شربل بعيني يروي حكاية بياع العنب في مجدليا/ روبير فرنجية

أديب وإعلامي لبناني مشهور

 شربل بعيني يروي حكاية بياع العنب في مجدليا:

هل غنت السيدة فيروز "يا بياع العنب والعنبيا" في فيلم " بنت الحارس " لمجدليا الزغرتاوية؟

مجدليا بلدة الشعر والشعراء والادباء والمدارس والجامعة الوحيدة في القضاء والاديرة العتيقة والصروح الاستشفائية والمؤسسات الصناعية ومدخل مدينة زغرتا لجهة طرابلس.

  أرخ الشاعر شربل بعيني الحكاية في مجلة "الدبور" سنة ١٩٧٠وقد لطشت وأستنسخت وأختلست دون ذكر اسم الكاتب .

اذا كانت كفرحالا وميس الريم و... من قرى الاخوين رحباني، فمجدليا هي بلدة زغرتاوية - شمالية - لبنانية بأمتياز .

(روبير ف) 

هنا المقالة التي كتبها بعيني : 

تناقل العديد من أبناء بلدتي مجدليا عبر مواقع التواصل الاجتماعي أغنية فيروز الشهيرة "يا بيّاع العنب" ووجدت أن البعض منهم قد نشر مقاطع من قصة كتبتها عام 1970 في مجلة الدبور اللبنانية، دون أن يذكروا اسم مؤلفها، وهذا مؤسف حقاً، لذلك اسمحوا لي أن أعيد نشر قصة أغنية فيروز "يا بياع العنب" بغية تصحيح الأمر. خاصة وان أحدهم قد حولها إلى فيديو دون ذكر اسمي. انها السرقة الأدبية التي يعاقب عليها القانون.

يا بيّاع العنب والعنبيّا

   كثيرون هم الذين سمعوا أغنية فيروز الأخيرة التي يقول مطلعها:

يا بيّاع العنب والعِنَبِيَّا

قول لأمي وقول لبيَّا

سرقوني الغجر..

من تحت خيمة مجدليّا

   وكثيرون هم الذين يجهلون أن لهذه الأغنية قصة واقعية، جرت حوادثها في بلدة واقعة شرقي طرابلس، تدعى مجدليّا.  

   وما زاد في انتشار هذه الأغنية، حتى عمّت شهرتها مغارب لبنان ومشارقه، هو كلامها السلس، ووزنها الخفيف، وجرسها المموسق.

   والغريب حقاً، أن لهذه الأغنية قصصاً عديدة، زادت في غموضها، وعدم صحتها.

   ولكنّي قمت مؤخراً بزيارة بعض عجائز القرية، لعلّي أحظى بشيء من الحقيقة، فأخبروني جميعهم قصة واحدة مدعومة بالإثبات الوحيد الباقي، ألا وهو جذع سنديانة غارق بالقدم، وأشاروا عليه بأصابعهم: هذا هو الدليل.

   وليس هذا فحسب ما يدل على صحّة القصّة، حيث أن الأغنية الكاملة التي غنّوها لي، تزخر بأسماء أشخاص ومناطق ما زالت معروفة حتى الآن.

   فمثلاً: عائلة "أنيسة"، وهناك العديد من أبنائها، أشهرهم عضو البلدية الحالية موسى أنيسة.

   وساحة البيادر، التي تكاد أن تضاهي بشهرتها إسم القرية نفسه.

   والقصة حسب ادعائهم تقول:

   منذ أربعمئة سنة ونيّف، سكنت في مجدليا عائلة مكونة من زوجين وطفلين، كبيرهما طفلة لم تناهز بعد ربيعها العاشر. وكانت أعمال العائلة محصورة في الزراعة وتربية الماشية.

   وذات يوم، وبينما كانت الطفلة ترعى خرافها، أرادت أن ترتاح، فاختارت سنديانة ظليلة، أسندت إليها رأسها، وغرقت في نوم عميق.

   وما هي إلاّ لحظات، حتى فاجأها صوت غريب فيه لكنة ابن البادية، فارتاعت كثيراً، وحاولت أن تصرخ، ولكن الخوف لجمها ومنعها عن الحركة، فحملها الإعرابي على ظهر حصانه، وساق أمامه القطيع، إلى أن وصل برّ الشام، فأنزلها هناك وسط الصحراء، وأدخلها خيمة مفروشة بالطنافس العربية، وبجلود الغنم، عرفت فيما بعد أنها خيمة الأمير.

   ومرّت الأيّام مسرعة، وأهل الفتاة أضناهم التفتيش عنها، حتى دبّ في قلوبهم اليأس، واعتقدوا أن وحشاً افترسها مع القطيع، إلى أن لعبت الصدفة دورها الأكبر، فقادت إليها بائع عنب متجولاً، يحمل على شفتيه قبس أمل.

   أجل، فالبائع راح يغني أنّى وصل، هذه الأغنية التي زوّدته بها الفتاة:

ـ1ـ

يا بيّاع العنب والعِنَبِيّا

قول لأمّي وقول لبيّا

سرقوني العرب والعاربيّا

من تحت سنديانة مجدليّا

ـ2ـ

بيتنا حدّ البيادر

وبيّي إسمو الشيخ نادر

وأمي من عيلة أنيسه

سآل عنها وعن كرم ديّا

يا بيّاع العنب والعِنَبِيّا

ـ3ـ

كنت هزهز من زمان

لخيّي بسرير المرجان

واليوم يا بيّاع صرت

هزهز لطفله بْنيَّه

بسرير الخشب والخاشبيّا

   وهكذا أدرك أهل الفتاة أن اعتقادهم خاطىء، وأن ابنتهم بحاجة لمساعدتهم، فجنّدوا أنفسهم، وتوجّهوا نحو مضارب القبيلة، حيث دخل أحدهم متنكراً إلى خيمة الأمير، فحاور وداور، حتى سنحت له الفرصة، فاستولى على الفتاة، وعاد بها ظافراً، والبسمة تعلو ثغريهما معاً.

   هذه هي حكاية بائع العنب والعنّاب، أرجو أن تكونوا قد اقتنعتم بها.

الدبور البيروتية، العدد 2368، كانون أول 1970 ( شربل بعيني )

**