ـ1ـ
زنبق مجدليّا، السنه، حملان
صارت جنينه تخبّر جنينه
شاعر مجدليّا صبي جهلان
غنّو، تا يكبر شربل بعيني:
يا بيّاع العنب والعنبيّه
قولو لأمّي، وقولو لَبيّي
سرقوني الغجر،
من تحت خيمة مجدليّه
ـ2ـ
ومين قال: بيروحو الغجر؟ مين قال؟
.. وشاعر نسي تاريخ ميلادو
لا سهول حفظت دعستو، ولا جبال،
جوّال، مطرح ما الحلم قادو..
رفيقو بهالرحله الطويله، خيال،
والذكريات الغافيّه زادو،
وعا كلّ تلّه يطلع بموّال،
وبسرير بالو ينيّم ولادو:
يا بيّاع العنب والعنبيّه
قولو لأمي، وقولو لبيّي
قتلني الضجر
واللغات الأجنبيّه!
ـ3ـ
كانت تجي سوزان البعيني
تقلاّ عيون الشعر: يا عيني
ترشرش ع (بحويتا) القوافي، نبيد،
من تـمّ جرّه، ما لِها دَيْنِه
من بعيد بلمح صوتها، من بعيد،
واقف حكم، بين المدى وبيني
سوزان! عم ألّف كتاب جديد
وموعود من شعرك بِـ حلويَنِه،
وغنّي معي بهالعيد:
يا بيّاع العنب والعنبيّه
قولوا لأمي، وقولوا لَبيي
مشتاق الشجر
للطيور العسليِّه!
ـ4ـ
بآخر "مجدليا" في حاجز نار
فرّق ع المفارق فزع أزرق
وجايي أنا، يا طرابلس، مشوار:
ليش المدينه هيك عم تغرق؟
يقلّي الأفندي: مروق! ما إمرق..
وخيال شاعر طل ع المفرق
وغنّي على المفرق:
يا بيّاع العنب والعنبيه
قولو لأمي، وقولو لبيي،
ولنّو شي حجر،
ع الأيادي الأجنبيه
ـ5ـ
.. وبالعيد شو بهديك يا شربل؟
يا ريت بعدي بهاك الحفافي،
بجبلك معي غربال، تا تغربل
وما يضلّ إلاّ قمحك الصافي
ـ6ـ
شربل لا تنسى: انت من لبنان
دمّك، شلوشك، سكرتك كلاّ
واللي بيضيّع نجمة الأوطان
ما فيه يستهدي على ألله!
ـ7ـ
لا بَيْك، لا باشا، انت ل بنيت
قصر الندي، ومشوّب تفيّا
إسمك ندهني، حملت حالي وجيت،
**
بسترينه
ناطِر شربل بعيْني
يبعت لي البستريْنِه:
عصفُوره عيونا حلوين،
وبقسمها بينو وبيني!
**
قنينة شمبانيا
كل ما فتحت قنينة شمبانيا
بتفقع ضحكة شربل بعيني
**
بسترينه
ناطِر شربل بعيْني
يبعت لي البستريْنِه:
عصفُوره عيونا حلوين،
وبقسمها بينو وبيني!
**
قنينة شمبانيا
كل ما فتحت قنينة شمبانيا
بتفقع ضحكة شربل بعيني
**
فافي
الى الشاعر المهجري شربل بعيني لمناسبة صدور ديوانه الجديد "فافي"
لقد فكّت قيود الصمت، "فافي"
ونهر البوح فاض على الضفاف،
وعاد الأشيب الدهريّ طفلا
يؤرّقه حنين الاكتشاف...
و"فافي" غيمة سمراء رشّت
دموع الصبح في جرح الجفاف،
فأزهرت الحدائق، و"البعيني"
روى من عطرها عمر التجافي؛
وراحت تهتف الأوتار شجوا،
فغنّت مصر: يا طيب الهتاف!
وفي لبنان قال الأرز زهوا:
هو الحمل المدلّل في خرافي!
و"فافي" الحلم، لمّا صار انسا،
نجوم العيد هلّت في المنافي:
فهل في الحلم ورد الشعر ينمو،
ام اللقيا ربيع للقوافي؟
وما بال "البعيني" بات يشكو
من الخجل المغطّى بالعفاف؟
على وعد القطاف ارتاح دهرا:
كسرت القلب يا وعد القطاف!
..ويا "فافي" حباك الشعر شالا،
فمن ليل وبرد لا تخافي؛
ومهجة "شربل" صارت كتابا،
وعيناك القصيدة في الغلاف!
2013
**
مسبّع الصفحات
تحيّة لبنانيّة وبعد،
أشكرك على كلمتك اللطيفة في صدى لبنان، وصدانا أيضاً، في عدد الثلاثاء 5 نيسان 1988.
وأشكر صديقنا الأستاذ جوزاف بو ملحم، الذي شرّع لنا قلباً وقلماً وجريدة.
اسم اللـه عليك يا شربل بعيني، يا مسبّع .. الصفحات!
لا أكاد أنتهي من معانقة أبياتك في صحيفة، حتّى أسلّم عليك في أخرى.
أيّها النبع الفوّار..
ليس كثيراً عليك أن (تطوف) شعراً، لأنّك ملأت جرارك من (عيون مجدليّا).
ولا أستغرب شفافيّة لديك، فقريبتك (سوزان) تفيض في لبنان رقّة وجمالاً وثقافة، والشعراء يكتبون.
أما مسألة التقليد والتجديد في الشعر، فتلك مسألة محسومة من زمان، لأننا أبناء الحريّة والمستقبل، والتجديد من المسلّمات.
شكراً مرّة ثانية، والسلام عليك.
19 نيسان 1988
**
عنداري ـ بعيني: العين المزدوجة
أعترف أنني أحترم النقد، ولست بناقد، وأتذوّق المنهجية الأكاديمية، ولا أدعيها، فأنا مزاجي، انطوائي واجتماعي في آن، وللنقد أصول موضوعية ومدارس واتجاهات. ولقد "خربتني" المطالعة، وأنا طاحون كتب وجرائد، فأراني أحياناً متأرجحاً بين نزعتين: فطرية أصلية، ونقدية مكتسبة، وهنا السؤال: بأية عين أتطلّع الى كتاب كي لا ننسى؟ (1)
في هذا الكتاب، الشاعر شربل بعيني، طاحون النشر في أوستراليا، يختار بعض مقالات للصحفي بطرس عنداري، ويقدّم لها، ويضمّها بين دفـّتين، وبين بعيني والعنداري، حرف "العين" مزدوج، ولعل نظرة "العين" مزدوجة أيضاً. فماذا يرى "أبو زياد" حتى يكتب؟ ولماذا تحمّس "أبو الهمّات" لكتابات "أبو زياد"؟.
