أستراليا.. كيف هي يا اخي شربل بعيني؟/ عبد الودود المطري

إعلامي يمني معروف
      شربل بعيني: الشاعر المبدع والصديق العزيز
   تحيّة طيّبة وبعد،
   أتمنّى أن تصلك رسالتي وأنت في صحّة جيّدة، كما أنا عليه، بعد أن زرت أمريكا وفرنسا. فرنسا لعلاج إبني فهيم، وأميركا بناء على دعوة وجّهت لي من هناك، من قبل وكالة الإعلام الأميركيّة، أنا ومجموعة من الصحفيين اليمنيين. إستمعت إلى الأشرطة التي بعثتها إليّ بواسطة الأخ محمد الشرفي، فشكراً لك. وحقيقة فإن هذه الطفلة (ريما الياس) المؤديّة للأغاني معجزة، وكلمات الأغاني مبدعة، والألحان جميلة جداً.
   عزيزي شربل
   أرجو أن تكتب لي عن أستراليا. كيف هي؟.. هل هي مثل أمريكا مثلاً؟.. إذا كانت مثل أمريكا، فقد عرفت أمريكا ولا تعجبني، لأنني شرقي صميم، ومتخلّف صميم، ويعجبني تخلّف الشرق وروحانيّته، وأكره المادة.
   ضمن هذه الرسالة عددنا الأخير من الراصد، آمل أن يحوز إعجابك. بالمناسبة أنا أفكّر في أن أدرس يا عزيزي شربل، زهقت من العمل لأنه يمتصّني، يقتلني. أنا في الأساس مشروع شاعر فاشل، ولي بعض المحاولات البسيطة، وأكتب القصّة أيضاً. أريد أن أسأل إذا كان بالإمكان أن أدرس الأدب الأسترالي. أقصد إذا كان هناك منح مجّانيّة تقدّمها أي جهة كانت لمثل تلك الدراسات، فاكتب لي.. أود أن آخذ إجازة من الحياة لمدة عامين أو عام. للعلم، النفط أو الوسخ الأسود تدفّق هذا العام في بلادنا.
   أحمد الأشول يسلّم عليك، والعزيز محمد الشرفي مسافر حالياً في العراق ضمن وفد رسمي وشعبي وحزبي وسيعود بعد يومين. وحقيقة نحن مشتاقون لرؤيتك في بلادنا، ومحمد الشرفي يود ذلك كثيراً، وإنشاء اللـه سيتم في أقرب فرصة. تعالوا اسكنوا في بيتي.
   ملحوظة: السفارة البريطانيّة في صنعاء توزّع استمارات هجرة إلى أستراليا. أنا أريد أن أسبق الجميع، ولكن ليس بفرصة العمل، وإنما الدراسة. لغتي الإنكليزيّة لا بأس بها، يعني 40 بالمئة تقريباً، وأنا خرّيج، أصلاً، إدارة أعمال ـ بكالوريوس من جمهوريّة مصر العربيّة عام 1983، وأنا من مواليد 1958، ولكن قاتل اللـه الشعر والنثر والصحافة والقصّة، حولوا مجرى حياتي 180 درجة، ولـم أكسب سوى الشهرة. دلّني على بنك يصرف ثـمناً للشهرة.
16 آذار 1991
**
شاعر لبنان والقارة الجديدة شربل بعيني
جريدة الراصد اليمنية، العدد 11، 22 أيار 1991

