الوطن، أو بالأحرى، دعوة إلى نبذ العصبيّة الطائفيّة والتعصّب الأعمى، اللذين كادا أن يفتّتا الوطن. إنه رسالة إلى أولئك الذين يأخذون من التعصّب ستاراً، لا بل حصناً يبثّون من ورائه سموم التفرقة، تارة باسم الدين، وطوراً باسم الوطن، والدين والوطن منهم براء.
إبن لبنان البار هو من حمل راية التلاحم والتلاقي والمحبّة والإنصهار. بهذه الأقانيم تبنى الأوطان. فهنيئاً لشربل بعيني بهذا التكريم، وهنيئاً للبنان الواحد الموحّد، وللجالية اللبنانية الواحدة الموحدة، بشربل بعيني.
يوم تكريم شربل بعيني على ديوانه مناجاة علي
**
السفير لطيف ابو الحسن يكرّم شربل بعيني بحضور السلك الدبلوماسي العربي وفعاليات الجالية

مقتطفات من خطاب ألقاه ليلة وداعه
     أشعر، اليوم، أنني في قلب (بتخنيه) وفي قلب (مجدليا) وفي قلب لبنان.. إذ أن هذه العواطف الجياشة جعلتني عاجزاً عن مجاراتكم في اللغة والبلاغة والمعنى والمبنى.
   سأتكلم معكم بلغة القلب.. فأنا أشكركم، كأصدقاء، لأنكم منحتموني صداقتكم التي أفتخر وأعتز بها.. وأشكر الصديق جورج خزامي على بادرته اللطيفة، وأرجو أن يجمعني اللـه به وبكم في ربوع الوطن لنعاود الإحتفال مرات ومرات.
   يطيب لي، وانا محاط بهذه الباقة الفوّاحة من الأصدقاء، أن استرجع ذكريات مرّ عليها اثنا عشر عاماً.. ففي السنة الأولى لوصولنا إلى أستراليا، تكرّم الإستاذ شربل بعيني وأقام لي حفلة استقبال في دارته العامرة.. وأول ما لفت نظري لوحة معلقة في البهو الرئيسي من المنزل، تتضمن شعائر الأديان السماوية كلها، فأكبرت فيه ذلك، وقلت في نفسي انني امام ظاهرة فريدة.. تجسّد لبنان.. تجسّد الإنسانية في لبنان..
   أكبرت فيه هذا الإنفتاح، في زمن أصبح الإنزواء فيه فضيلة..
   أكبرت فيه هذا السمو في تدبيره، وفي مخاطبته لهذه القيم.. فقلت: إنه حقاً رجل صديق وفي صداقته مداميك لبنان.
   وبعد أن تناهى إلى سمعي، بعد سبع أو ثـماني سنوات، انه مارس قناعته فعلاً، قلت لا شك ان هذا الرجل بما يمثّل ويؤمن ويعتقد.. هو تجسيد للقيم والأخلاق اللبنانية، التي يجب أن يبنى الوطن عليها.
   أخي وصديقي شربل.. لقد أكرمتني مرّتين: المرة الأولى عندما منحتني صداقتك، والمرة الثانية عندما نبذت الطائفية قولاً وفعلاً.. وكأني بك توجه رسالة تقول بها: هكذا تبنى الأوطان.
   فالصداقة والوفاء هما من أجمل ما في الوجود.. وأعتبر نفسي من أغنى أغنياء العالـم بصداقتكم، بصداقة العديد من الذين التقيناهم في هذه البلاد، وفي البلاد الأخرى.. وأعتقد أن التديّن والإيمان هما أسمى ما يرتقي إليهما العقل الإنساني.. وإنما التعهر الطائفي والعصبية الدينية هما رذيلتان تهددان الإنسان والوطن. فكم من دولة زالت بسبب حروبها الطائفية.. وكم من مجتمع اضمحلّ بسبب تعصّبه الطائفي.. التاريخ، لا شك، غني بالأمثال.
   إن المواقف التي تجمعنا لن تقوى عليها المسافات.. فإننا نحمل منكم، ومن هذه الجالية عموماً، ومن هذه البلاد أجمل الذكريات.. وإننا نحمل، فوق هذا وذلك، فخر صداقتكم.
   لن ننسى في الأيام العصيبة مواقفكم وتأييدكم لنا، ومساندتكم لمهماتنا وللدولة اللبنانية وللبنان..
   أرجو من اللـه أن يجمعنا جميعاً في أرض الوطن، وأن نلتقي في لبنان، وتأكدوا بأن لكم هناك بيتاً، ولكم شقيقاً وشقيقة.. ونحن على أمل أن تتكرّموا علينا عندما تزورون الوطن بإتصال، ونكون سعداء جداً لو تمكنا من ان نرد هذا الجميل الذي طوّق عنقنا.. وإلى اللقاء.

 ليلة وداعه عام 1997
**
صورة تاريخية تجمع السفير لطيف ابو الحسن وشربل بعيني يوم تكريمه في كانبرا