أولا العين الواحدة:
العين مرآة النفس، وانعكاس العالم في النفس، في وقت واحد. انها طريق معرفة باتجاهين: داخلي وخارجي. ومع أنها أداة للذهن، فقد تنزلق أحياناً الى شهوة القيادة، وتورط صاحبها، حتى قال فيها الكتاب المقدّس: "اذا شككتك عينك اقلعها.."، وقد تعود المسكينة الى وظيفتها الأصلية "كاميرا" من لحم ودم، لكنها غالية كثيراً، وإلا، فكيف تنادي حبيبتك "يا عيني"؟.
وعين بطرس العنداري ثاقبة ومنقبة، محبّة ومسؤولة، حنونة وقاسية، وذكية بامتياز، فهي تتنقل بصورة "بانورامية" من أخبار الحرب في لبنان، الى مفارقات السياسة الاسترالية، الى مآقي أهلنا في سيدني، الخ..
ومن عناوينه تعرفه: الشعر الخنفشاري، انكزلي بأنكزلك، زمن الكلاب، بخور الخوري شلهوب أو "المونسنيور يا بطرس"، تعال ايها الحقد، وهلم جراً..
وفضل العنداري انه تخطى مرحلة التلقي السلبي لمظاهر أوستراليا "الحضارية"، فأمعن في نقدها وتشريحها وكشف خفاياها، وهكذا اصبحت العين سلاحاً اصلاحياً وواسطة وعي والتزام. هذا الملتزم بآلام شعبه، في الوطن والمهجر، يقول: "أبحث عن موضوع لهذه الزاوية، أعثر على الكثير من مواضيع النقد الاجتماعي، التي تطال شعبنا ومهاجرينا، ولكن لا يجوز أن تكتب عن الفكاهة والخمريات، والجمال الصارخ، عندما تكون المناحة قائمة، والجثث تملأ الساحات" (2)، هو يكتب، اذن عن هموم الناس الحقيقية، فما هو رأيهم؟ وكيف تنظر اليه عيونهم؟.
ثانيا: العين المزدوجة:
قد لا يهم عدد الذين قرأوا مقالات "كي لا ننسى" على صفحات "النهار"، فأنا من المؤمنين بالجودة وبالنخبة ـ الخميرة. وأذكر هنا قولاً لرئيس وزراء تونسي سابق هو الهادي نويرة: "الديمقراطية لا تعني حكم الأكثرية الجاهلة".
ولكن يهمني صدى "كي لا ننسى" في نفوس أدباء المهجر، أو من يدّعون. هنا أرفع قبّعتي لشربل بعيني، الذي حضن هذه المقالات، بعفويته المعهودة، وعرّفني، أنا المضروب حديثاً "بزلطة" الغربة، على حياة بطرس العنداري، الصحافي المعتصم بحبل الصمت الشفهي، إلا اذا داعبك أو "ناقر" أم العيال.
عين شربل بعيني رديفة لعين بطرس العنداري، شريكتها في النظر، والاعتبار، و"نشر الغسيل على السطوح".. والنظر بعين مزدوجة أخطر، والقضية أبعد من تصوير فوتوغرافي بكاميرا متريتي ساخر.
لماذا يرى بطرس العنداري ويكتب؟
لماذا لا "يطفش" كسائر الناس؟
لماذا يدعمه "شربل" ويزكي مقصده؟
وتكرّ الأسئلة، حتى نصل الى سؤال أساسي: لماذا يكتب الكتـّاب؟
بصراحة، لا أملك جواباً واحداً ونهائياً على هذا السؤال ـ المعضلة. وأستعير هنا جملة من الشاعر الألماني الراحل "هلدرلن" الذي أوصى كل شاعر من بعده بقوله: كن كالكأس التي لا تتعب من الرنين.. الكتابة فعل تحدٍ للموت، ومقارعة للزمان، وتمرّد على الغربة والقهر والحزن والاحباط، وتجاوز لمحدودية العمر الى لا نهاية العطاء.
هكذا قال شربل عن بطرس:
جايي لهالدنيي زياره
خلاّها تتحوّل عرس (3)
باختصار، المشهد ينتقل من عين الى عين، وقد تكون عيني ثامنة أو رابعة، المهم "أن نعرف الحق، والحق يحررنا"، وأن نعتبر صدور كتاب هنا في أرض القحط الأدبي والادعاء الفارغ، عملاً بطولياً.
وكم تمنيّت لو حملت المقالات المنتقاة تاريخ صدورها في "النهار"، اضاءة للنص، وشهادة للتاريخ، وأراني أحلم يمجموعة كاملة تضم هذه المقالات في مجلد واحد، فهل أدعو، من غير أن أدري "أبو زياد الى الاستشهاد؟
أين أنتم يا اصحاب الملايين من أبناء جاليتنا الميامين؟ وأين دار النشر العربية في أوستراليا؟ أين.. أين؟
رحمة الله على فلوسك يا شربل، وهنيئاً لنا بكتابك.
المراجع:
1) كي لا ننسى، مجموعة مقالات للصحافي بطرس العنداري، اختيار وتقديم الشاعر شربل بعيني. 104 صفحات من القطع الوسط، سيدني 1988.
2) كي لا ننسى، صفحة 39
3) كي لا ننسى، الغلاف
النهار، العدد 595، 16/6/1988
**
تقديم
إذا انذكرت مجدليا،
منذكر بيت البعيني،
واذا ذكرنا بيت البعيني،
منذكر أول شي الشاعر الصديق شربل بعيني
شاعر الغربة الطويلة..
الشاعر المفضل على الشي الإسمو أدب مهجري بأستراليا.
هوي اللي أسس..
هوي اللي أعطى..
وهوّي اللي علّم.
وهوي عم العريس.
مش بس عم العريس..
العريس سميّو: شربل
عاشت الأسامي.