   يقال في المثل: ربّ صدفة خير من ألف ميعاد، بل ونزيد عليها نحن: خير من مليون ميعاد. والصدفة لم تجمعنا تماماً، ولكنه الشعر والنثر وبغداد الجميلة جمعتنا ذات يوم بها، صيف 1987م، أثناء انعقاد مهرجان مربدها الشعري، وكان لنا شرف التعرّف على شاعر لبنان المهجري، الاستاذ شربل بعيني، الذي قطع القارات لكي نسمعه ويسمعنا، والذي أتى من قارة أستراليا، حيث البرد والصقيع والحرارة تحت الصفر، لكي يقول شعراً، ولكي تعرف، عزيزي القارىء في اليمن/ من هو شربل بعيني.
   يكفي أن شاعرنا يفاخر في أنه بدأ حياته الاجتماعية في أستراليا عتالاً في إحدى الفبارك هناك، ويعتبر أن ذلك هو الوسام الوحيد الذي يفاخر به، لأنه قرّبه أكثر فأكثر من معاناة الانسان الفقير، رغم حصده لكثير من اوسمة التقدير ومهرجانات التكريم.
   الراصد تعيد نشر جزء من حديث كان قد أدلى به شاعر لبنان والقارة الجديدة الى صحيفة البيرق الصادرة في سيدني، وذلك بغرض إشراك قاؤئنا العزيز في التعرف على الولد الشقي ةالطفل الانسان العبقري الذي كان أن يفقد اصبعه في عمله بالمصنع، ليصبح من أهم الشخصيات الأدبية والاجتماعية بين المهاجرين هناك، وكذلك حتى بين أبناء أستراليا نفسها:
ـ أستاذ شربل، متى سافرت الى أستراليا؟
* وصلت الى أستراليا في الحادي والعشرين من شهر كانون الأول عام 1971. وكان عمري عشرين سنة. وكانوا، وقتئذ، يعرّضون المهاجر الجديد الى اختبارات عدة أصعبها خلع حذائه قبل دخوله الطائرة كي لا ينقل الجراثيم من وطنه الأم إلى الوطن الموعود.
   تصوّر أن الموظف في السفارة الأسترالية يجمع أحذية المسافرين في غرفة جانبية، ويجبرهم على انتعال أحذية جديدة لم (تغبّر بعد)، وكأن الغبار اللبناني ملآن بالجراثيم الضارة. هذه الذكرى لن أنساها.
ـ هل كان هذا الإجراء متبعاً مع اللبنانيين فقط، أو مع باقي الشعوب أيضاً؟
* لست أدري تماماً، لأنني سافرت مرة واحدة، ولكنني وجميع الذين سافروا في تلك الفترة قد خضعوا لهذا الاجراء، وقد أخذت أحذيتنا بعد أن انتعلنا الأحذية الجديدة.
   قد يقرأ العديد من اللبنانيين حديثنا هذا ويكونون قد تعرّضوا إلى ما تعرّضت إليه أنا. هذا كان سنة 1971، أما الآن فلست أدري ماذا يحصل؟
ـ أستاذ شربل هل تتذكر أول قصيدة كتبتها؟
* بالطبع لا.. فأنا لا أتذكّر ماذا أكلت قبل ساعتين، أي بعد مرور عملية الهضم. فالله لم يمنحني ذاكرة قوية، فالنسيان عاهة تلازمني في كل مكان وزمان، وقد تعرّضت بسببه لانتقادات كثيرة من أصدقائي. 
   تصوّر أنني كنت أتكلم مع والدتي وبعد لحظات خرجت من الباب، ركبت السيارة ورحت أفتّش عن أمي، وقد نسيت كلياً أنها في البيت. هذه قصة واحدة من ملايين القصص التي قد تضحك القارىء كثيراً.
ـ دعنا ننتقل الى المسرح والعمل المسرحي. كم مسرحية كتبت حتى الآن؟
* لقد كتبت حوال 5 مسرحيات، مثّل منها 4 مسرحيات وبقيت الخامسة في الأدراج. ولقد حضرت أنت منذ مدة مسرحية "ضيعة الأشباح" وشرّفتني بكتابة مقال عنها أعتبره مفخرة أدبية.
ـ ككاتب مسرحي، ما رأيك بالمسرح في المهجر؟
* لقد حضرت العديد من المسرحيّات، وكنت، لحسن حظي، المقدّم لها، أو المعرّف بها لدى الجمهور، وقد أعجبت بما قدّم نظراً للثقة وللعطاء اللامتناهي اللذين يتمتّع بهما الممثل المهجري.
   حركة مسرحنا المهجري ينقصها الكثير من الاستعداد، ومن الفن المسرحي المتطوّر، ومع ذلك ترى القائمين عليها يعطون باندفاع وغبطة وفرح، ولا يسألون عن خسارة مادية، أو عن جمهور غفير أو شهرة أو ربح.
ـ ماذا فعلت للطفل العربي في المهجر من الناحية الأدبية؟
* أولاً، اشتركت مدرسة سيدة لبنان بأطفالها الصغار بمهرجان الطفل العالمي، كما اشتركنا بمهرجان ضد "الاجهاض". وكان المهرجان رائعاً للغاية، وقد أبدع الطلاب برقصاتهم وغنائهم، مع العلم أن أعمارهم لا تتعدى العشر سنوات.
   كما سيشترك أطفالنا بمهرجان دعانا إليه المجلس البلدي في "هولرويد"، ناهيك عن الرحلات التي تقوم بها المدرسة من أجل الترفيه عن هؤلاء الأطفال. هذا لا يعني أنني أفاخر بالقيام بهذا المجهود بمفردي، بل أن ادارة المدرسة تتحمل هذه المسؤولية على الوجه الأكمل.
ـ هل من كلمة أخيرة للقارىء العربي في المهجر؟
* أحب أن أدعوه للالتفاف حول الأدب المهجري والمسرح وتشجيعهما، لأن "ليس بالخبز وحده يحيا ابن الانسان"، نحن في مهجرنا اليوم نعيش نهضة أدبية وفنيّة مكلفة للغاية، لذلك فنحن بحاجة لدعم القارىء ولمساعدته المعنوية قبل المادية.

   انطوني ولسن ـ البيرق، 26/1/1991
**