عرس شربل ورامونة بعيني
**
شربل بعيني في "معزوفة حب": هاجس النضارة
ينحو الشاعر شربل بعيني في ديوانه الجديد "معزوفة حب"1 منحى متطوراً، في سياق مسيرته الشعرية الممتدة على مدى عشرين سنة ونيّف. ولئن كان الاستاذ جوزاف بو ملحم اعتبر في مقدمته "ان الشعر دار دورته الأولى"2 إلا أن شربل، برأيي، قد تجاوز نفسه في هذا الكتاب، من حيث اللعبة الفنية والومضة الشعرية، بحيث أراه يتسلق جبل النضارة مشملاً، مختصراً، معمقاً تجربته، دقيقاً في اختيار ألفاظه. صحيح أن قصائده لا تخلو من شوائب، لكن الانطباع العام عنها هو انها تشكل نقلة نوعية كبيرة في شعر شربل.
وقد لاحظت، أن شاعرنا يترك "الخمرة الجيدة" للصفحات الأخيرة من الديوان، وادهشني أن أرصد في قصائده القديمة المنشورة في بيروت عام 1971، نضوجاً فنياً قد لا يتوافر في ثمانيناته!. هل أثرت الغربة على الشاعر الشاب المهاجر حديثاً، آنذاك، فانعطف من رمزية مصنوعة باتقان الى مباشرة عفوية لا أثر للصنعة فيها؟
لا شك أن الجمهور الأدبي، في المغتربات البعيدة، يدفع الشاعر دفعاً في متاهة الالقاء المنبري، "وكلنا بالهو سوا"، لكن المنبرية لا تغني عن قصيدة العين المحبوكة خيطاً خيطاً، نقطة نقطة، ومن هذه المحبوكات قصيدة "ذكريات"3، التي اتخذتها موضوعاً لهذه المقالة.
ماذا في "ذكريات"؟
1ـ القصيدة:
ـ1ـ
كل الغنيّات الحلوه الغنيّتيها
حفظوها الناس
وكتبوها كلاّ بإسمك
ـ2ـ
كل الطلاّت المضويّه الطليتيها
منتذكرها طله وطله
كلما لمحنا صدفه.. رسمك.
ـ3ـ
زهرات الغربه سقيتيها
من ينبوع الطهر الجاري
بمرجة جسمك
ـ4ـ
ايدين الناس مسكتيها
ووصلتيهن متل اليقظه
للأرض اللي عم تعطيها
إسمك،
رسمك،
جسمك،
دمّك.
2ـ البناء الكاتدرائي
تمثّل قصيدة "ذكريات" عمارة هندسية متكاملة، مؤلفة من أربعة أعمدة، تتوجها قبة عالية، مثل كاتدرائية تشكل أعمدتها أساساً لقبّتها، وتعطي قبّتها، حاملة الجرس، معنى احتفالياً للأعمدة الباردة من خلال علاقة جدلية رائعة.
ومما يزيد في الجو الطقسي، استعمال بعض المفردات المسلوخة من شبية عتيقة، مثل "ينبوع الطهر" او "الطلات المضويه".. وتؤدي كلمة "الناس" المستعملة مرتين، في هذا النص القصير اضاءة اضافية على شخصية صاحبة القصيدة. انها كما يبدو مغنيّة "الغنيّات الحلوة"، تواكب الأضواء طلّتها "الطلاّت المضويه"، تمتاز بالطهر "ينبوع الطهر"، مرشدة حنونة "ايدين الناس مسكتيها". هذه الصفات الاربع: الغناء والضوء والطهر والارشاد، قد لا تتوافر في امرأة من لحم ودم، وأغلب الظن انها المرأة ـ القصيدة. فالقصيدة هي مغنيّة بموسيقاها، تطل من بين أضواء الحلم، تسقي الغربة ماء طهرها، تقود خطانا الى الارض.. و"الارض" في الغربة لا تعود أرضاً بالمعنى الحصري للكلمة. قل هي التراب والاهل والذكريات، كل ما في الوطن من لحظات مشرقة.
وتأتي المفاجأة الكبيرة في الكلمة الأخيرة "دمّك"!! فإذا كان "اسمك" مستعاراً من المقطع الأول، "ورسمك" من الثاني، "وجسمك" من الثالث، فإن كلمة "دمّك" هي جرس القبّة، لأنها تأتي من خارج البناء نهاية مأساوية للمسيرة الاحتفالية السعيدة. هكذا يسفح الشاعر دم القصيدة عندما يحبسها في ألفاظ جامدة تبقى عاجزة عن الاحاطة بكل ما في نفس كاتبها، لكن دمها، رمز خيانتها، يصبح مكملاً ل "ينبوع الطهر"، فإذا هو رمز قيامتها من السقوط في وحل اللغة ـ المصطلح الاجتماعي.
3ـ الشاعر والمطلق
المطلق حبيب الشاعر، قبلته، محط عينيه المتعبتين.. لذلك تراه يكره النسبية، يرفض التسويات، يمقت الحلول الوسط، وقد يكون اتهام الشعراء بالجنون يعود الى تمردهم على الواقع، والسلطات، والأعراف، في كل زمان ومكان، فيغدون بنظر المجتمع شاذين، رافضين، "يتبعهم الغاوون".
وفي قصيدة "ذكريات" يطل "المطلق" بأحلى صورة، من خلال كلمة "كل": كل الغنيّات، كتبوها كلاّ، كل الطلاّت.. ويأتي استعمال صيغة الجمع مكملاً لكلمة "كل" في "الغنيّات، الطلاّت، الزهرات، الناس" الخ. ويتذكّر الشاعر طلاّتها، طلّة طلّة، فلا تفوته واحدة، وكأنه كان مرابطاً على مفارق المسافات كلها، يسجّل طلاتها المضيئة.
ولا يتعب الشاعر من عطاء، كما لا تتعب قصيدته التي تعطي اسمها ورسمها وجسمها ودمها و... ثلاث نقا طفي آخر القصيدة، تفضح نهم الشاعر الى العطاء من دون حدود، وكأن ما أعطاه "اسم ورسم وجسم ودم" لا يكفي. يا ألله ما هذا الكرم؟ ما هذا الجنون؟!.
موسيقى الكلمات:
رغم استهتار البعيني بعفويته وتلقائيته، يبرز في قصيدته تناغم موسيقي بين كلماتها يضفي على الوزن رنة اضافية. فالكلمات الأربع "اسمك، رسمك، جسمك، دمك" تشترك في حرفين موسيقيين، السين والميم، قد يكونان أحلى أبجديتنا.. وفي السطر الثالث "كتبوها كلاّ بإسمك" تتردد "الكاف" ثلاث مرات، آتية من أعماق الحلق، في لعبة ايحائية ذكية، وفي "الجاري بمرجة جسمك" يلعب حرف "الجيم" دوراً إغرائياً مفضوحاً، رغم "ينبوع الطهر" لما لهذا الحرف من قدرة على وصف الجسم اللدن كالعجين.
وتشكل القافية "الكاف الساكنة" نهاية منطقية للحسرة المنتشرة في أرجاء القصيدة، وكأن الشاعر يتعمّد ابقاء فمه مفتوحاً في النهاية، دهشة او احتجاجاً.
وتبرز في القصيدة اشكالية الكتابة بالعامية: هل نكتب "ذكريات" أم زكريات" كما نلفظها؟
هل نكتب "الغنيتيها" أم "ل غنيتيها" اختصاراً وتسهيلاً للقراءة؟
هل نكتب "كتبوها" أم "كتبوا"؟ ولماذا كتب الشاعر "كلاّ" وليس كلّها؟
أسئلة كثيرة تبقى بحاجة الى جواب، يشكّل أساساً لقواعد نموذجية للكتابة بالعامية.
**
شربل بعيني، باختصار، شاعر يتصفّى كل يوم، تصهره التجربة، يغمره الحب المتجدد، قد يلومه البعض على غزارة لديه، لكن غزارته مغفورة اذا اقترنت دائماً بالنضارة.
وأذكر أنني قلت، يوم تكريمه، أواخر حزيران الفائت:
"بالعيد شو بهديك يا شربل؟
يا ريت بعدي بهاك الحفافي،
بجبلك معي غربال، تا تغربل،
وما يضل إلا قمحك الصافي".
مبارك قمحك الجديد يا شربل.
**
هوامش:
1ـ معزوفة حب، ديوان شعر 144 صفحة قطع صغير، سيدني 1989.
2ـ معزوفة حب، صفحة 9.
3ـ المصدر نفسه، صفحة 19.
التلغراف، العدد 1999، 27/11/1989
**
الشاعر النبيل
تشرّفني محبّة الشاعر النبيل شربل بعيني،
يترجمُها قصيدةً
أم مقالةً
أم جائزة.
منذ أكثر من ربع قرن،
تعرّفتُ الى شربل،
وما زال كما كان خلوقاً وشهماً ووفيّاً.
شكراً على المحبة يا صديقي،
وسلمت يدُك البيضاء.
مجلة الغربة 2015
**
الجائزة
ـ1ـ
بدي قول تلات شغلات:
عصر جوايز كتيره وين ما كان.
مرّات بقول: كل جايزه قديش نسبة المحبه فيها
منن عشرين بالميه.
منن تلاتين بالميه
منن أربعين بالميه
جايزة شربل بعيني ميه بالميه.
ـ2ـ
تاني شغله..
الجايزه المضافه ع الجايزه
انّو تقدملي ياها شاعر الضوء
السيدة مارسيل منصور.
ـ3ـ
تالت شغله..
بالزمان كتبت يا خيي شربل
"كل ما فتحت قنينة شمبانيا
بتفقع ضحكة شربل بعيني"
انشالله هالضحكه ما بتخلص.
28 حزيران 2015
**
طرطوشة
شاعر الغربة الطويلة
والبال الطويل،
شربل بعيني،
يكتب بحبر العين حكايته مع الرفاق.
وها "طرطوشة" من حبره تصيبني،
وانا شاكرٌ جداً.
الفايس بوك تموز 2015
**
يا مصر
تعليق الشاعر فؤاد نعمان الخوري على قصيدة الشاعر اللبناني شربل بعيني التي غنّاها الفنان العراقي اسماعيل فاضل:
شِعر لبنان،
ونغم العراق،
وسحر مصر بينهما:
ثلاثيّة العشق والإبداع
والعطاء المذهّب.
سلمت يدٌ كتبت،
وريشةٌ لحّنت،
وصوتٌ غنّى فأجاد.
مبروك!
مجلة الغربة، 2014
**
محاولة جيدة
شربل بعيني قام بمحاولة جيّدة في "مناجاة علي"، حيث أخذ الزجل ليحتك بقضايا جديدة في الفلسفة والمصير والكون، هذه الخطوة بحد ذاتها مباركة.
صوت المغترب، العدد 1952، الصادر في 31/10/1991
**
كيف نكتب العامية؟
هل حان الوقت لضبط كتابة العامية: أم ترانا في محاولة كهذه نرتّب "المعلف" قبل الفرس.
من المعروف ان "تقعيد" ابة لغة، حصل بعد تراكم ابداعي، وبعد أخذ ورد طويلين، على مدى طويل من الزمن، ولا أدعي هنا تقييماً لما نشر حتى اليوم باللغة اللبنانية العامية، لكن مشكلات كتابتها تبرز كلما نشر شاعر قصيدة في جريدة.
وتذخر الصحف العربية في سدني بكتابات عامية، غالباً ما "تتشكل" وفق تقليد أعمى أو بحسب تقدير خاص لا يراعي عين القارىء وذوقه وحسه النقدي، فبأية طريقة نكتب العامية؟
لقد تبلورت في لبنان اتجاهات ثلاثة في هذا الموضوع:
لغة سعيد عقل، ولغة يوسف الخال، ولغة المدرسة الثالثة، فماذا تعني كل هذه المحاولات؟
أولا: سعيد عقل واللغة اللبنانية.
اذا كان الزجل اللبناني قديم العهد، ومن أعلامه المطران جرمانوس فرحات، والمطران القلاعي وغيرهما، فإن اول مناداة بلغة لبنانية مستقلة جاءت على لسان الشاعر سعيد عقل، وقد أثارت عاصفة من الاعتراضات.
"اكتب كما تلفظ" يقول سعيد عقل، ويؤيده ميشال طراد، وموريس عواد، ومي مر. مثلاً في كتابة الرقم 11.. في اللغة اللبنانية نكتب "حدعش"، وفي اللغة العربية نكتب "أحد عشر"، فتأملوا الفرق في وقت اللفظ بين التعبيرين.
ثانياً: اللغة العربية الحديثة
حين اصطدم الشاعر الراحل يوسف الخال بجدار اللغة كما قال، قام بثورة ذاتية ونشر ديوانه "الولادة الثانية" بلغة عامية سماها عربية حديثة. يقول الخال: اللغة تنمو ككائن حي، وتحديثها ثورة على الجمود. لغتي هي لغة الشعب الذي هو فوق كل المجامع.
ولم تبطىء المجامع في الرد، فاتهمته بالشعوبية والتخريب، وخدمة الامبريالية. لكن حركته بدأت تتسع وتجذب مؤيدين مثل عبده وازن وشحاده وازن وعقل العويط وغيرهم.
ولقد نشر الاديب جاد الحاج في سدني ديواناً بعنوان "دارج" أهداه لذكرى يوسف الخال، وكتب في الصفحة 28:
"جيابي امتلت ورق وحبر، وبعدني ما قلت، ما غنيتلك الغنيّة".
نلاحظ هنا انه استعمل فعل "امتلت" وليس "انتليت"، وكتب "الغنيّة" وليس "الغنيّي"، فبقيت لغته وسطاً بين الفصحى والعامية.
ثالثاً: المدرسة الثالثة
الشاعر ايليا ابو شديد من شعراء العامية الطليعيين في لبنان، وقد نشر حوالي عشرة دواوين بلغة مصفاة سماها لغة "المدرسة الثالثة" تمييزاً بين اللغة العربية الفصحى ولغة سعيد عقل اللبنانية.
يدعو ابو شديد الى تنقية العامية الاقليمية المحلية من قاموسها الضيّق، والغرف من معجن الفصحى بحيث لا يؤذي العين او الأذن، فتراه يكتب "ورده" وليس "وردي" تمييزاً بين الاسم والنسبة، وحتى لا يؤذي العين التي تعودت على كلمة وردة.
ورغم ان هذه الطريقة لم تتبلور بعد وتأخذ كامل خصوصيتها الابداعية الا انها تبدو الأقرب الى المنطق والواقع.. وها الشاعر شربل بعيني يكتب في ديوانه الاخير "الله ونقطة زيت":
صدّقتن وحبال الكذبه
عم تتعلقلي بالسر
بشجره بيسموها "الصحبه"
وراقا ع طول بتصفر.
لا أستطيع في هذه العجالة أن أتطرق الى كل مشاكل الكتابة باللغة اللبنانية، فذلك يحتاج لأكثر من كتاب، ولكن حسبي انني طرقت الباب وبدأت النقاش.
وقد تكون القضية افلتت من ايدينا في المغتربات، لقلة عدد القارئين بحرف الضاد، فيما اولادنا بالكاد يتكلمونها. وهنا ينتقل الطرح الى مجال أكبر وأخطر: هل نكتب عاميتنا بالحرف اللاتيني، على طريقة سعيد عقل في جريدة "لبنان"؟
أعترف انني لا املك الان الجواب!
التلغراف، العدد 1870، 30/1/1989
**
انت الأكبر
ب عيدي خدت الحلوينه
كلمة شربل البعيني؛
ولو أزغر بالعمر شوي
انت الأكير في عيني!
**
تعزية
مكسُور خاطر شربل بعيني:
خيُّو ب عينِه والدني ب عينِه؛
وكترة ما نحنا فرد قلب وروح
الدمعه لْ بعَينو نزلِت بعَيني!
**
عنداري ـ بعيني: العين المزدوجة
أعترف أنني أحترم النقد، ولست بناقد، وأتذوّق المنهجية الأكاديمية، ولا أدعيها، فأنا مزاجي، انطوائي واجتماعي في آن، وللنقد أصول موضوعية ومدارس واتجاهات. ولقد "خربتني" المطالعة، وأنا طاحون كتب وجرائد، فأراني أحياناً متأرجحاً بين نزعتين: فطرية أصلية، ونقدية مكتسبة، وهنا السؤال: بأية عين أتطلّع الى كتاب كي لا ننسى؟ (1)
في هذا الكتاب، الشاعر شربل بعيني، طاحون النشر في أوستراليا، يختار بعض مقالات للصحفي بطرس عنداري، ويقدّم لها، ويضمّها بين دفـّتين، وبين بعيني والعنداري، حرف "العين" مزدوج، ولعل نظرة "العين" مزدوجة أيضاً. فماذا يرى "أبو زياد" حتى يكتب؟ ولماذا تحمّس "أبو الهمّات" لكتابات "أبو زياد"؟.
أولا العين الواحدة:
العين مرآة النفس، وانعكاس العالم في النفس، في وقت واحد. انها طريق معرفة باتجاهين: داخلي وخارجي. ومع أنها أداة للذهن، فقد تنزلق أحياناً الى شهوة القيادة، وتورط صاحبها، حتى قال فيها الكتاب المقدّس: "اذا شككتك عينك اقلعها.."، وقد تعود المسكينة الى وظيفتها الأصلية "كاميرا" من لحم ودم، لكنها غالية كثيراً، وإلا، فكيف تنادي حبيبتك "يا عيني"؟.
وعين بطرس العنداري ثاقبة ومنقبة، محبّة ومسؤولة، حنونة وقاسية، وذكية بامتياز، فهي تتنقل بصورة "بانورامية" من أخبار الحرب في لبنان، الى مفارقات السياسة الاسترالية، الى مآقي أهلنا في سيدني، الخ..
ومن عناوينه تعرفه: الشعر الخنفشاري، انكزلي بأنكزلك، زمن الكلاب، بخور الخوري شلهوب أو "المونسنيور يا بطرس"، تعال ايها الحقد، وهلم جراً..
وفضل العنداري انه تخطى مرحلة التلقي السلبي لمظاهر أوستراليا "الحضارية"، فأمعن في نقدها وتشريحها وكشف خفاياها، وهكذا اصبحت العين سلاحاً اصلاحياً وواسطة وعي والتزام. هذا الملتزم بآلام شعبه، في الوطن والمهجر، يقول: "أبحث عن موضوع لهذه الزاوية، أعثر على الكثير من مواضيع النقد الاجتماعي، التي تطال شعبنا ومهاجرينا، ولكن لا يجوز أن تكتب عن الفكاهة والخمريات، والجمال الصارخ، عندما تكون المناحة قائمة، والجثث تملأ الساحات" (2)، هو يكتب، اذن عن هموم الناس الحقيقية، فما هو رأيهم؟ وكيف تنظر اليه عيونهم؟.
ثانيا: العين المزدوجة:
قد لا يهم عدد الذين قرأوا مقالات "كي لا ننسى" على صفحات "النهار"، فأنا من المؤمنين بالجودة وبالنخبة ـ الخميرة. وأذكر هنا قولاً لرئيس وزراء تونسي سابق هو الهادي نويرة: "الديمقراطية لا تعني حكم الأكثرية الجاهلة".
ولكن يهمني صدى "كي لا ننسى" في نفوس أدباء المهجر، أو من يدّعون. هنا أرفع قبّعتي لشربل بعيني، الذي حضن هذه المقالات، بعفويته المعهودة، وعرّفني، أنا المضروب حديثاً "بزلطة" الغربة، على حياة بطرس العنداري، الصحافي المعتصم بحبل الصمت الشفهي، إلا اذا داعبك أو "ناقر" أم العيال.
عين شربل بعيني رديفة لعين بطرس العنداري، شريكتها في النظر، والاعتبار، و"نشر الغسيل على السطوح".. والنظر بعين مزدوجة أخطر، والقضية أبعد من تصوير فوتوغرافي بكاميرا متريتي ساخر.
لماذا يرى بطرس العنداري ويكتب؟
لماذا لا "يطفش" كسائر الناس؟
لماذا يدعمه "شربل" ويزكي مقصده؟
وتكرّ الأسئلة، حتى نصل الى سؤال أساسي: لماذا يكتب الكتـّاب؟
بصراحة، لا أملك جواباً واحداً ونهائياً على هذا السؤال ـ المعضلة. وأستعير هنا جملة من الشاعر الألماني الراحل "هلدرلن" الذي أوصى كل شاعر من بعده بقوله: كن كالكأس التي لا تتعب من الرنين.. الكتابة فعل تحدٍ للموت، ومقارعة للزمان، وتمرّد على الغربة والقهر والحزن والاحباط، وتجاوز لمحدودية العمر الى لا نهاية العطاء.
هكذا قال شربل عن بطرس:
جايي لهالدنيي زياره
خلاّها تتحوّل عرس (3)
باختصار، المشهد ينتقل من عين الى عين، وقد تكون عيني ثامنة أو رابعة، المهم "أن نعرف الحق، والحق يحررنا"، وأن نعتبر صدور كتاب هنا في أرض القحط الأدبي والادعاء الفارغ، عملاً بطولياً.
وكم تمنيّت لو حملت المقالات المنتقاة تاريخ صدورها في "النهار"، اضاءة للنص، وشهادة للتاريخ، وأراني أحلم يمجموعة كاملة تضم هذه المقالات في مجلد واحد، فهل أدعو، من غير أن أدري "أبو زياد الى الاستشهاد؟
أين أنتم يا اصحاب الملايين من أبناء جاليتنا الميامين؟ وأين دار النشر العربية في أوستراليا؟ أين.. أين؟
رحمة الله على فلوسك يا شربل، وهنيئاً لنا بكتابك.
المراجع:
1) كي لا ننسى، مجموعة مقالات للصحافي بطرس العنداري، اختيار وتقديم الشاعر شربل بعيني. 104 صفحات من القطع الوسط، سيدني 1988.
2) كي لا ننسى، صفحة 39
3) كي لا ننسى، الغلاف
النهار، العدد 595، 16/6/1988
**
تقديم
إذا انذكرت مجدليا،
منذكر بيت البعيني،
واذا ذكرنا بيت البعيني،
منذكر أول شي الشاعر الصديق شربل بعيني
شاعر الغربة الطويلة..
الشاعر المفضل على الشي الإسمو أدب مهجري بأستراليا.
هوي اللي أسس..
هوي اللي أعطى..
وهوّي اللي علّم.
وهوي عم العريس.
مش بس عم العريس..
العريس سميّو: شربل
عاشت الأسامي.
عرس شربل ورامونة بعيني
**
شربل بعيني في "معزوفة حب": هاجس النضارة
ينحو الشاعر شربل بعيني في ديوانه الجديد "معزوفة حب"1 منحى متطوراً، في سياق مسيرته الشعرية الممتدة على مدى عشرين سنة ونيّف. ولئن كان الاستاذ جوزاف بو ملحم اعتبر في مقدمته "ان الشعر دار دورته الأولى"2 إلا أن شربل، برأيي، قد تجاوز نفسه في هذا الكتاب، من حيث اللعبة الفنية والومضة الشعرية، بحيث أراه يتسلق جبل النضارة مشملاً، مختصراً، معمقاً تجربته، دقيقاً في اختيار ألفاظه. صحيح أن قصائده لا تخلو من شوائب، لكن الانطباع العام عنها هو انها تشكل نقلة نوعية كبيرة في شعر شربل.
وقد لاحظت، أن شاعرنا يترك "الخمرة الجيدة" للصفحات الأخيرة من الديوان، وادهشني أن أرصد في قصائده القديمة المنشورة في بيروت عام 1971، نضوجاً فنياً قد لا يتوافر في ثمانيناته!. هل أثرت الغربة على الشاعر الشاب المهاجر حديثاً، آنذاك، فانعطف من رمزية مصنوعة باتقان الى مباشرة عفوية لا أثر للصنعة فيها؟
لا شك أن الجمهور الأدبي، في المغتربات البعيدة، يدفع الشاعر دفعاً في متاهة الالقاء المنبري، "وكلنا بالهو سوا"، لكن المنبرية لا تغني عن قصيدة العين المحبوكة خيطاً خيطاً، نقطة نقطة، ومن هذه المحبوكات قصيدة "ذكريات"3، التي اتخذتها موضوعاً لهذه المقالة.
ماذا في "ذكريات"؟
1ـ القصيدة:
ـ1ـ
كل الغنيّات الحلوه الغنيّتيها
حفظوها الناس
وكتبوها كلاّ بإسمك
ـ2ـ
كل الطلاّت المضويّه الطليتيها
منتذكرها طله وطله
كلما لمحنا صدفه.. رسمك.
ـ3ـ
زهرات الغربه سقيتيها
من ينبوع الطهر الجاري
بمرجة جسمك
ـ4ـ
ايدين الناس مسكتيها
ووصلتيهن متل اليقظه
للأرض اللي عم تعطيها
إسمك،
رسمك،
جسمك،
دمّك.
2ـ البناء الكاتدرائي
تمثّل قصيدة "ذكريات" عمارة هندسية متكاملة، مؤلفة من أربعة أعمدة، تتوجها قبة عالية، مثل كاتدرائية تشكل أعمدتها أساساً لقبّتها، وتعطي قبّتها، حاملة الجرس، معنى احتفالياً للأعمدة الباردة من خلال علاقة جدلية رائعة.
ومما يزيد في الجو الطقسي، استعمال بعض المفردات المسلوخة من شبية عتيقة، مثل "ينبوع الطهر" او "الطلات المضويه".. وتؤدي كلمة "الناس" المستعملة مرتين، في هذا النص القصير اضاءة اضافية على شخصية صاحبة القصيدة. انها كما يبدو مغنيّة "الغنيّات الحلوة"، تواكب الأضواء طلّتها "الطلاّت المضويه"، تمتاز بالطهر "ينبوع الطهر"، مرشدة حنونة "ايدين الناس مسكتيها". هذه الصفات الاربع: الغناء والضوء والطهر والارشاد، قد لا تتوافر في امرأة من لحم ودم، وأغلب الظن انها المرأة ـ القصيدة. فالقصيدة هي مغنيّة بموسيقاها، تطل من بين أضواء الحلم، تسقي الغربة ماء طهرها، تقود خطانا الى الارض.. و"الارض" في الغربة لا تعود أرضاً بالمعنى الحصري للكلمة. قل هي التراب والاهل والذكريات، كل ما في الوطن من لحظات مشرقة.
وتأتي المفاجأة الكبيرة في الكلمة الأخيرة "دمّك"!! فإذا كان "اسمك" مستعاراً من المقطع الأول، "ورسمك" من الثاني، "وجسمك" من الثالث، فإن كلمة "دمّك" هي جرس القبّة، لأنها تأتي من خارج البناء نهاية مأساوية للمسيرة الاحتفالية السعيدة. هكذا يسفح الشاعر دم القصيدة عندما يحبسها في ألفاظ جامدة تبقى عاجزة عن الاحاطة بكل ما في نفس كاتبها، لكن دمها، رمز خيانتها، يصبح مكملاً ل "ينبوع الطهر"، فإذا هو رمز قيامتها من السقوط في وحل اللغة ـ المصطلح الاجتماعي.
3ـ الشاعر والمطلق
المطلق حبيب الشاعر، قبلته، محط عينيه المتعبتين.. لذلك تراه يكره النسبية، يرفض التسويات، يمقت الحلول الوسط، وقد يكون اتهام الشعراء بالجنون يعود الى تمردهم على الواقع، والسلطات، والأعراف، في كل زمان ومكان، فيغدون بنظر المجتمع شاذين، رافضين، "يتبعهم الغاوون".
وفي قصيدة "ذكريات" يطل "المطلق" بأحلى صورة، من خلال كلمة "كل": كل الغنيّات، كتبوها كلاّ، كل الطلاّت.. ويأتي استعمال صيغة الجمع مكملاً لكلمة "كل" في "الغنيّات، الطلاّت، الزهرات، الناس" الخ. ويتذكّر الشاعر طلاّتها، طلّة طلّة، فلا تفوته واحدة، وكأنه كان مرابطاً على مفارق المسافات كلها، يسجّل طلاتها المضيئة.
ولا يتعب الشاعر من عطاء، كما لا تتعب قصيدته التي تعطي اسمها ورسمها وجسمها ودمها و... ثلاث نقا طفي آخر القصيدة، تفضح نهم الشاعر الى العطاء من دون حدود، وكأن ما أعطاه "اسم ورسم وجسم ودم" لا يكفي. يا ألله ما هذا الكرم؟ ما هذا الجنون؟!.
موسيقى الكلمات:
رغم استهتار البعيني بعفويته وتلقائيته، يبرز في قصيدته تناغم موسيقي بين كلماتها يضفي على الوزن رنة اضافية. فالكلمات الأربع "اسمك، رسمك، جسمك، دمك" تشترك في حرفين موسيقيين، السين والميم، قد يكونان أحلى أبجديتنا.. وفي السطر الثالث "كتبوها كلاّ بإسمك" تتردد "الكاف" ثلاث مرات، آتية من أعماق الحلق، في لعبة ايحائية ذكية، وفي "الجاري بمرجة جسمك" يلعب حرف "الجيم" دوراً إغرائياً مفضوحاً، رغم "ينبوع الطهر" لما لهذا الحرف من قدرة على وصف الجسم اللدن كالعجين.
وتشكل القافية "الكاف الساكنة" نهاية منطقية للحسرة المنتشرة في أرجاء القصيدة، وكأن الشاعر يتعمّد ابقاء فمه مفتوحاً في النهاية، دهشة او احتجاجاً.
وتبرز في القصيدة اشكالية الكتابة بالعامية: هل نكتب "ذكريات" أم زكريات" كما نلفظها؟
هل نكتب "الغنيتيها" أم "ل غنيتيها" اختصاراً وتسهيلاً للقراءة؟
هل نكتب "كتبوها" أم "كتبوا"؟ ولماذا كتب الشاعر "كلاّ" وليس كلّها؟
أسئلة كثيرة تبقى بحاجة الى جواب، يشكّل أساساً لقواعد نموذجية للكتابة بالعامية.
**
شربل بعيني، باختصار، شاعر يتصفّى كل يوم، تصهره التجربة، يغمره الحب المتجدد، قد يلومه البعض على غزارة لديه، لكن غزارته مغفورة اذا اقترنت دائماً بالنضارة.
وأذكر أنني قلت، يوم تكريمه، أواخر حزيران الفائت:
"بالعيد شو بهديك يا شربل؟
يا ريت بعدي بهاك الحفافي،
بجبلك معي غربال، تا تغربل،
وما يضل إلا قمحك الصافي".
مبارك قمحك الجديد يا شربل.
**
هوامش:
1ـ معزوفة حب، ديوان شعر 144 صفحة قطع صغير، سيدني 1989.
2ـ معزوفة حب، صفحة 9.
3ـ المصدر نفسه، صفحة 19.
التلغراف، العدد 1999، 27/11/1989
**
الشاعر النبيل
تشرّفني محبّة الشاعر النبيل شربل بعيني،
يترجمُها قصيدةً
أم مقالةً
أم جائزة.
منذ أكثر من ربع قرن،
تعرّفتُ الى شربل،
وما زال كما كان خلوقاً وشهماً ووفيّاً.
شكراً على المحبة يا صديقي،
وسلمت يدُك البيضاء.
مجلة الغربة 2015
**
الجائزة
ـ1ـ
بدي قول تلات شغلات:
عصر جوايز كتيره وين ما كان.
مرّات بقول: كل جايزه قديش نسبة المحبه فيها
منن عشرين بالميه.
منن تلاتين بالميه
منن أربعين بالميه
جايزة شربل بعيني ميه بالميه.
ـ2ـ
تاني شغله..
الجايزه المضافه ع الجايزه
انّو تقدملي ياها شاعر الضوء
السيدة مارسيل منصور.
ـ3ـ
تالت شغله..
بالزمان كتبت يا خيي شربل
"كل ما فتحت قنينة شمبانيا
بتفقع ضحكة شربل بعيني"
انشالله هالضحكه ما بتخلص.
28 حزيران 2015
**
طرطوشة
شاعر الغربة الطويلة
والبال الطويل،
شربل بعيني،
يكتب بحبر العين حكايته مع الرفاق.
وها "طرطوشة" من حبره تصيبني،
وانا شاكرٌ جداً.
الفايس بوك تموز 2015
**
يا مصر
تعليق الشاعر فؤاد نعمان الخوري على قصيدة الشاعر اللبناني شربل بعيني التي غنّاها الفنان العراقي اسماعيل فاضل:
شِعر لبنان،
ونغم العراق،
وسحر مصر بينهما:
ثلاثيّة العشق والإبداع
والعطاء المذهّب.
سلمت يدٌ كتبت،
وريشةٌ لحّنت،
وصوتٌ غنّى فأجاد.
مبروك!
مجلة الغربة، 2014
**
محاولة جيدة
شربل بعيني قام بمحاولة جيّدة في "مناجاة علي"، حيث أخذ الزجل ليحتك بقضايا جديدة في الفلسفة والمصير والكون، هذه الخطوة بحد ذاتها مباركة.
صوت المغترب، العدد 1952، الصادر في 31/10/1991
**
كيف نكتب العامية؟
هل حان الوقت لضبط كتابة العامية: أم ترانا في محاولة كهذه نرتّب "المعلف" قبل الفرس.
من المعروف ان "تقعيد" ابة لغة، حصل بعد تراكم ابداعي، وبعد أخذ ورد طويلين، على مدى طويل من الزمن، ولا أدعي هنا تقييماً لما نشر حتى اليوم باللغة اللبنانية العامية، لكن مشكلات كتابتها تبرز كلما نشر شاعر قصيدة في جريدة.
وتذخر الصحف العربية في سدني بكتابات عامية، غالباً ما "تتشكل" وفق تقليد أعمى أو بحسب تقدير خاص لا يراعي عين القارىء وذوقه وحسه النقدي، فبأية طريقة نكتب العامية؟
لقد تبلورت في لبنان اتجاهات ثلاثة في هذا الموضوع:
لغة سعيد عقل، ولغة يوسف الخال، ولغة المدرسة الثالثة، فماذا تعني كل هذه المحاولات؟
أولا: سعيد عقل واللغة اللبنانية.
اذا كان الزجل اللبناني قديم العهد، ومن أعلامه المطران جرمانوس فرحات، والمطران القلاعي وغيرهما، فإن اول مناداة بلغة لبنانية مستقلة جاءت على لسان الشاعر سعيد عقل، وقد أثارت عاصفة من الاعتراضات.
"اكتب كما تلفظ" يقول سعيد عقل، ويؤيده ميشال طراد، وموريس عواد، ومي مر. مثلاً في كتابة الرقم 11.. في اللغة اللبنانية نكتب "حدعش"، وفي اللغة العربية نكتب "أحد عشر"، فتأملوا الفرق في وقت اللفظ بين التعبيرين.
ثانياً: اللغة العربية الحديثة
حين اصطدم الشاعر الراحل يوسف الخال بجدار اللغة كما قال، قام بثورة ذاتية ونشر ديوانه "الولادة الثانية" بلغة عامية سماها عربية حديثة. يقول الخال: اللغة تنمو ككائن حي، وتحديثها ثورة على الجمود. لغتي هي لغة الشعب الذي هو فوق كل المجامع.
ولم تبطىء المجامع في الرد، فاتهمته بالشعوبية والتخريب، وخدمة الامبريالية. لكن حركته بدأت تتسع وتجذب مؤيدين مثل عبده وازن وشحاده وازن وعقل العويط وغيرهم.
ولقد نشر الاديب جاد الحاج في سدني ديواناً بعنوان "دارج" أهداه لذكرى يوسف الخال، وكتب في الصفحة 28:
"جيابي امتلت ورق وحبر، وبعدني ما قلت، ما غنيتلك الغنيّة".
نلاحظ هنا انه استعمل فعل "امتلت" وليس "انتليت"، وكتب "الغنيّة" وليس "الغنيّي"، فبقيت لغته وسطاً بين الفصحى والعامية.
ثالثاً: المدرسة الثالثة
الشاعر ايليا ابو شديد من شعراء العامية الطليعيين في لبنان، وقد نشر حوالي عشرة دواوين بلغة مصفاة سماها لغة "المدرسة الثالثة" تمييزاً بين اللغة العربية الفصحى ولغة سعيد عقل اللبنانية.
يدعو ابو شديد الى تنقية العامية الاقليمية المحلية من قاموسها الضيّق، والغرف من معجن الفصحى بحيث لا يؤذي العين او الأذن، فتراه يكتب "ورده" وليس "وردي" تمييزاً بين الاسم والنسبة، وحتى لا يؤذي العين التي تعودت على كلمة وردة.
ورغم ان هذه الطريقة لم تتبلور بعد وتأخذ كامل خصوصيتها الابداعية الا انها تبدو الأقرب الى المنطق والواقع.. وها الشاعر شربل بعيني يكتب في ديوانه الاخير "الله ونقطة زيت":
صدّقتن وحبال الكذبه
عم تتعلقلي بالسر
بشجره بيسموها "الصحبه"
وراقا ع طول بتصفر.
لا أستطيع في هذه العجالة أن أتطرق الى كل مشاكل الكتابة باللغة اللبنانية، فذلك يحتاج لأكثر من كتاب، ولكن حسبي انني طرقت الباب وبدأت النقاش.
وقد تكون القضية افلتت من ايدينا في المغتربات، لقلة عدد القارئين بحرف الضاد، فيما اولادنا بالكاد يتكلمونها. وهنا ينتقل الطرح الى مجال أكبر وأخطر: هل نكتب عاميتنا بالحرف اللاتيني، على طريقة سعيد عقل في جريدة "لبنان"؟
أعترف انني لا املك الان الجواب!
التلغراف، العدد 1870، 30/1/1989
**
انت الأكبر
ب عيدي خدت الحلوينه
كلمة شربل البعيني؛
ولو أزغر بالعمر شوي
انت الأكير في عيني!
**
تعزية
مكسُور خاطر شربل بعيني:
خيُّو ب عينِه والدني ب عينِه؛
وكترة ما نحنا فرد قلب وروح
الدمعه لْ بعَينو نزلِت بعَيني!
**